كورونا ترياق صناعة الدواء في لبنان؟

  • 2020-04-10
  • 18:30

كورونا ترياق صناعة الدواء في لبنان؟

حوار مع نقيبة أصحاب مصانع الأدوية كارول أبي كرم

  • برت دكاش

هل أمام صناعة الدواء في لبنان اليوم فرصة للنمو أسوة بباقي القطاعات الصناعية والزراعية، كما أشار رئيس الحكومة حسان دياب أمس خلال جولته الأخيرة على إحدى السوبرماركت الكبرى في بيروت؟ وهل ستتمكن صناعة الأدوية اللبنانية من الازدهار مجدداً، واستعادة، ولو جزئياً، دورها الريادي في الشرق الأوسط والذي خسرته خلال الحرب اللبنانية لمصلحة صناعة دوائية عربية متطورة بشراكات عالمية، مدعومة من حكوماتها المحلية، ولمصلحة مستوردين أغرقوا السوق المحلية بالدواء المستورد على حساب الدواء الوطني؟

كل ذلك جرى في ظل غياب أي خطة دعم أو سياسة صناعية وطنية محفّزة للإنتاج المحلي منذ انتهاء الحرب، ما أدّى إلى عجز كبير في الميزان التجاري اللبناني، ويدفع نقيبة مصانع الأدوية في لبنان كارول أبي كرم إلى رفع الصوت عالياً مطالِبة "بخطة صناعية إنقاذية تؤمن الاكتفاء الذاتي من المنتج المحلي، على أنواعه، واستيراد ما ينقص عن حاجات السوق"، مذكّرة بأن "القطاع الصناعي لم يأخذ حقّه من الرعاية والاهتمام إلى غاية الآن، وهو ما نأمل أن يحصل مع هذه الحكومة التي أدرجت دعم القطاع الصناعي من ضمن أولوياتها في بيانها الوزاري".  

نمو الطلب

يضم لبنان حالياً 11 مصنعاً للدواء، من هذه المصانع اثنان ينتجان الأمصال و"يغطيان حاجة السوق المحلية منها"، كما توضح أبي كرم. وتضيف: "تنتج المصانع الأخرى نحو 1500 مستحضر لعلاج الأمراض المزمنة والمستعصية والمضادات الحيوية والأدوية الحية Biotech وغيرها، تمثّل ما نسبته 7 في المئة من إجمالي سوق الدواء في لبنان. لكننا لمسنا زيادة في هذه النسبة أخيراً مع تهافت الناس على تخزين الأدوية تخوفاً من فقدانها من السوق، ومع فقدان بعض الأدوية المستوردة نتيجة إغلاق معظم الدول حدودها ضمن خطة محاربة انتشار الوباء، ما أدى إلى عدم انتظام حركة الشحن، وكذلك تمنّع بعض المصانع العالمية عن توريد أدوية معيّنة والاحتفاظ بها لسدّ حاجة أسواقها المحلية".

دعم صناعة الأمصال

وتلفت أبي كرم النظر إلى "ارتفاع الطلب على الأمصال، مع وصول فيروس كورونا إلى لبنان وانخراط عدد لا بأس به من المستشفيات على خط علاج المصابين به"، محذّرة "من حصول نقص في المواد الأولية المستخدمة في إنتاج الأمصال والأدوية على حدّ سواء، رغم توفرها حالياً". وناشدت مصرف لبنان بضرورة الإسراع في "تحرير أموال المصنّعين وفتح الإعتمادات المطلوبة حتى يتمكنوا من استيراد هذه المواد قبل أن تشحّ في الأسواق العالمية بسبب الطلب المرتفع عليها، وليكونوا جاهزين لتلبية الطلب المتزايد محلياً، خصوصاً  على الأمصال التي هي جزء أساسي من علاج مرضى كورونا". مع ما يؤمن ذلك أيضاً من "حماية مصدر عيش لعدد كبير من الشباب اللبناني الكفوء"، تستطرد أبي كرم.

وتتابع حول مسالة فتح الإعتمادات، مذكّرة بأنها "تمثل أحد التحديين اللذين تواجههما صناعة الدواء في الوقت الراهن". وتدعو مصرف لبنان إلى "عدم مساواة المصنّعين بالمستوردين الذين لا تتأثر كلفتهم بطول أو قصر المدة الزمنية المطلوبة لوصول المنتج النهائي بعد فتح الإعتمادات المصرفية، على عكس المصانع التي كلما طالت المدة الزمنية لوصول المواد الأولية تأخرت عملية الإنتاج وبالتالي طرح المنتج في السوق".

