الصين تُنجد صناعة الرفاهية .. ولا تنقذها

  • 2020-09-04
  • 08:55

الصين تُنجد صناعة الرفاهية .. ولا تنقذها

  • برت دكاش

صدقت التوقعات بشأن نهوض السوق الصينية سريعاً من كبوة كوفيد-19 في الربع الثاني من العام الحالي وعودة حركة الاستهلاك الفاخر إليها بوتيرة قوية، حتى بدت وكأنها تغرّد منفردة، خارج السرب في سوق الرفاهية العالمية. ففي وقت تشهد غالبية دول العالم، ما لم تكن جميعها، ركوداً تسبب به وباء كورونا المستجد ولم ينهه انتهاء فترة الإغلاق والحجر، تسجّل الصين مبيعات عالية تسهم في التخفيف من وطأة خسائر المجموعات الكبرى، وذلك وفق ما تظهره الأرقام.

 

الصين تغرّد خارج السرب

 

في شهري حزيران/ يونيو وتموز/ يوليو الماضيين، سجلت صادرات الساعات السويسرية إلى الصين زيادة بنسبة 47.7 في المئة إلى 187.9 مليون دولار و59.1 في المئة إلى 242.0 مليون دولار على التوالي مقارنة بالفترة نفسها من العام الماضي. وتصدّرت الدول المستوردة للساعات السويسرية التي تعد مؤشراً على سوق الساعات في العالم، متقدّمة على هونغ كونغ في حزيران / يونيو والتي بلغت وارداتها 90.1 مليون دولار وعلى الولايات المتحدة التي استوردت ساعات سويسرية بقيمة 190.6 مليون دولار في يوليو الماضي.

واقتصر التراجع المسجّل في حجم واردات الصين من الساعات السويسرية بجميع فئاتها ما بين كانون الثاني/ يناير وتموز/ يوليو 2020 على 4.2 في المئة فقط، مقارنة بالفترة نفسها من العام الماضي، في حين بلغ معدل تراجع الصادرات على المستوى العالمي 32.8 في المئة في الفترة المذكورة، من 12.5 مليار فرنك إلى 8.4 مليارات، كما تراجعت واردات الولايات المتحدة في الفترة نفسها بنسبة 26.8 في المئة وهونغ كونغ بنسبة 51.3 في المئة، وهما من أكبر الدول المستوردة للساعات السويسرية تاريخياً.

 

اقرأ أيضاً:

صناعة الرفاهية تتطلّع إلى الصين واقعياً وإلكترونياً

 

تعويل على السوق الصينية

 

ليست أرقام صادرات الساعات وحدها المؤشر على استعادة السوق الصينية نشاطها. فالعودة إلى نتائج كبرى مجموعات الرفاهية في النصف الأول من العام الحالي، تؤكّد أداء السوق الصينية الجيّد الذي خفّف من حدّة خسائر هذه المجموعات، إلى جانب الزيادة في حجم مبيعات الاونلاين. فعلى الرغم من تراجع إيرادات مجموعة LVMH بنسبة 28 في المئة إلى 18.4 مليار يورو مقارنة بالفترة نفسها من العام الماضي، وبنسبة 38 في المئة في الربع الثاني مقارنة بالربع الثاني من العام 2019، سجلت آسيا تحسناً ملموساً، مع نهضة قوية في الصين بشكل خاص. وحافظت علامات Louis Vuitton، وChristian Dior وMoet Hennessy على مستوى عالٍ من الربحية. وكانت المجموعة ذكرت في وقت سابق أن مبيعات Louis Vuitton في الصين زادت بنسبة تزيد على  50 في المئة على مستوى سنوي مطلع نيسان/ أبريل الماضي، كذلك حققت دار Hermès بعيد فتح متجرها الرئيسي في غوانزهو في نيسان/ أبريل الماضي إيرادات بقيمة 2.7 مليون دولار في نهار واحد.

