توفيق الربيعة رجل التطوير والإنجاز

  • 2020-05-14
  • 10:27

توفيق الربيعة رجل التطوير والإنجاز

وزير الصحة السعودي قائد ميداني في مواجهة كورونا

  • رشيد حسن

توفيق الربيعة ظاهرة في العمل الحكومي السعودي تجمع بين الأساس العلمي المتين وبين مواهب الإنجاز والتجديد. تدرّج لعشر سنوات في جامعة بيتسبرغ في الولايات المتحدة الأميركية ليتخرج بشهادة دكتوراه في علوم الكمبيوتر والتخطيط، ما مكّنه من اكتساب عدة علمية فعّالة لإدخال التخطيط والمعلوماتية وأحدث تقنيات الإدارة الرقمية لتبسيط المعاملات وزيادة فعالية الإدارات التي تولاها. لمع نجمه منذ تسلمه منصب مدير عام الهيئة السعودية للمدن الصناعية ومناطق التقنية "مدن" سنة 2007، وأيضاً بعد تسلمه منصب المدير العام للمعلومات وقطاع تقنية الاتصالات لدى الهيئة العامة للإستثمار.

في "مدن" أثبت الربيعة قدرة فريدة شكّلت عاملاً أساسياً في إيقاظ الإدارات"الهامدة"، فكشف نواحي الجمود وأظهر الفرص التي كانت مهملة وعمل على تفعيلها، وهكذا، ومنذ بدايات تسلمه مهاماً قيادية، كان الرجل المتوقد وذو الفكر العلمي والعملي يقوم بدراسة شاملة للموقع الذي يشغله، ليس فقط للتعرف على ما يعطيه ذلك الموقع من امتيازات وسلطات، بل ما يمكن أن يحققه للإقتصاد ولأصحاب المصلحة المعنيين، ذلك أن الموقع في نظر الربيعة مهم باعتباره فرصة ثمينة للإنجاز ولتحقيق المنفعة العامة والنتائج، وليس لتصريف الأعمال وفق النهج المستقر، لذلك جعل الربيعة مهمته تجديد وتفعيل المؤسسات التي استلمها من حيث حجم ونوع أدائها وثقافتها وكفاءة فريقها.

 

 

الربيعة يصنع لنفسه اسماً في كل المواقع التي شغلها

لكن أبرز إنجازاته التحديث الشامل للمنظومة الصحية

 

 

وهكذا نجح الربيعة أيضاً في تحقيق تحولات سريعة في "مدن" تجاوزت ما كان تمّ إنجازه في عقود، فكانت آثار إدارته بادية في المدن الصناعية المتخصصة وساهم بشكل فعّال في صياغة استراتيجية التنمية الصناعية، وقد كلّف بعد ذلك بثلاثة أعوام بالعمل وكيلاً لوزارة التجارة والصناعة لشؤون الصناعة.

بعد هذه المسيرة، عاد اسم الربيعة ليصبح محط التداول في الأوساط القيادية السعودية التي بدأت البحث عن الملف التالي الذي يمكن العهدة به إليه فجاء القرار بتعيينه وزيراً للتجارة والصناعة، وهنا أيضاً، تمكّن الربيعة في وقت قصير من أن يعطى لهذا الموقع الحكومي دوراً جديداً تماماً بل أدواراً عدة توزعت في اتجاهات مختلفة، فإذا بالوزارة تتحول إلى ورشة قوانين وأنظمة وإطلاق مؤسسات ومبادرات وتحديث، وإذا بها تنجز مهمات كانت تنتظر وتسد فراغات وتستكمل أعمالاً ناقصة. وخلال توليه هذه الوزارة تميز الربيعة بأنه مدّ جسور التواصل مع المواطنين فكان دوره بارزاً في الوقوف على حاجاتهم  خصوصاً في مصلحة حماية المستهلك، فذاع صيته وزيراً يتقن "فن المستحيل"، وفي الوقت نفسه، تميز بقربه من الناس إذ كان كل من يزوره في وزارة التجارة والصناعة يعتقد أنه في شركة وليس في دائرة حكومية بسبب الأجواء المريحة وثقافة الفريق والانجاز التي ادخلها الى الوزارة.

والتحدي الكبير الذي يمثله الربيعة في نطاق الإنجاز الحكومي أنه يجعل كل شيء يبدو سهلاً، وهو في الحقيقة ليس سهلاً وأنه أيضاً سريع المبادرة لا يعرف إضاعة الوقت، لكن الرجل يحقق ما يحقق لأنه يمتلك الأدوات ونظم التفكير اللازمة كما إنه تمكن مع الوقت، ومن خلال التجارب التي مرّ بها في مواقع حكومية قيادية عدة، من فهم واقع الإدارات السعودية وثقافتها وما قد يعيق عملها وإنتاجيتها، ثم العمل على تطوير هذا الواقع، ليس بأسلوب صاحب السلطة أو الرئيس، بل كابتن الفريق، فمن المعروف عنه حرصه الدائم على تأكيد فلسفته في الإدارة باعتماد أماكن العمل المفتوحة وجعل نفسه وسط الفريق ومتاحاً في أي وقت للعاملين، ولهذا السبب اختيرت مؤسسة "مدن" عندما كان رئيساً لها ولأربع سنوات متتالية كأفضل مكان للعمل في المملكة العربية السعودية. وتميز الربيعة في المناصب التي تولاها بابراز جيل جديد من أصحاب الكفاءات العالية من السعوديين الذين أصبحوا في ما بعد من الكوادر القيادية في وزارات وهيئات حكومية مختلفة.

