عماد غلمية.. الرجل المتواضع الذي بنى أسطورة "نسما وشركاهم"

  • 2020-06-23
  • 08:32

عماد غلمية.. الرجل المتواضع الذي بنى أسطورة "نسما وشركاهم"

مهندس لبناني لمع نجمه في السعودية قبل أن يخطفه كورونا

  • كريستي قهوجي

عماد غلمية مهندس لبناني لمع نجمه في مجال الأعمال والمقاولات لأكثر من 40 عاماً في العالم العربي، أسّس خلالها شركة "نسما وشركاهم" في المملكة العربية السعودية مع رفيق دربه الشيخ صالح التركي وشقيقه مروان غلمية، والتي تعدّ من أكبر وأعرق الشركات السعودية والعربية في مجال البناء والمقاولات في المنطقة، بالإضافة إلى عملها في تطوير قطاع النفط والغاز، والبتروكيماويات، والطاقة، والمياه والبنية التحتية.

قدّم غلمية نفسه كنموذج لرجل الأعمال الطموح والناجح في ميدان عمله حيث أنجز عدداً كبيراً من المشاريع الحيوية والعمرانية داخل المملكة وخارجها حققت نجاحات باهرة، وكان مثالاً للحداثة والتطوّر والانفتاح، ولكن وفاته نتيجة إصابته بفيروس كورونا المستجد شكّلت صدمة كبيرة لمحبيه وللمجتمعين السعودي واللبناني.

شكّل غلمية مرجعاً كبيراً لكل من قصده وعمل معه طيلة السنوات الماضية حيث كان بمثابة الأب الحنون والحاضن لموظفيه من خلال متابعته لهم في كل مراحل عملهم وذلك بشهادة كثيرين، كما سعى معهم إلى إيصال الشركة إلى أعلى المراتب من خلال وضع الأهداف والخطط والإشراف على تنفيذها ومتابعة نتائجها بدقّة وحيوية قلّ نظيرهما، وكان الداعم والسند الأول لهم وعاش معهم أفراح النجاحات وأتراحها.

وعلى الرغم من كل الصعوبات التي مرّت بها الشركة خلال تلك السنوات، لم ييأس غلمية ولم يستسلم بل صمّم على اجتياز كل المعوّقات أمامه، فكان الربّان المخلص الذي قاد سفينته بنجاح مع شركائه لإيصالها إلى برّ الأمان. عرفه الكثيرون بصدقه وشفافيته وشغفه في العمل الذي كان همّه الأول والأخير، واستطاع بحنكته المعهودة أن يدير أعماله بسلاسة وبرؤية مستقبلية واعدة.

وعلى بُعد المسافات، لم ينسَ عماد غلمية وطنه الأم لبنان الذي قدّم له الكثير وخصوصاً إلى أبناء الجالية اللبنانية في السعودية، فكان الحاضن الأكبر لهم من خلال شركته وعلاقته الواسعة بهم ومتابعته لأوضاعهم، كما كان يجتمع بموظفيه فرداً فرداً ويستمع إلى مشاكلهم وآرائهم، مقدّماً لهم النصائح والحلول لكل العقبات التي كانت تعتريهم، وكان شعاره في الحياة أن كل شركة لا تكبر إلا من خلال موظفيها عبر تأهيلهم بطريقة مناسبة وزرع الروح القيادية فيهم كي يستطيعوا استكمال هذه المسيرة.

عماد غلمية إبن بلدة جديدة مرجعيون في جنوب لبنان، تلقى دروسه في مدرسة "الليسيه الفرنسية" في بيروت ثم سافر إلى الولايات المتحدة الأميركية وتخصص في مجال الهندسة المدنية في جامعة "جورج واشنطن"، نال بعدها إجازة في الماجستير بالهندسة المدنية وإدارة المشاريع من الجامعة عينها في العام 1976. بعد عودته إلى لبنان، بدأ العمل في شركة "نسيب لحود للهندسة" متنقلاً بين عدد من الدول العربية بينها البحرين حيث عمل في مشروع لإمداد أنابيب للمياه، وسورية حيث عمل على بناء محطة للبترول في منطقة بانياس. وأثناء دراسته في الجامعة الأميركية في بيروت، تعرّف شقيق عماد، مروان غلمية على الشيخ صالح التركي وبنى علاقة صداقة متينة معه. وبعد ان التحق مروان بشقيقه في جامعة جورج واشنطن الأميركية، تعارفا على الشيخ عبد العزيز التركي شقيق الشيخ صالح وربطتهم علاقة صداقة متينة. وفي العام 1979، جرت اتصالات بينهم لتأسيس شركة للمقاولات والبناء في المملكة العربية السعودية، فجرى الاتفاق وبدأ العمل بعد إتمام المعاملات المطلوبة كافة، وكانت ولادة "نسما وشركاهم" في العام 1981.

