القطاع الخاص سداً في مواجهة كورونا

  • 2020-04-18
  • 08:00

القطاع الخاص سداً في مواجهة كورونا

وجوب تحويل الطفرات الآنية للمسؤولية الاجتماعية للشركات إلى جهد مستدام

  • سليمان عوده

 

في ظل الظروف الاستثنائية التي يواجهها العالم بفعل أزمة كورونا، تظهر الحاجة ملحة إلى تكاتف الجميع من أفراد ومؤسسات من أجل حماية المجتمع، وتعزيز استقراره. وتحسساً منها بمسؤوليتها الاجتماعية، اندفعت شركات ومؤسسات القطاع الخاص والمجتمع المدني والأهلي لتكمل دور القطاع العام عربياً، فوظفت البعض من قدراتها وطاقاتها ساعية إلى تحقيق هدفين، الأول هو التكامل مع الجهود الرسمية الرامية إلى احتواء المرض، والثاني مساعدة المتضررين من تداعيات الأزمة. وترد هذه الشركات للمجتمع بعضاً ما منحها إياه، ولا سيما أنها تستفيد حالياً من حزم دعم حكومية متنوعة صممت لمساعدتها على تخطي أزمة كورونا. 

ثمار المسؤولية

في السعودية والإمارات ومصر والأردن وغيرها من البلدان، شكلت كبريات الشركات جبهة داعمة لجهود مكافحة تأثيرات الوباء. وجرى إطلاق مبادرات ترمي إلى تعزيز نجاح الخطط الحكومية، ولا سيما في ميدان العمل والتعليم عن بعد ودعم القطاع الصحي. في السعودية مثلاً، أعلنت شركات الطاقة عن تبرعات فاق مجموعها 550 مليون ريال، وقدمت شركات الاتصالات حزم دعم متنوعة، دعماً لجهود التعليم عن بعد وتعزيز فعالية التباعد الاجتماعي. ولم تغب شركات العقار عن هذه المبادرات. فاستجابة لمبادرة أطلقتها دبي، أعلنت إعمار العقارية عن مساهمة مقدارها مئة مليون درهم. ودعا محمد العبار، رئيس مجلس إدارة إعمار، جميع المؤسسات للانضمام إلى المبادرة التي "تمثل التزاماً أخلاقياً تجاه المجتمع والاقتصاد". 

وأظهرت المصارف سخاءً ملحوظاً، وتبرعت البنوك السعودية بأكثر من 160 مليون ريال، ذهبت إلى صندوق الوقف الصحي الذي أسس حديثاً بهدف مكافحة الجائحة. وأعلن مصرف الراجحي، الذي تبرع بمبلغ 25 مليون ريال، أنَّ المبادرة تهدف إلى خدمة المجتمع وتعبر عن عميق الامتنان لتضحيات "أبطال الصحة". فجهود هؤلاء هي السد الذي يحول دون تفشي المرض على نطاق أوسع، وبما يسرع عودة الحياة إلى طبيعتها، وبالتالي استئناف الشركات لأعمالها. 

ومن الباب الصحي أيضاً، عمدت شركات إلى أداء دورها المجتمعي، فقد أعلنت شركة اتحاد المقاولين (CCC) مثلاً عن تبرعات هدفت لدعم جهود مكافحة كورونا في لبنان وفلسطين ومصر والأردن وكازاخستان. وبرز لشركات التأمين دور في تحصين القطاع الصحي. ويحصي الرئيس التنفيذي لتطوير الأعمال في شركة بوبا العربية للتأمين التعاوني علي شنيمر، مساهمات شركات التأمين في السعودية بنحو 70 مليون ريال تقريباً، قدمت شركته منها 20 مليوناً، وستصرف المساهمة لشراء مئتي جهاز تنفس صناعي، باتت عالمياً رافعة إنقاذ مرضى كورونا، وغيرها من الأجهزة الضرورية. يقول: "نضع هذه المساهمة في إطار التعاضد الوطني والمجتمعي". 

استقرار اجتماعي

تعزز مثل هذه المبادرات الاستقرار الاجتماعي، وتسهم في تقوية روح الشراكة والمسؤولية، وتولد شعوراً واسعاً بالعدالة الاجتماعية يترجم استقراراً مجتمعياً يحمي المؤسسات والشركات على المدى الطويل. تحت هذه المظلة تندرج مبادرات اجتماعية وتنموية تنطوي على مد يد العون للمحتاجين، وتوفير المستلزمات الأساسية من غذاء ودواء وتعليم. في مصر، خصصت مؤسسة ساويرس للتنمية الاجتماعية 40 مليون جنيه لدعم العمالة اليومية والأسر الأكثر احتياجاً و60 مليون جنيه لدعم الجهود الاحترازية للدولة ووزارة الصحة. وأطلقت شركة صافولا للأغذية ثلاث مبادرات مجتمعية لدعم الرعاية الصحية والوقائية المقدمة لمتضرري فيروس كورونا، تمثلت في تجهيز مستشفى متخصص وزيادة قدرته الاستيعابية، وإمداد 4500 أسرة بالاحتياجات الأولية. وفي الإمارات، جمعت هيئة المساهمات المجتمعية "معاً"، مساهمات مالية وتطوعية وعينية من الأفراد والشركات فاقت 100 مليون درهم. وفي السعودية، تولت الأندية السعودية تلبية الاحتياجات الغذائية لعشرات آلاف الأسر، من خلال تأمين وتجهيز وإيصال السلال الغذائية لمنازل المستفيدين، وذلك بالتعاون والتضافر بين أندية دوري كأس الأمير محمد بن سلمان الستة عشر.  