أما التحدي الثاني، تكمل أبي كرم، "فيتمثل بمساواتنا كذلك بالمستوردين في قرار مصرف لبنان تغطية 85 في المئة من قيمة تحويل الإعتمادات إلى الخارج بالدولار، مقابل 15 في المئة علينا تأمينها من الصيارفة بسعر صرف السوق الموازية. وهذا أمر لا يجوز، فهذه النسبة تغطي فقط المواد الأولية وبعض مواد التعبئة، أي جزءاً من عملية الإنتاج، وليس المنتج النهائي كما هي حال الدواء المستورد، ما يؤدي إلى ارتفاع كلفة التصنيع المحلي، فيما نحن ملزمون بسقف أسعار محدّد من قبل وزارة الصحة لا يمكننا تجاوزه"، وتؤكد "التواصل مع مصرف لبنان لتغطية 100 في المئة من المواد الأولية والتي تبقى أدنى من كلفة تغطية 85 في المئة من الدواء المستورد، ولا سيما أن الإنتاج المحلي يحافظ على الأموال داخل لبنان بنسبة أقله بـ 40 في المئة مقارنة بالمنتج المستورد".

طاقة لم تبلغ ذروتها بعد

ماذا عن القدرات الإنتاجية؟ تطمئن أبي كرم "إن الطاقة الإنتاجية للمصانع لم تبلغ ذروتها بعد، وهي جميعها في حال تعبئة في زمن الكورونا، حيث عزّزت تدابير السلامة العامة مثل تعقيم المصنع مرتين يومياً قبل الدخول وبعد الخروج، واحترام التباعد المطلوب، لذلك تم تقسيم دوام العمل إلى قسمين، دوام نهاري وآخر ليلي. وكذلك الأمر بالنسبة إلى خطوط الإنتاج". وتوضح أنه "على الرغم من انعكاس ذلك على كلفة الإنتاج، إلا أننا سنواصل تأمين الدواء للمواطن اللبناني من دون انقطاع،  تحسساً منا بالمسؤولية تجاهه".

علاج كورونا

وبالنسبة إلى إنتاج أدوية لعلاج كورونا، وفي حين علم "أولاً- الاقتصاد والأعمال" أن مصنع Benta أنتج 20 ألف علبة من المضاد الحيوي المستخدم في العلاج وقدمها مجاناً إلى وزارة الصحة اللبنانية، تلفت نقيبة أصحاب مصانع الأدوية الانتباه إلى أن "هنالك أكثر من مصنع محلي يؤمن أحد الدواءين المعتمدَين حالياً في علاج المصابين بكورونا، في حين تتحضّر مصانع أخرى لتأمين كل حزمة الأدوية الممكن أن تستخدم مستقبلاً في العلاج".

وفي سياق متصل، تؤكد "استعداد المصانع الوطنية وضع يدها بيد الدولة اللبنانية كما في جميع بلدان العالم للتعاون في مواجهة الفيروس"، مشدّدة على كون "مصانعنا مجهزة بأحدث التكنولوجيا الصناعية، ولدينا كفاءات بشرية عالية وقدرات إنتاجية كبيرة، إضافة إلى العزيمة لتقديم كل الدعم الممكن ولتصنيع أي دواء يمكن أن يستخدم في علاج كورونا بمدة وجيزة وبجودة عالمية، كذلك لا مانع من الانخراط في أبحاث سريرية انطلاقاً من توفر المختبرات المجهزة للأبحاث والتطوير داخل المصانع إلى جانب وجود مستشفيات جامعية وجامعات مرموقة يمكن تكاتفها للقيام بالأبحاث اللازمة لعلاج محتمل للوباء، تحت إشراف الوزارات المختصة".

"عبرة" للمستقبل

وتختم أبي كرم مؤكدة رفضها "اعتبار الوضع المستجد بسبب فيروس كورونا فرصة أمام نمو صناعة الدواء اللبناني"، بل تدعوه "عبرة" للمستقبل لإعطاء الصناعة الوطنية الاهتمام المطلوب"، مضيفة "أننا لا ننظر إلى الأمر من منظار تجاري إنما إنساني بالدرجة الأولى لمواجهة تحديات الوباء، خصوصاً أن الثقة بالدواء اللبناني موجودة وعدداً كبيراً من الأطباء والصيادلة متعاونون جداً في هذا المجال. لكن المطلوب هو المزيد من الوعي والدعم من السلطات المختصة، وكذلك تبني ثقافة الصناعة غير المتوفرة لغاية الآن".