 

إعادة هيكلة النظام الصحي

 

عند تسلمه لمنصب وزير الصحة قبل أربع سنوات وضع توفيق الربيعة خطة متكاملة لإعادة هيكلة المنظومة الصحية السعودية والارتقاء بالمنتج الصحي السعودي إلى مصاف أفضل الدول المتقدمة، وتطلبت خطة الربيعة تبني سياسات جريئة مستوحاة من التفكير الذي قاد رؤية المملكة 2030 وهي استهدفت بصورة خاصة إلغاء التركيبة المركزية للنظام الصحي وإطلاق حرية الحركة والمبادرة للوحدات المكونة للنظام وإدخال نظام للمنافسة وفق معايير محددة للأداء مع تعزيز الرقابة والانتقال بالنظام بكامله إلى قرب المريض والعائلة والمواطن من خلال التطبيق الواسع النطاق لأنظمة الرعاية الصحية الرقمية عن بعد وبناء قواعد البيانات الضخمة big data لتطوير نشاطات الأبحاث وكذلك الخبرة باتجاهات الصحة والأمراض في المملكة.

ومن أهم الأنظمة التي أدخلها الوزير الربيعة وتمت الإفادة منها في احتواء كورونا منصة رقمية أنشأها وتسمح للمريض بالتواصل رقمياً وعن بعد مع الطبيب المشرف على رعايته، بما في ذلك التحادث المباشر بالفيديو وتشخيص المرض ثم إصدار وصفة طبية رقمية للمريض المعني. وأطلق الربيعة رقم الهاتف الوطني 937 الذي يسمح بتحادث الطبيب مباشرة مع المريض على الهاتف، وقد حقق هذا النظام نجاحاً كبيراً بحيث سُجِّلت نحو مليون مكالمة خلال العام 2018 وبحيث كان مركز التواصل المباشر مع المواطنين يجيب على نحو 80 الف مكالمة شهرياً ويتابع كل حالة حتى مآلها.

ويمكن للنظام الرقمي المسمى "موعد" عند الحاجة ترتيب موعد للمريض مع اختصاصي، وقد تمّ استخدام هذه البنية التحتية المتقدمة في إدارة الجهود الطبية لاحتواء كورونا وتحديد المواعيد لإجراء فحوصات كشف الإصابة بالفيروس، علماً أن الحكومة السعودية وخلافاً للطريقة التي استخدمها بعض الحكومات التي اقتحمت البيوت لإجراء الفحوصات، تراعي خصوصية المنازل ولا تدخلها لهذا الغرض بل تعتمد على التنظيم الفعال وعلى انتشار وحدات الفحوصات في كل مكان وعلى تعاون المواطنين لتحقيق نتائج في الكشف المبكر للمرض فاقت كثيراً ما تحقق في أكثر الدول المتقدمة.

 

خبرة العمل تحت الضغط

 

وبين ما ساعد النظام الصحي السعودي على التعامل الفعّال مع الحالات الصحية الطارئة والموجة الوبائية لـ "كورونا" هو الجهوزية التي اكتسبها تحت قيادة الوزير الربيعة لمتابعة الوضع الصحي لملايين الحجاج والمعتمرين سنوياً والنظام المتطور لإدارة الأمواج البشرية والعناية بإقامتها وتحركها واحتياجاتها بدءاً من وصولها وحتى مغادرتها البلاد، واكتسبت وزارة الصحة خبرات إضافية من توفير الفحوصات والخدمات الطبية إلى ملايين الطلبة في كل مراحل الدراسة سنوياً، وهذه القابلية للعمل تحت ضغوط غير معتادة ومع أعداد هائلة من الناس ثبتت فائدتها العظيمة عند التعامل مع الانتشار الواسع النطاق والمفاجئ لفيروس كورونا.

 

قيادة ميدانية

 

إضافة إلى مدّ المملكة بمنظومة صحية حديثة وعالية الأداء، فإن الربيعة وفي مواجهة المخاطر الداهمة لوباء كورونا، سارع إلى تحويل وزارة الصحة إلى قيادة ميدانية وطنية للحرب على الفيروس وللجهود اليومية المنسّقة بين مختلف فروع المنظومة الصحية لوقف انتشار الوباء والحد ّمن آثاره على صحة المواطنين والمقيمين وعلى حياتهم اليومية، كما لعبت الوزارة دور قناة التواصل مع المواطنين وفريق التعبئة والتوجيه في الإعلام وفي المناسبات العامة، بل إن الوزير نفسه حرص منذ البدء على أن تعقد الوزارة مؤتمراً صحافياً يومياً لوضع المواطنين والإعلام في جو ما يحصل وفي الوقت نفسه، تجديد الطلب لأن يقوم كل مواطن ومقيم بدوره وأن يستمر التعاون مع الجهود الحكومية من خلال الامتثال للتوجيهات والإجراءات الاحترازية.