العالم في الحجر الصحي حتى منتصف 2021؟

  • 2020-04-10
  • 17:00

العالم في الحجر الصحي حتى منتصف 2021؟

تقرير يؤكد وجوب استمرار التباعد الاجتماعي وعزل المصابين حتى إنتاج لقاح ضد كورونا

  • سليمان عوده

ما زال فيروس كورونا المستجد عصياً على الاحتواء، على الرغم من كل التدابير والإجراءات المتخذة لمواجهته، والتي تترجم في إغلاق المطارات وحظر التجول في المدن الكبرى وفرض إلزامية الحجر الصحي. وفيما ينتظر العالم بفارغ الصبر اكتشاف لقاح يغير "قواعد الاشتباك" مع الفيروس، يؤكد تقرير صدر حديثاً ما بات العالم يدركه سلفاً، وهو أن الدخان الأبيض قد لا يخرج من أي مختبر قريباً، وإن كنا سنراه يوماً، فلن يحدث ذلك قبل 18 شهراً على الأقل. 

يؤكد التقرير، وأصدره فريق من الباحثين في مركز "إمبريال كوليدج لندن" ألا مفر في المدى المنظور من الاستمرار في اتخاذ الإجراءات الاحترازية المعمول بها في مسعى للوقاية من كورونا، أي فرض العزل على المصابين، والحجر على أسرهم والمخالطين لهم، وإلزام الجميع بتطبيق التباعد الاجتماعي، إلى أن تنقضي مهلة السنة ونصف السنة، وتخرج شركة أو أكثر من شركات إنتاج الأدوية بلقاح فاعل. 

وتعمل المختبرات ليل نهار على إيجاد اللقاح المنتظر، طمعاً بدفع قدر صعب عن عشرات ملايين المهددين بالموت من جرّاء تفشي الفيروس في مختلف أرجاء العالم، وطمعاً أيضاً بعائد مالي كبير قد يجنيه من يفوز بقصب السبق في هذا المضمار. 

ويحتاج إنتاج لقاح فاعل ليس إلى الوقت فحسب، بل إلى تضافر كل الجهود على مستوى عالمي. ويقول خبراء "إمبريال كوليدج لندن" إن جهداً عالمياً منسقاً يمكن أن يترجم في نهاية المطاف بحصر الفيروس، تمهيداً للقضاء عليه، لكنهم يشيرون إلى أن إنجاز هذه المهمة بسرعة أمر مستبعد، إذ أن قدرة الفيروس على الانتقال من شخص إلى آخر هائلة، إلى حد يجعله يتصدر قائمة أخطر الفيروسات التي عرفها الإنسان في المئة سنة الأخيرة. 

وقد سهلت سرعة انتقال العدوى تفشي المرض في كل بلدان وأقاليم العالم. لكن على الرغم من أن عدد المصابين بات يناهز المليون ونصف المليون مصاب، فيما الضحايا قاربوا المئة ألف، يعتقد خبراء "إمبريال كوليدج لندن" أن ازدياد أعداد المصابين، ولو بمعدلات فلكية، ينبغي ألا يدفعنا إلى القبول بأي لقاح تحت وطأة التهديد الصحي، فالتأخر في إيجاد لقاح يظل أفضل بكثير من لقاح قد تكون نتائجه سلبية ومدمرة. 

استجابة متأخرة

وبات أكيداً أن استجابة العالم للوباء أتت متأخرة، الأمر الذي مكن فيروس كورونا المستجد من إحداث تأثير عالمي عميق وغير مسبوق. معظم الأبحاث التي تنشر لا تتردد في تشبيه جائحة كورونا بالإنفلونزا الإسبانية، وفتكت قبل مئة عام تقريباً بأكثر من خمسين مليون إنسان، طبقاً لأكثر التقديرات تحفظاً. أما الأثر الاقتصادي الذي قد يحدثه الوباء، وما زلنا للتذكير أيضاً في أول فصوله، فالتقديرات تتوقع أن يضاهي أثر الركود الكبير في مطلع ثلاثينات القرن الماضي، هذا إن لم يتجاوزه. 