بوابة التعليم 

واختارت شركات أن تقوم بواجبها المجتمعي من باب التعليم، لما للقطاع من أهمية تنموية مستقبلية ومستدامة. انطلاقاً من ذلك، سعت مبادرة باسم "كلنا عطاء" يقودها القطاع الخاص في السعودية بالتعاون مع القطاع الرسمي إلى توفير مئة ألف شريحة اتصالات مجانية للطلاب و 30 ألف جهاز لوحي. وتهدف المبادرة إلى سد الفجوة التي يعاني منها بعض أفراد المجتمع، وتمنعهم من الحصول على المعرفة الكافية لعدم توفر بعض الأدوات التقنية أو المهارات اللازمة بجمع الأجهزة المحمولة واللوحية من المتبرعين وإعدادها لبدء رحلتها الجديدة مع مستفيد جديد من طلاب وطالبات المملكة. وستكون هذه الأجهزة مخصصة لذوي الدخل المحدود. وقد أعلن وزير الاتصالات عبدالله بن عامر السواحة أن هناك التزاماً من ولي العهد بمضاعفة الرقم الذي ستصل له المبادرة. وفي الإمارات، حظيت مبادرة التعلم عن بعد بدعم حيوي من شركتي اتصالات ودو، وقد تعهدتا بتوفير بيانات إنترنت مجانية للأسر التي لا تمتلك الإنترنت المنزلي. 

إنقاذ العملاء 

وتعزيزاً لاستدامة أعمال عملائها من الأفراد والمؤسسات، حرصت شركات على تخفيف بعض الأعباء عن كاهل المستأجرين. في دبي، خصصت مجموعة الفطيم دعماً مالياً بقيمة 100 مليون درهم لمساعدة تجار التجزئة في مركزي دبي فستيفال سيتي مول وفستيفال بلازا مول، ممن تأثرت أعمالهم بتداعيات انتشار الفيروس. ويُغطي التمويل قيمة الإيجار لمدة ثلاثة أشهر. وأعلنت مجموعة ماجد الفطيم أنها ستعفي جميع المستأجرين في مراكزها التجارية المختلفة، وتندرج تحت علامتي سيتي سنتر ومول الإمارات، من بدلات الإيجار عن فترات الإغلاق. وأعفت شركة سلطان بن علي العويس للعقارات المستأجرين من إيجار ستة أسابيع. وتملك الشركة وتدير محفظة من ثلاثة آلاف عقار. تقول حليمة العويس، الرئيس التنفيذي للشركة: "مكافحة انتشار الفيروس مسؤولية الجميع، ونهدف لإبقاء بواعث القلق عند المستأجرين منخفضة في هذه الأوقات الصعبة". 

عمل مستدام

تواجه الجهود التي تندرج تحت مظلة المسؤولية الاجتماعية العديد من العوائق عربياً. من الملاحظ ضعف ثقافة المسؤولية الاجتماعية لدى معظم شركات القطاع الخاص، إذ تتبنى قلة فقط من الشركات الكبرى هذه الثقافة، في حين تكاد تغيب تماماً لدى باقي الشركات. كذلك، فإن جهود غالبية شركات القطاع الخاص هي في العادة جهود مبعثرة وآنية وعشوائية، ما يحد من فعاليتها. وتتداخل جهود المسؤولية الاجتماعية مع سلوكيات العمل الخيري، كما إن عدم انتظامها يمنعها من التحول إلى شكل تنظيمي ومؤسسي، مما يفقدها أهميتها المستدامة.

وللدولة وللقطاع الأهلي دور، فمن الملاحظ عربياً غياب التحفيز الرسمي لمبادرات المسؤولية الاجتماعية، فضلاً عن غياب الضغط الاجتماعي الذي يعفي الشركات من تطوير جهودها في هذا الجانب، وهو ضغط يقود، عند توجيهه بالشكل الصحيح، إلى تطوير الوعي بأهمية الدور الاجتماعي للشركات ورجال الأعمال. يعني ذلك، في نهاية المطاف، تشكيل تيار عريض مدرك لأهمية دور الشركات في تنمية المجتمع وتطويره، ويتصرف على هذه القاعدة في تعامله معها، مشترياً منتجاتها أو مستهلكاً خدماتها. 

للاطلاع على أبرز الشركات العربية المساهمة في مكافحة كورونا.