 

الساعات: أكبر الخاسرين

 

وعلى الرغم من تسجيل الصين زيادة في حجم وارداتها من الساعات السويسرية في شهري حزيران/ يونيو وتموز/ يوليو الفائتين، سجلت إيرادات المجموعة من الساعات والمجوهرات 1.3 مليار يورو في النصف الأول من العام الحالي، مقابل 2.1 مليار في الفترة نفسها من العام 2019، أي بتراجع نسبته 39 في المئة. وقد سجّل نشاط الساعات لديها خسارة بقيمة 17 مليون يورو، مقابل أرباح بقيمة 357 مليوناً العام الفائت. ويرجع هذا التراجع بالنسبة إلى المجموعة كما مجموعات الرفاهية الأخرى المالكة لعلامات ساعات، إلى إغلاق متاجر هذه العلامات أبوابها في معظم الأسواق العالمية، وإغلاق مصانع الساعات أو العمل بالحد الأدنى من فريق العمل كإجراء لمحاربة الوباء، وبالتالي التوقف عن أو الحدّ من الإنتاج مقابل تراجع الطلب من وكلاء التجزئة، والتركيز بشكل أكبر على التجارة الإلكترونية التي لم تكن تحتل حيزاً مهماً لدى العلامات. وجاء كوفيد-19 ليسرّع انخراط العلامات الراقية في الرقمنة التي لن تنتهي بالقضاء على الوباء، كما يجمع عدد من قادة دور الساعات الرفيعة ومسؤولون فيها لموقع "أولاً- الاقتصاد والأعمال"، لكن، مع إصرارهم في المقابل على عدم إلغائها لدور المتاجر، "وذلك على الرغم من أنني على يقين من أن المبيعات الرقمية ستشكل جزءاً مهماً من إجمالي المبيعات في الأعوام المقبلة"، وفق ما تقوله الرئيسة التنفيذية لدار Boucheron هيلين بولي- دوكين إلى "أولاً- الاقتصاد والأعمال"، وتضيف: "على عكس ذلك، كلما نمت التجارة الإلكترونية، نمت في المقابل المتاجر التقليدية، إذ لم يعد الناس يقصدون المتجر كما قبل 20 عاماً لشراء المنتجات وحسب، إنما لعيش تجربة، وتكوين ذكريات، والقيام برحلة في رحاب العلامة".

 

اقرأ أيضاً:

كورونا يعزز اتجاه قطاع الساعات إلى المنصات الإلكترونية

 

إعادة فتح المتاجر بداية مشجّعة، ولكن..

 

إلى ذلك، تبدو بداية إعادة فتح متاجر الدور التابعة لمجموعة الرفاهية الفرنسية Kering مشجّعة، وفق المجموعة، خصوصاً في آسيا- المحيط الهادئ، وفي طليعتها الصين، وذلك على الرغم من تراجع إيراداتها بنسبة 30.1 في المئة إلى 5.3 مليارات يورو مقارنة بالنصف الأول من العام الماضي، و43.7 في المئة مقارنة بالربع الثاني من العام الفائت إلى 2.1 مليار يورو.

وذكر بيان للشركة أن مبيعات الأونلاين تسارع نموها بشكل كبير في الأشهر الستة الأولى من العام الحالي، بزيادة نسبتها 47.2 في المئة، و72.4 في المئة في الربع الثاني، وفي حين سجلت كل من دار Gucci، وYves Saint Laurent وBottega Venta الأداء الأفضل ضمن العلامات التابعة للدار، تأثر قطاع صناعة الساعات لديها، وذلك بسبب تقلص السوق بشكل كبير بحسب الشركة. أما في قطاع المجوهرات، فقد سجلت علامة Qeelin الراقية نمواً في الإيرادات خلال النصف الأول من العام الجاري، مدفوعة بالتعافي في الصين، في حين تأثرت دور المجوهرات الأخرى سلباً بسبب انكشافها الكبير على أسواق أوروبا الغربية، غير إنها سجلت أداءً مشجّعاً في آسيا.

أما بالنسبة إلى Swatch Group فتعكس نتائجها صورة أزمة صناعة الساعات الحقيقية التي تسبب بها كوفيد-19، وذلك لكونها أكبر مجموعة ساعات في العالم تضم نحو 18 داراً تنتج ساعات تتراوح ما بين الرفيعة جداً والراقية والمتوسطة. وبدورها، تملك الدور التابعة للمجموعة عدداً كبيراً من المتاجر في السوق الصينية وكان لإغلاقها الأثر الكبير على أعمالها، كما كانت لعودتها إلى العمل، إذ تسجل طلباً عالياً على جميع الفئات في الأسواق التي تجاوزت مرحلة الإغلاق كما تذكر المجموعة. وقد حققت الصين نمواً بنسبة فاقت الـ10 في المئة في أيار/ مايو وحزيران/ يونيو مقارنة بالعام الماضي، علماً أن مبيعات المجموعة سجلت في النصف الأول من العام الحالي تراجعاً بنسبة 46.1 في المئة وفق سعر صرف السوق، إلى 2.1 مليار فرنك سويسري، وذلك بسبب إقفال ما نسبته 80 في المئة من قنوات التوزيع عالمياً.

