الذكاء الاصطناعي يهدد وظائف قطاع الخدمات الماليّة

  • 2020-03-10
  • 09:00

الذكاء الاصطناعي يهدد وظائف قطاع الخدمات الماليّة

  • حنين سلّوم

في العام 1642 إخترع العالم الفرنسي بليز باسكال أول حاسبة ميكانيكية عرفت بـ "الباسكالين" بهدف تسهيل أعمال والده الذي كان يعمل في جني الضرائب، كان ذلك بداية دخول الآلة إلى مجال الأعمال المالية لتحل مكان الإنسان في إجراء العمليات الحسابية.

ومع تسارع التطورات التكنولوجية التي طاولت جميع القطاعات، إمتدت التأثيرات إلى قطاع الخدمات المالية، وبدأ موظفو المصارف يشعرون أكثر وأكثر بالتداعيات السلبية للهجمة التكنولوجية على أعمالهم، خصوصاً عندما لجأ بعض المصارف إلى فتح فروع رقمية مقلّصاً بذلك عدد العاملين فيها، لكن الأثر لم يتوقف عند هؤلاء الموظفين، إذ يعيش وكلاء الأسهم والوسطاء الحالة نفسها اليوم وقد وجدوا أنفسهم أمام الخيار الصعب وهو خسارة وظائفهم، تحديداً مع إتمام أول عملية تداول للأصول الرقمية عبر استخدام نظام الذكاء الاصطناعي (artificial intelligence).   

منذ زمن، قال عالم الفيزياء النظرية وعلم الكون ستيف هويكينغ: "أخشى أن يحلّ الذكاء الإصطناعي محل البشر تماماً"، فهل ستتحقّق مخاوف هويكينغ وهل حان الوقت؟

الروبوتات تغزو wall street

في العام 2018 عيّن مصرف JPMorgan Chase & Co أبورف ساكسينا كرئيس عالمي لخدمات الذكاء الاصطناعي والتعليم الآلي، ومنذ ذلك الحين ترقّب صانعو الخدمات الماليّة تحركات المصرف كونه بات واضحاً أن الذكاء الاصطناعي يشكّل استراتيجيّة المصرف المستقبليّة، وقد قام بعدها بطرح مساعدين افتراضيين لمساندة مكاتب الاستعلامات (help desks) في إيجاد الأخطاء وحل الاستفسارات وهو من أبرز المصارف التي أبدت اهتماماً في التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي، إذ يخصّص المصرف مبلغ 11 مليار دولار سنويّاً على التكنولوجيا ويصرف نحو نصف هذا المبلغ للبحث في التقنيات الجديدة منها الذكاء الإصطناعي.

 كما طرحت AllianceBernstein Holding LP الروبوت Allie  في أغسطس 2019 التي تستطيع جمع اربعة ملايين وحدة بيانات يومياً وتستطيع تنفيذ عمليات تداول السندات، وقد توقّعت شركة Wells Fargo & Co، أن يخسر نحو 200 ألف موظّف في القطاع المصرفي عملهم في العقد المقبل في الولايات المتّحدة وذلك وفقاً لتقرير نشرته بلومبرغ في شباط/فبراير الحالي.

وقد قامت شركة AiX الناشئة بإتمام أول عملية تداول بين الدولار والبيتكوين باستخدام الذكاء الاصطناعي وهي تطمح إلى التوسع نحو فئات أخرى من الأصول التقليدية، لذلك هي في صدد التقدم بطلب للحصول على ترخيص من السلوك المالي في المملكة المتحدة وفقاً لـ تايلور كابل، الرئيس التنفيذي للشركة، وتهدف AiX إلى استبدال الوسيط البشري بالكامل في الأعوام المقبلة وذلك يعرّض وظائف كثيرة للخطر.

6.14 ملايين شخص في خطر

خلال شهادته أمام US House Committee on Financial Services في أيلول/ديسمبر سنة 2019، قال لوبيز دي برادو، البروفسور في جامعة كورنيل، إنّ عدداً كبيراً من موظّفي قطاع الخدمات المالية بمن فيهم موظفو شركات التأمين والبالغ عددهم نحو 6.14 ملايين شخص ربما يخسرون وظائفهم، ليس بالضرورة نتيجة استبدالهم بالآلات بل لأنّهم غير مدرّبين على العمل مع الخوارزميات (algorithms).

