الحوافز السعودية في مواجهة كورونا.. الإنسان أولاً

  • 2020-05-31
  • 08:00

الحوافز السعودية في مواجهة كورونا.. الإنسان أولاً

  • محمد المختار الفال (*)

هذه الجائحة هزت أركان دول عظمى، وهددت اقتصادات كبرى، وسيكون لها تأثيرها على ما بعدها في العلاقات الدولية وحركة الشركات العابرة للقارات، وحدث بهذا الحجم من الطبيعي أن ينعكس على السعودية والسعوديين، فهم شركاء في الاقتصادات الإقليمية والدولية، ومؤثرون ومتأثرون بما يحدث في سوق النفط.

وهذه المرة الأولى التي تتعرض فيها الأجيال السعودية المعاصرة إلى تجربة مماثلة، باتساعها وشمولها، فعلى الرغم من أن المنطقة مرّت بحروب وهزات اقتصادية، في العقود القريبة الماضية، فإنها لم تكن بهذه الحدة على الحياة اليومية، ولهذا كان الإحساس بالجائحة عاماً: الحكومة والناس، الكبير والصغير، الغني والفقير، وكان من ثمرات هذا الإحساس تولد قناعة، لدى الغالبية، في ضرورة تغيير الكثير من العادات الاجتماعية وأولويات الإنفاق وتوجيه المدخرات في مقبل الأيام، وأعتقد أن أسلوب الحكومة لمواجهة الجائحة، منذ الوهلة الأولى، ساهم في هذا التفاعل والوعي المبكر، فقد تبّنت الأجهزة الموكل إليها تنفيذ قرارات القيادة، مبدأ الشفافية والإفصاح، تعرض ما يجري في العالم وما يحدث في الوطن، فلا تهاون في الإجراءات ولا مبالغة في الوقائع، مع دعوة الناس للمساهمة في تقليل الخطر، واكتسب هذا المنهج الثقة بما صاحبه من قرارات ومبادرات إقتصادية رسخت اطمئنان المواطن إلى قدرة الحكومة على توفير متطلبات الحياة الطبيعية، فلم يشعر عامة الناس بتأثير الجائحة على احتياجاتهم الغذائية والطبية والصحية.

لكن هذه الحال المطمئنة لا تنفي تساؤلات الناس، وقلق بعضهم، لمعرفة متى تنتهي الأزمة، وكيف يمكن التعامل مع تأثيرها وآليات استخلاص الدروس منها، وهي تساؤلات طبيعية، وربما لحسن الحظ، أن لا أحد، من المسؤولين يغامر ليعطي إجابة نهائية في هذه القضية، وكل ما هناك قراءات تتراوح بين التفائل والتشاؤم، وبينهما " التشاؤل"، وكلها ترتبط بنجاح الإقتصاد العالمي في عدم الإنهيار حتى يتراجع تأثير الجائحة على حركة النشاط. والاقتصاد السعودي يملك من المقومات ما يساعده على"المقاومة" وتخفيف الأضرار الواقعة والمتوقعة، واستراتيجية الحكومة تضع في أولويتها حياة " الإنسان" وسلامته وهذا يعني أنها ماضية في تحصين صحته ضد المفاجآت وإشراكه في الإجراءات المتخذة لعبور المرحلة، ومن أوضحها زيادة الإنفاق على القطاع الصحي وتمكينه من توفير وسائل السيطرة على ما يجري والاستعداد للمفاجآت، ودعم المؤسسات الوطنية الصغيرة والمتوسطة ومساعدتها على الاحتفاظ بالعاملين السعوديين، وهو الأمر الذي زاد من الاطمئنان النفسي للقوى العاملة السعودية وأسرهم، فقد قدمت الحكومة حزمة محفزات بمبلغ 177 مليار ريال ليغطي دعم التمويل الميسر للمنشآت الصغيرة والمتوسطة وبرنامج "ساند" لتعويض العاطلين عن العمل بنسبة 60 في المئة لمدة ثلاثة أشهر إلى جانب التعجيل في سداد مستحقات القطاع الخاص لدى الجهات الحكومية وتأجيل سداد دفعات التمويل خلال الأشهر الستة المقبلة، وخصم 30 في المئة من فواتير كهرباء المنشآت الصغيرة والمتوسطة، ومن أهداف هذه الحوافز مساعدة القطاع الخاص على التعامل مع الظرف في ظل قيود نظام العمل الذي لا يعطي أرباب العمل فرض إجازات من دون راتب على العاملين أو تخفيض دخولهم من دون موافقتهم. ويتوقع أن يكون الإتجاه نحو زيادة الصادرات غير النفطية، واستمرار دعم القطاع الخاص لزيادة استيعابه للقوى العاملة الوطنية، فإذا نجحت هذه الترتيبات في إبقاء الإقتصاد حياً قادراً على المقاومة والتقدم، ولو بخطوات بطيئة، فإن المتفائلين يبشرون بإمكانية عودة جزء كبير من النشاط الإقتصادي قبل نهاية الربع الثاني من هذا العام، مع سيطرة معظم دول العالم على الجائحة وعودة أسعار النفط إلى ما فوق أربعين دولاراً. 

 

(*) كاتب صحفي سعودي، رئيس تحرير عكاظ ( السابق)