هل يمكن رفع إيرادات الاتصالات إلى 4 مليارات دولار سنوياً في لبنان؟

  • 2020-07-31
  • 11:04

هل يمكن رفع إيرادات الاتصالات إلى 4 مليارات دولار سنوياً في لبنان؟

لبنان قادر على وضع رؤية جديدة لقطاع الاتصالات النقالة وتحقيق نهوض حقيقي

  • إياد ديراني

فوّتت الحكومات اللبنانية المتعاقبة فرصة تطوير قطاع الاتصالات بالشكل المناسب خلال السنوات العشرين الماضية، نتيجة الصراعات السياسية والفساد، ومع أن لبنان كان بلداً رائداً في إدخال خدمات الاتصالات النقالة إلى المنطقة في تسعينات القرن الماضي، إلا أنه اليوم يصارع للمحافظة على استمرارية هذا المرفق الحيوي.

وعلى الرغم من كل الضبابية التي تحيط بهذا القطاع حالياً، فإنه بالنسبة إلى المدير العام لشركة تاتش السابق وسيم منصور، إن الأمل معقود على تبنّي صيغة لتشغيل القطاع تحافظ على قدراته وأهمها القدرات التنافسية، وتسمح بإجراء عمليات التطوير الضرورية ما يساعد الخزينة العامة على تحقيق عائدات مُجزية، وتقطع الطريق على الفساد، لا بل لدى منصور قناعة من أن الصيغة التي ينادي بتنفيذها قادرة على رفع مساهمة القطاع في الناتج المحلي الإجمالي خلال سنوات عدة من 1 إلى 7 في المئة، أي ما يناهز 4 مليارات سنوياً. فما هي تفاصيل الحل الذي يقترحه منصور في لقائه مع "أوّلاً-الاقتصاد والأعمال"؟    

يقول منصور إن الحلول التقليدية لقطاع الاتصالات في لبنان لم تعد نافعة، خصوصاً في ضوء الأزمة الاقتصادية والمالية، مضيفاً أن لبنان فوّت خلال السنوات السابقة على نفسه فرصة بيع قطاع الاتصالات خلال مرحلة ذهبية، وهو الأمر الذي لم يعد ممكناً حالياً. 

 

 

إقرأ:

الاتصالات النقالة في لبنان على حافة الانهيار؟

 

حلول غير تقليدية

 

ويضيف: "لم يعد من مصلحتنا بيع الترددات أو الشبكات التي كلّفتنا أضعاف ما كان يجب أن تكلّفه. لهذا، اقتراحي يقضي بوضع أصول الشبكات والترددات الراديوية في عهدة شركة تملك فيها الدولة ما لا يزيد على نسبة 40 في المئة، وهي نسبة متعارف عليها في الشركات التي تملك فيها الدول حصة رئيسية، بعد ذلك نُجري طرح أسهم أولي للشركة في البورصة، ويكون مفتوحاً لكل اللبنانيين، بحيث يتملكون ما أقصاه 40 في المئة، ويمكن في هذه الحال استخدام المودعين لأرصدتهم العالقة في المصارف لشراء الأسهم. وبهذا يكون الحلّ المطروح لقطاع الاتصالات جزءاً من الحل الأشمل للقطاع المصرفي. وفي الوقت ذاته، نعرض ما لا يزيد على 20 في المئة من الأسهم على شريك استراتيجي، ويمكن أن يصل حجم استثمار هذا الشريك إلى مليار دولار. ومن خلال عائدات الطرح الأولي، يمكن إجراء تطوير كبير على الشبكتين، ودمجهما لتخفيض تكاليف إدارتهما وتشغيلهما ووقف الهدر، وقطع إمكانية تفشّي الفساد".

ويتابع منصور استعراض بنود الحل المُقترح فيقول: "بعد ذلك، نطرح رخصاً لمشغلين افتراضيين Mobile Virtual Network Operator (MVNO) يمكن أن يصل عددهم إلى خمسة، ونموذج عملهم مختلف جذرياً عن نموذج المشغّل المعتمد عالمياً، وبموجب هذا النموذج الجديد تكون الهيئة الناظمة للإتصالات ضمن الحلّ المنشود". 

