سلطان عُمان يستكمل التحديث والتطوير الهادئ

  • 2020-09-13
  • 09:04

سلطان عُمان يستكمل التحديث والتطوير الهادئ

الأولوية لمعالجة الدين العام وإعادة هيكلة الجهاز الحكومي

  • بيروت – "أوّلاً- الاقتصاد والاعمال"

يستكمل سلطان عُمان هيثم بن طارق آل سعيد نهجه الهادئ في التحديث والتطوير في سياق رؤية شاملة للتعامل مع التحديات الاقتصادية الحاصلة في البلاد. 

والمتابع للتطورات الحاصلة منذ توليه الحكم، يدرك أن السلطان الجديد يولي إدارة الملفين المالي والاقتصادي اهتماماً خاصاً في إطار رؤيته المستندة إلى متابعة دقيقة للملفات الاقتصادية، حيث سبق له أن شغل رئاسة لجنة رؤية 2040، والتي تفرعت منها لجان فنية وقطاعية توزعت على محاور عدة، ما وضعه على تماس مع شؤون الاستثمار واستقطاب الاستثمارات الأجنبية، بالإضافة إلى أنه كان قد تسلم قيادة شركات عدة في القطاع الخاص. 

وتزامنت ولاية السلطان هيثم بن طارق مع تفشي أزمة كورونا وتراجع أسعار النفط لتفرض المزيد من التحديات على الاقتصاد العماني، فيما يبقى الدعم الخليجي الذي ساند السلطنة في السنوات الماضية هو الآخر مرتبط بحجم التداعيات على اقتصادات هذه الدول.  

 

 

 

تفشي فيروس كورونا وتراجع أسعار النفط يشكلان تحديان أساسيان للاقتصاد 


 

تحديث الجهاز الحكومي 

 

ومنذ توليه الحكم، يقود السلطان هيثم بن طارق آل سعيد جهود حثيثة للتعامل مع التحديات المستجدة ولاسيما لجهة ارتفاع الدين العام وتقليص العجز في الميزانية العامة، علماً أن معظم وكالات التصنيف تصنف ديون السلطنة على أنها مرتفعة المخاطر.

وبدا الاستعداد لهذه المرحلة بالعمل على إعادة ترشيق الجهاز الحكومي وتحديثه بما يواكب المرحلة الحالية، في أول خطة من نوعها منذ نحو 50 عاماً، ونتج عن ذلك إلغاء بعض الوزارات أو دمجها وكذلك هي الحال مع جهات حكومية عدة، بهدف تبسيط الإجراءات واتخاذ القرار في سياق استراتيجية دعم القطاع الخاص واستقطاب المزيد من الاستثمارات الأجنبية. 

 

أبعاد التغيير الحكومي

 

وعكست التشكيلة الحكومية الجديدة أمرين أساسيين: الأول، أنها أعادت التأكيد على محورية الملفين الاقتصادي والمالي، إذ جرى على سبيل المثال استحداث وزارة الاقتصاد، وكذلك تعديل تسمية وزارة النفط والغاز إلى وزارة الطاقة والمعادن، وإضافة مسمى ترويج الاستثمار إلى وزارة التجارة والصناعة بما يضفي أبعاداً عدة على نشاطات هاتين الوزارتين. 

أما العنصر الثاني والأهم فتمثل في اختيار الوزراء، فقد أسندت وزارة الاقتصاد إلى د.سعيد الصقري وهو القادم من الجمعية الاقتصادية، كما عمل مستشاراً لمكتب مستشار السلطان للشؤون الاقتصادية. 

وعلى خط موازٍ، تولى سلطان بن سالم الحبسي مهام وزارة المالية، وهو ابن الوزارة ومتابع لشؤونها، وقد سبق له أن تدرج وتولى مهاماً قيادية فيها. 

 

تغيير النهج 

 

وتمثلت روحية التغيير الهادئ في السعي إلى تغيير النهج السائد لجهة تبسيط الإجراءات الحكومية والحدّ من البيروقراطية، شمل أيضاً الفصل التام بين مهام تولي الوزارة وشغل المناصب القيادية في المؤسسات الحكومية وشبه الحكومية التابعة، لإضفاء الاستقلالية على الأداء. 

