العمل عن بُعد في لبنان ليس بعيد المنال

  • 2020-04-02
  • 09:26

العمل عن بُعد في لبنان ليس بعيد المنال

  • رانيا غانم

 بين قرار "التعبئة العامة" من جهة، والخوف من عدوى فيروس كورونا من جهة أخرى، لم يترك للمؤسسات الخدماتية في لبنان سوى خيار العمل عن بُعد للخروج من الأزمة بأقل أضرار ممكنة. وكشفت بيانات حديثة لشركة "برايوري داتا" نمو تنزيل تطبيقات "سكايب" و"هاوس بارتي" و"زووم" التي تمكّن من العمل عن بُعد باستخدام الفيديو عبر الإنترنت بأكثر من مئة في المئة عالمياً حتى نهاية آذار/مارس، وذلك بالتزامن مع تطبيق غالبية حكومات العالم إجراءات العمل عن بعد سعياً للحد من انتشار فيروس كورونا المستجد. ولكن إلى أي مدى المؤسسات المحلية مجهزة للعمل عن بعد؟ وما هي القطاعات التي يمكنها اعتماد هذه الطرق؟

في الواقع، قلة من الشركات اللبنانية تتوافر لديها الوسائل التقنية كالشبكة الافتراضية الخاصة Virtual Private Network أو الحوسبة السحابية التي تربط قاعدة بياناتها بالسحابة "Cloud" والتي تخولها العمل عن بُعد. وينحصر عدد القطاعات التي يمكن أن تعتمد هذه الطريقة بالعمل بالشركات التي تقدم خدمات تكنولوجيا المعلومات وشركات البرمجة، وشركات الاتصالات، فضلاً عن بعض شركات الاستيراد.

التكنولوجيا في خدمة الأعمال

ولما كان لدى شركات المعلوماتية اللبنانية البنى التحتية المطلوبة للعمل عن بُعد، تمكنت من اعتماد هذه الآلية بسهولة، وسمحت للموظفين بالوصول إلى قاعدة البيانات الخاصة بالشركة عبر نظام السحابة. ويقول الرئيس التنفيذي في شركة Bluering المتخصصة في تقديم حلول التكنولوجيا المالية، فارس قبيسي: "على الرغم من أن الشركة كانت مجهزة منذ فترة طويلة تقنياً للعمل عن بعد، فإنه لم تكن لدينا الجرأة الكافية لاتخاذ هذه المبادرة، وقد جاءت أزمة كورونا لتفرض علينا تطبيقها"، مضيفاً أن "التجربة كانت ناجحة بامتياز".

وتواصل شركة EDM المتخصصة في خدمات المعلوماتية التقنية وتطوير البرامج تقديم خدماتها لزبائنها عن بعد. ويشير الشريك الإداري في الشركة، زهدي الأحول إلى أنهم يقدمون الدعم المطلوب لزبائنهم افتراضياً عبر برنامجي team viewer وany desk، وكذلك يتم التواصل مع العملاء عبر تطبيقي Zoom أو skype أو Microsoft teams. ويقول الأحول: "لقد بدأت الشركة بتطبيق العمل عن بعد منذ بدء ثورة تشرين الأول/أكتوبر 2019، واستمرت مع انتشار الفيروس المستجد، لذا تكيف الموظفون مع هذه الطريقة".

يعمل أيضاً بعض الشركات التجارية العاملة في مجال الاستيراد عن بُعد، ويشير نائب رئيس جمعية تجار بيروت، جهاد تنير إلى أن بعض الشركات جهز الحواسيب الإلكترونية للموظفين العاملين في الإدارة للعمل من منازلهم بهدف ضمان استمرارية العمل، وانسياب البضائع الى السوق المحلية. ويقول: "يتطلب العمل عن بعد أنظمة تقنية تضمن حماية قاعدة البيانات لدى الشركة، بحيث لا تتعرض للقرصنة". وباشرت أيضاً شركتا الاتصالات ألفا وتاتش بتجهيز قسم خدمة الزبائن لكي يتلقى الموظفون الاتصالات التي تأتي من العملاء في منازلهم من دون أن يتعرضوا للاختلاط مع زملائهم. 