 

 

إنقاذ الإيرادات

 

على الرغم من تنوّع المخاطر المحدّقة بهذا النموذج الذي يطرحه منصور، والذي يشبه نموذج المؤسسة السيادية المطروحة لإدارة مجموعة من أصول الدولة، بهدف استخدامها في حلّ الأزمة المالية والاقتصادية، إلا أن المخاطر المحدّقة بنموذج المشغل التقليدي لا تقلّ أهمية. واحدة من المخاطر هي تعرّض نموذج المشغّل الافتراضي إلى "المحاصصة" من جانب القوى السياسية والطائفية، تماماً كما يحصل في كل ملف تحاول الحكومات المتعاقبة إيجاد حلّ له، سواء من خلال مزوّدي خدمات الكهرباء أو خدمات الانترنت القائمة على شبكة الألياف الضوئية وغيرها من المجالات.

لكن أرقام الإيرادات التي يسجّلها لبنان في قطاع الاتصالات "خطيرة" إلى درجة تصبح فيها مخاطر تجربة نموذج جديد، أمراً مقبولاً نسبياً. ما بين العامين 2011 و2018 ارتفع عدد المشتركين في شبكتي الاتصالات من 3.16 ملايين إلى 4.45، لكن الأرباح الصافية انخفضت من 1.1 مليار دولار إلى 894 مليون دولار، فيما ارتفع الانفاق الاستثماري والتشغيلي من 289 مليون دولار إلى 661 مليوناً، وهذه أرقام تدلّ بشكل حاسم على تسرّب الإيرادات إلى مكان ما. 

 

كيف يعمل المشغّل الافتراضي؟

 

من المعروف أن المشغل الافتراضي يشتري دقائق الاتصالات وسعات الانترنت بالجملة ويبيعها بالمفرّق إلى شرائح مُستهدفة من السوق، فضلاً عن ذلك، في مجال المشغلين الافتراضيين ثمة فئات مختلفة، إذ يمكن للمشغل التخصّص في قطاعات، أو في مجالات محددة، تماماً كما هي الحال لدى شركة فيرجين موبايل التي تعمل في عدد من البلدان من بينها الإمارات. على سبيل المثال، ثمة مشغلون افتراضيون يتخصصون في باقات انترنت الأشياء، التي لا ينجح عادة في إطلاقها ونشرها كبار المشغلين، نظراً الى انشغالهم بإدارة وتشغيل الشبكة، كما ثمة مشغلون يلعبون دوراً في تقديم الخدمات الجديدة، كتلك التي تبدأ عند المنزل الذكي ولا تنتهي عند المدن الذكية، كما يتخصّص مشغلون افتراضيون آخرون ببيع سعات الانترنت لقطاعات محددة، أو لفئات استهلاكية مختلفة، والبعض منهم يضيف إلى عروضه خدمات مخصّصة للألعاب الرقمية أو للسيارات أو لشبكات كاميرات المراقبة في المرافق، وغيرها الكثير من الأمثلة. 

 

إقرأ أيضاً:

من يستطيع إصلاح قطاع الاتصالات في لبنان؟

 

هل ترتفع الإيرادات؟

 

وحول نشاط المشغل الافتراضي، يقول منصور: "سيحصل المشغل الافتراضي على رخصة كاملة للتشغيل الافتراضي Full MVNO license  لقاء بدل مالي، وعندما يبدأ بالعمل، سيبني السنترالات وينفّذ مشروع نظام الفوترة Billing System، وسينشر نقاط البيع، ثم سيشتري السعات بالجملة، ليعيد بيعها ضمن باقات للمشتركين، ويمكن أن يضيف إليها عروضاً متعلقة بدقائق الاتصالات الصوتية وغيرها من الخدمات". 
ويختم قائلاً: "أمّا الشريك الاستراتيجي، فيساهم من خلال استثماره بتطوير الشبكتين، وتوحيد مواردهما وتزويدهما بحلول الطاقة الشمسية على سبيل المثال. والنتيجة، هي زيادة المنافسة وتحسين نوعية الخدمات وتطوير الشبكتين، والأهم رفع مساهمة قطاع الاتصالات من 1 في المئة من الناتج المحلي حالياً، إلى ما يمكن أن يصل إلى حدود 7 في المئة، أو ما يوازي 4 مليارات دولار بعد سنوات عدة، وطبعاً تحقيق عائدات مُجزية للخزينة العامة. وسوق الاتصالات في لبنان ناضجة جداً من حيث القدرة على استخدام المنتجات الجديدة في قطاع الاتصالات، وتسمح برفع الإيرادات من القطاع. وبحسب تقرير للبنك الدولي (Mashreq 2.0) حول دور التحوّل الرقمي في النمو وتوفير الوظائف، يتمتع المستخدمون والشركات في لبنان بقدرات تتناسب واستخدام حلول الاتصالات الحديثة، ورغبة بتبنّي الخدمات خصوصاً وأنهم يتمتعون بمستويات ثقافية وتعليمية مرتفعة.