من شقة صغيرة ومتواضعة استأجرها في الرياض وبتمويل صغير، بدأ عماد غلمية وفريق عمله المؤلف من 5 موظفين بالعمل بشكل رسمي وشاق حيث استطاع استقطاب أول مشروع لتنفيذه، ومن هناك كانت الانطلاقة نحو توسّع الشركة رويداً رويداً حتى وصلت إلى ما باتت عليه اليوم. وتعتبر شركة "نسما وشركاهم" جزءاً من شركة "نسما" الأم التي تضم أكثر من 50 مؤسسة صغيرة ومتوسطة وكبيرة متخصصة بمجالات عدة قام بإنشائها الشيخ صالح التركي على مدى سنوات طويلة.

وبعد فترة، انتقلت شركة "نسما وشركاهم" من الرياض إلى المنطقة الشرقية حيث استهدفت أعمالها قطاع البناء والمقاولات فيها تحت إشراف الشقيقين غلمية وبشراكة كبيرة مع الشيخ صالح التركي. ومع مرور السنوات، توسّعت الشركة أكثر فأكثر حتى أصبحت تضم 30 ألف موظف يعمل بينهم عدد كبير من أبناء الجالية اللبنانية في المملكة، كما ساهمت العلاقة المميزة بين الأخوين غلمية والتركي بتقرّبهما من شركة "أرامكو" السعودية، مما أدى إلى توسيع نشاطات الشركة نحو قطاع النفط والغاز بدءاً من العام 1995 والتي ساهمت بتعزيز حضورها بشكل لافت.

شكّلت أزمة تفشي فيروس كورونا المستجد تحدياً كبيراً لـ غلمية ولشركته وموظفيه على السواء، فباتت سلامتهم همه الأساسي انطلاقاً من حرصه على "أولاده" الذين شكّلوا عصب العمل في زمن المحن. وفي ظل الازمة، بقي غلمية يعمل من منزله ويطمئن إلى سير عمل الشركة ساعة بساعة مع اهتمامه الكبير بصحّة الموظفين وعائلته. وعلى الرغم من كل الإجراءات الوقائية التي اتخذها، التقط العدوى ودخل الى العناية المركّزة في أحد مستشفيات السعودية لمدة 25 يوماً فارق بعدها الحياة تاركاً إرثاً ضخماً من الاعمال والريادة والعمران والنجاحات التي حققّها طيلة 40 عاماً وستبقى محفورة في ذاكرة كل انسان عاصره وعمل معه.

نعى العديد من الشخصيات الراحل غلمية واصفين إياه بالرجل الاستثنائي، وقال عنه رفيق دربه الشيخ صالح التركي في رسالة موجهة إلى موظفيه إن فقدان هذا الرجل خسارة كبيرة للجميع معتبراً أن علاقة غلمية بالجميع كانت شخصية وأخوية، مشيراً إلى أن هذه الشخصية القيادية تركت إرثاً كبيراً من لا شيء حيث بدأت عملها من غرفة صغيرة في الرياض وبنت نفسها بنفسها حتى وصلت الى بناء إحدى أكبر شركات المقاولات في الشرق الأوسط. وقال التركي إن غلمية كانت لديه القدرة على اختيار الناس المميزة من حوله، مشيراً إلى أنه من واجب الجميع الاستمرار بما بدأ به وتطوير هذا الإرث ليصبح فعلاً واقعياً من خلال الكيان والرجال للإستمرار بتحقيق النجاحات.

ستبقى شركة "نسما وشركاهم" تسير على خطى عماد غلمية من خلال عمل موظفيها ومدرائها على رأسهم الشيخ صالح التركي، كما ستبقى ذكراه الطيبة محفورة في قلوب الآلاف من الاشخاص الذين عاصروه وكسبوا من خبرته وحياته.