 

اقرأ أيضاً:

هل يهدد كورونا مستقبل صناعة الساعات التقليدية؟

 

في المقابل، لا تبدو الصورة واضحة تماماً بالنسبة إلى مجموعة Richemont، فتداعيات الوباء الفعلية ستظهر في نتائج العام 2021، كون سنتها المالية تنتهي في 31 آذار/ مارس، إلا أنه، ومع ذلك، حققت مبيعات المجموعة في نهاية آذار/ مارس 2020 زيادة بنسبة 2 في المئة فقط، وإذا استثنيت منها مبيعات الأونلاين، فإن إجمالي المبيعات سجل انخفاضاً بنسبة 3 في المئة وفق سعر صرف ثابت، حيث كان لكوفيد-19 تأثير مهم على نتائج الربع الأخير من السنة المالية، كما تراجعت الأرباح التشغيلية بنسبة 22 في المئة إلى 1.5 مليار يورو، متأثرة بشكل كبير بالإغلاق المؤقت للمتاجر في الربع الرابع من السنة المالية 2020.  

وبالنسبة إلى المجموعة، تمثل آسيا- المحيط الهادئ ما نسبته 35 في المئة من مبيعات المجموعة، وقد انخفضت مبيعاتها هناك بنسبة 7 في المئة إذا ما استثنيت منها مبيعات الأونلاين، و6 في المئة إذا أضيفت إليها، يعود الجزء الأكبر من هذا التراجع إلى جائحة كوفيد-19 كما إلى أزمة هونغ كونغ. على مستوى العام بكامله، زادت مبيعات الصين وكوريا بنسبة تخطت العشرة في المئة، إلا أن هذه الزيادة لم تعوض انخفاض المبيعات بنسبة 40 في المئة في هونغ كونغ. وعلى الرغم من نمو مبيعات الأونلاين لدى موزعي الأونلاين، إلا أنها انكمشت في باقي مجالات العمل، وسواء مبيعات التجزئة أو الجملة فكانت أدنى من العام 2019.

وعلى صعيد مبيعات المجوهرات التي تمثّل 36 في المئة من إجمالي أعمال المجموعة، فقد استقرت عند حدود العام 2019، وكذلك مبيعات الساعات فكانت أدنى نتيجة مبادرات تقليص نقاط البيع بالجملة، والاحتجاجات في هونغ كونغ، من ثم بسبب كوفيد-19، وعلى الرغم من حصول تراجع طفيف في مبيعات المنتجات الجلدية، إلا أن قطاع الملبوسات نما بقوة ،إذ استفاد من دمج موزعي الأونلاين المعتمدين من قبل المجموعة.

 

الصين وحدها لا تكفي وضرورة تغيير العلامات إستراتيجياتها

 

إزاء هذا الواقع، يبرز السؤال التالي: هل تكفي السوق الصينية للتعويض عن تراجع المبيعات في الأسواق العالمية الأخرى، خصوصاً وأن غالبية هذه الأسواق، ولاسيما الأوروبية منها، تعتمد بشكل أساسي على السياح الصينيين الذين كانوا قبل كوفيد-19 يشترون من خارج الصين؟ الجواب حملته نتائج الربع الثاني من العام الحالي الذي، وعلى الرغم من عودة الحياة إلى السوق الصينية، سجلت خسائر مهمة على مستوى المبيعات، وكذلك تجيب عليه لموقع- "أولاً الاقتصاد والأعمال" بولي- دوكين مؤكدة أن "الاستهلاك المحلي وحده، مهما كان مرتفعاً كما هي الحال في الصين، غير كافٍ لتعويض غياب أو تراجع حركة السياحة العالمية بسبب القيود على السفر والمخاوف من كوفيد-19 خصوصاً في أوروبا".

أما السؤال الآخر الذي بات طرحه مشروعاً هو حول ما إذا كان على العلامات الفاخرة إعادة النظر بإستراتيجياتها التسويقية، على مستوى الأسواق، والقنوات وكذلك المنتجات التي بات لزاماً عليها تكييفها لتلبية احتياجات العملاء المحليين في ظل شبه توقّف للسياحة العالمية.

يبدو أن عدداً من العلامات انطلق في هذا الاتجاه إلى جانب تهافت غالبيتها الساحقة على تعزيز مبيعات الأونلاين عبر إنشاء مواقعها الخاصة بالتجارة الإلكترونية، أو من خلال تعاونها مع وكلاء تجزئة أونلاين  ذات شهرة عالمية لبيع ابتكاراتها.