التواجد الميداني ضرورة

في الوقت الذي تمكنت فيه هذه الشركات من العمل عن بعد، استحال تطبيق هذه الآلية في القطاعات الحيوية التي تتطلب تواجد الموظفين ميدانياً لمتابعة الأعمال ولضمان ديمومة الإنتاج كالزراعة والصناعة ومطاعم الديليفري. وقد أجبرت المصارف بقرار من وزير المالية على فتح أبوابها وتقديم خدماتها إلى العملاء، علماً أن تجربة العمل عن بعد للمصارف قد اعتمدت في بعض البلدان المجاورة مثل الإمارات، حيث ألزمت تعليمات المصرف المركزي الإماراتي 30 في المئة من الموظفين فقط الذين يشغلون الوظائف الحيوية بالعمل من المكاتب، وتقليص عدد الفروع مستعيضة عنها بالمنصات الرقمية التي تسمح بتقديم معظم الخدمات للعملاء عبر الإنترنت أو الهاتف الخليوي.

وفي هذا الإطار، يؤكد رئيس نقابة موظفي المصارف، أسد خوري أن النظام المصرفي اللبناني لا يسمح بأن تخرج المعلومات من المصرف إلى أي موظف أو مسؤول مهما علت رتبته، قائلاً "هذا يخالف قوانين السرية المصرفية"، وعليه، لا يسمح لأي موظف بولوج الحسابات المصرفية للعملاء خارج إطار المصرف، ويشير خوري إلى أن نحو 60 في المئة من موظفي المصارف يداومون في المصرف بشكل دوري، وتحديداً في قسم المحاسبة وقسم القطع وقسم تبادل العملات والاعتمادات المستندية وقسم تكنولوجيا المعلومات، أما النسبة المتبقية فتعمل من منازلها على أمور تتعلق بدراسة ملفات ودراسة جدوى. بدورها، تؤكد رندا بدير نائب المدير العام لمديرية المدفوعات الإلكترونية وتكنولوجيا بطاقات الدفع في مصرف الاعتماد اللبناني، استحالة أن تعمل المصارف عن بعد، نظراً إلى أن الأعمال المصرفية تحتاج إلى تواجد في المصارف وقدرة على الوصول إلى حسابات العملاء وأمور لا يمكن تنفيذها سواء في المركز.

هذا هو أيضاً حال المصانع، وقد استثنت الحكومة في قرار التعبئة العامة الذي أصدرته مصانع الغذاء والدواء والمعقمات، حيث سمحت لهم في العمل لضمان استمرارية الإنتاج في هذه المرافق، على أن يتم اعتماد الإجراءات الوقائية لحماية الموظفين. ويلفت الأمين العام في نقابة الصناعات الغذائية منير البساط إلى أن مصانع الغذاء تتشدد دائماً في تطبيق إجراءات السلامة والصحة العامة والنظافة. ويقول: "لقد تضاعف الطلب على المنتجات الغذائية على وقع انتشار الفيروس الأمر الذي يتطلب المزيد من الموظفين في نوبة العمل الواحدة، في الوقت الذي تطلب فيه الحكومة أن يعمل 30 في المئة من الموظفين في نوبة العمل الواحدة، بهدف ترك مسافة محددة بين العامل والآخر".

حسنات العمل عن بعد وسيئاته

في ما يخص الشركات التي اعتمدت العمل عن بعد، يؤكد قبيسي الجدوى من اعتماد أسلوب العمل عن بعد باعتبار أنه يساهم في خفض التكاليف التشغيلية للشركة بما تشمل من إيجار مكاتب ونفقات تشغيلها، ويقول قبيسي إن الشركة كانت تتكبد أكلافاً مرتفعة للسفر إلى الخارج للالتقاء بزبائن من القطاع المصرفي، لكن تعليق الرحلات فرض عليهم إجراء الاجتماعات عبر الإنترنت، وبالتالي خفض نفقات السفر والإقامة في الخارج. ويضيف أن التنقل في شوارع المدينة والازدحام يؤثران سلباً على نفسية الموظفين وإنتاجيتهم.

أما التحدي الذي يبرز أمام الشركات التي تعمل عن بُعد فيتمثل، بحسب الأحول، بإدارة فريق العمل بفعالية والحفاظ على إنتاجيته، لافتاً إلى ضرورة تغيير أسلوب العمل في ظل هذه الظروف وتكثيف الاجتماعات والتواصل معهم مرات عدة في النهار من أجل حثهم على تسليم أشغالهم خلال فترة محددة.

في المحصلة إن الأزمة المستجدة، والتي لا يعلم إلى أي مدى قد تطول، قد تدفع بعض المؤسسات إلى اتخاذ المبادرة وتجهيز البنى التحتية المطلوبة لإطلاق آلية العمل عن بعد، وهذا بدوره، يرجّح ارتفاع الطلب على نقل قاعدة بيانات الشركة وربطها بالسحابة أو بتجهيز الشركات بالشبكة الافتراضية الخاصة بها، وما على مزودي هذه الخدمات سوى قطف ثمار الفرص المتاحة.