ويقيم الخبراء عدداً من الإجراءات الاحترازية التي تهدف إلى جعل التواصل بين السكان في حده الأدنى، وبالتالي التقليل من معدلات تفشي الفيروس. وهم أجروا تحليلاتهم على المملكة المتحدة والولايات المتحدة، ليخلصوا إلى الاستنتاج بأن فاعلية التدابير الوقائية المنفردة والتي تقتصر على مدينة معينة أو ولاية محددة أو حتى بلد بذاته دون سواه قد تكون محدودة للغاية وليست بذات فائدة، الأمر الذي يتطلب الجمع بين تدابير متعددة لمضاعفة تأثيرها في منع انتقال العدوى. 

ويرى الخبراء أن كبح الفيروس يتطلب تباعداً اجتماعياً فورياً وجذرياً، لتكون استراتيجية الحد من انتشاره فعالة. وهم يشيرون أيضاً إلى أن التباعد الاجتماعي المطلوب، يجب أن يستمر لأشهر وليس فقط لأيام أو لأسابيع، وبطرق رادعة، لتجنب الضغط الزائد على المستشفيات. 

وثمة استراتيجيتان أساسيتان ممكنتان لمكافحة الفيروس: الأولى هي إبطاء انتشاره، ولا يعني ذلك إيقافه، والحد من ذروة الطلب على الرعاية الصحية مع تأمين الحماية لمن هم أكثر عرضة لخطر الإصابة بأمراض شديدة من العدوى. والثانية هي فرض أقسى أشكال الحجر الصحي، والذي يهدف إلى عكس تفشي الوباء عن معدلاتها القصوى، وتخفيض عدد حالات الإصابة إلى مستويات منخفضة نسبياً، والحفاظ على هذا الوضع إلى أجل غير مسمى. 

وتواجه كل سياسة تحديات مختلفة، ويعتقد الخبراء أن السياسات المثلى التي يمكن تطبيقها هي الجمع بين العزل المنزلي للحالات المشتبه فيها والحجر الصحي المنزلي لأفراد أسر المشتبه بإصابتهم والتباعد الاجتماعي للمسنين وغيرهم من الأكثر عرضة للإصابة بأمراض خطرة، وقد تقود هذه السياسة إلى التقليل من ذروة الطلب على الرعاية الصحية بنسبة الثلثين، كما تساعد على تخفيض عدد الوفيات إلى النصف. 

تكاليف مرتفعة

الراجح بنظر الخبراء أن محاولة منع انتشار الفيروس بإجراءات مخففة قد يؤدي إلى خسارة مئات الآلاف لحياتهم، في حين أن الأنظمة الصحية ستتعرض إلى ضغط كبير مرات عدة، وقد يؤدي بها ذلك إلى الانهيار، ويقود ذلك إلى الاعتقاد بأن التشدد هو الإجراء الأسلم، ولا سيما بالنسبة إلى البلدان القادرة على تطبيق إجراءات احترازية متشددة وصارمة. 

في حالتي المملكة المتحدة والولايات المتحدة، يتطلب تطبيق نهج مشدد يكون مزيجاً من تدابير التباعد الاجتماعي لجميع السكان، والعزل المنزلي للحالات المصابة، والحجر الصحي لأفراد أسرهم، وقد يستلزم مثل هذا الخيار الاستمرار في إغلاق المدارس والجامعات، على الرغم من وجوب إدراك أن عمليات الإغلاق هذه قد تترك آثاراً سلبية على النظم الصحية بسبب عدم القدرة على تخريج الكوادر المطلوبة في الوقت المناسب. ويتمثل التحدي الرئيسي بالنسبة إلى خيار التشدد في وجوب تطبيقه حتى يصبح اللقاح متاحاً، وربما يستغرق ذلك 18 شهراً أو أكثر، فما إن يخف التقيد بهذه التدابير، يعود الفيروس في موجات تفشٍ جديدة. 

وتُظهر التجربة في الصين وكوريا الجنوبية أن خيار التشدد ممكن على المدى القصير، لكن المهم معرفة ما إن كان ذلك ممكناً على المدى الطويل، ودرس إمكانية تخفيف التكاليف الاجتماعية والاقتصادية الناجمة عنه، والتي يتبين يوماً بعد يوم أنها أشد فتكاً من الفيروس نفسه.