وتعدّ هذه الخطوات مكمّلة للنهج الذي ساد في بداية عهد السلطان والذي قضى بإنشاء جهاز الاستثمار العماني ليكون بمثابة الصندوق السيادي للسلطنة وقد جمع تحت مظلته جهات وصناديق عدة معنية بالاستثمارات السيادية.  



يمثل تيمور بن أسعد بن طارق آل سعيد أحد الوجوه الشابة المعني بملفات عدة بطابع اقتصادي


استعانة بالشباب والكفاءات

 

 

كذلك، أعطت رؤية السلطان هيثم بن طارق أيضاً إشارة مهمة إلى الحرص على المزج بين الاستعانة بالشباب والكفاءات في آن معاً. وقد برز أيضاً توجه لدى السلطان لمنح دور أكبر لجيل شاب من أفراد الأسرة الحاكمة، وقد تجلى ذلك في اختيار تيمور بن أسعد بن طارق آل سعيد رئيساً للمجلس المشرف على البنك المركزي العماني، ويحظى تيمور بن أسعد بثقة سلطانية واضحة ويتولى الإشراف على أكثر من ملف في سياق خطوات التحديث والتطوير الحاصلة في السلطنة. وفي السياق نفسه، تمّ تعيين فهد بن الجلندي، وهو ابن عم السلطان رئيساً لجامعة السلطان قابوس، كما اختار السلطان شهاب بن طارق نائباً لرئيس الوزراء لشؤون الدفاع ونجله ذي يزن بن هيثم، وزيراً للثقافة والرياضة والشباب.  

وتجدر الإشارة إلى ان اختيار مجلس جديد للبنك المركزي برئاسة تيمور بن أسعد بن طارق آل سعيد، يجسّد حرص السلطان على البقاء على تماس مباشر بالمؤسسات المالية والاقتصادية، وقد ضم المجلس الجديد كلاً من وزير الاقتصاد د.سعيد الصقري، ووكيل وزارة المالية عبدالله بن سالم بن عبدالله الحارثي والرئيس التنفيذي للهيئة العامة لسوق المال الشيخ عبدالله بن سالم السالمي، وتستمر عضوية أعضاء المجلس لمدة 5 سنوات.   

   



تمثل ارتفاع نسبة الدين إلى إجمالي الناتج أحد أبرز التحديات في السلطنة

 

تحديات وإجراءات 

 

 

في المقابل، من المتوقع أن تواجه الحكومة الجديدة تحديات ناتجة عن الانكماش الاقتصادي الحالي والعجز المالي المقلق، ما يتطلب وضع خطة متكاملة تعيد الانتعاش الاقتصادي إلى مساره بما يساهم في إعادة التوازن المالي وخلق فرص عمل جديدة، وهو مسار يبدو طويل ودونه تحديات. 

كذلك، شكّل ضبط الانفاق وترشيده أحد أبرز التوجهات العملية للحكم الجديد، ففي الوقت الذي كانت السلطنة في مقدم الدول التي عملت على خفض ميزانية بعض الجهات في خضم أزمة كورونا، أصدرت وزارة المالية قبل أيام قراراً تضمن دعوة مختلف الجهات الحكومية إلى عدم الدخول في التزامات مالية جديدة أو إسناد أية مناقصات خارج الموازنة المعتمدة إلا بعد موافقتها. 

وعلى خط مواز، تسعى السلطنة إلى تمويل احتياجات المالية العامة عبر إصدار صكوكاً سيادية بالعملة المحلية، ويستهدف شريحة صغار المستثمرين، وذلك في سياق برنامج لطرح صكوك محلية ودولية، وكان السلطان هيثم كشف في وقت سابق من العام الحالي أن الحكومة تركز على تقليص الدين العام وإعادة هيكلة المؤسسات لتعزيز متانة الاقتصاد.