ووفقاً لدراسة أجرتها Brookings، تبيّن أنّ الموظّفين ذوي الأجور الأعلى، الذكور منهم، وحاملي الشهادات وخصوصاً العاملين في مجال التسويق، المستشارين الماليين والمبرمجين هم الأكثر عرضةً للذكاء الاصطناعي، وذلك لا يعني بالضرورة خسارة وظائفهم بل يستطيع الموظفون الاستفادة من الذكاء الاصطناعي في توفير الوقت عبر تسليم بعض المهام للروبوت مثل تحليل البيانات ما يخوّلهم تكريس وقت أكثر لمهام أخرى لا يستطيع الروبوت إنجازها مثل مقابلة العملاء.

ومن هنا يتميز الذكاء الاصطناعي عن التشغيل الآلي (automation) حيث أدّى الأخير إلى التعويض عن الموظّفين وتسريحهم من عملهم بينما الأول يستطيع مساندة الموظفين للعمل بكفاءة أكبر.

الروبوتات تتفوّق على البشر..لكن

نشرت في شباط/فبراير الحالي أول دراسة بعنوان (Man Versus Machine: A Comparison of Robo-Analyst and Traditional Research Analyst Investment Recommendations) أجريت لمقارنة توصيات الاستثمار التي يقدّمها الروبوت المحلل (robo-analyst) الذي يستند إلى برنامج كمبيوتر آلي والتوصيات التي يقدّمها المحلل العادي، وقد تبيّن أن توصيات الروبوت أكثر ربحيّة وذلك لأسباب عدة أبرزها استطاعة الروبوت استيعاب كميّة أكبر من المعلومات بوتيرة أسرع، بتكلفة أقل، كما يستطيع تحليل معلومات معقّدة وتقديم استنتاجات بشكل أسرع.

على الرغم من تفوّق الروبوت في جميع هذه الأصعدة وتقديمه توصيات استثمار أكثر ربحيّة، فإنه لم يستطع التفوق على البشر في العلاقات أو المحادثات التي يجريها المحلل التقليدي مع مديري الشركات والتي تشكّل مصدراً مهماً للمعلومات.

ولعلّ ذلك أكبر دليل على أن التكنولوجيا لا تستطيع تحقيق كامل إمكاناتها إلّا عندما تقرن بالبشر وذلك يعطينا الأمل أنّ التكنولوجيا لن تستطيع التعويض عن البشر بالكامل.  

تهديد وظائف وخلق أخرى

 على الرغم من أنّ الذكاء الاصطناعي قد يؤدّي إلى الاستغناء عن بعض الخبراء واستبداله بخبراء أقل أجراً، وبما أنّ الروبوت قادر على تحليل البيانات والمطلوب فقط التواصل مع الشخصيات المهمّة، فإنه في المقابل قد يخلق فرص عمل جديدة كما كانت الحال مع التشغيل الآلي.

ووفقاً لمقال نشرته WSJ، لقد أخطأ الخبراء في الماضي عندما ظنّوا أنّ ميكنة الزراعة والمصانع ستسبب البطالة الجماعيّة، ذلك أن التكنولوجيا أدّت إلى خسارة ستة ملايين وظيفة في مصانع الولايات المتحدة لكنها خلقت 62 مليون وظيفة جديدة وذلك بفضل نمو قطاع الخدمات، وقد وصل معدّل البطالة في شهر كانون الثاني/يناير في الولايات المتحدة إلى أدنى مستوى له منذ 50 عاماً مسجّلاً 3.6 في المئة.

وأخيراً، عبّرت كيرستن ويغنر، الرئيسة التنفيذيّة لمبادرة الأسواق الحديثة (Modern Markets Initiative)، عن اعتقادها بأنّه من الأفضل تشجيع التحول إلى التشغيل الآلي (automation) بدلاً من إعاقته وذلك نظراً إلى الفرص التي يحملها تحديداً للمتخصصين في التكنولوجيا، وأضافت أنّ هناك العديد من فرص العمل التي يخلقها التشفير، الأمن السرياني، تخزين وإدارة البيانات، وغيرها والتي يعتزم wall street إعطاءها الأولويّة، إضافة إلى الفرص التي سوف تخلقها البلوكتشين، الخدمات المصرفية الإلكترونية، والعملات المشفرة.

واستناداً إلى ما تقدّم، فإن الذكاء الاصطناعي قد لا يختلف عن التطورات التكنولوجية التي سبقته، لكنه بخلافها قد يتمتع بإمكانات كبيرة لتعزيز الانتاجية خصوصاً إذا ما تمّ ربطه بالعنصري البشري.