من سيربح سباق العملات الرقميّة؟

  • 2020-03-08
  • 20:58

من سيربح سباق العملات الرقميّة؟

  • حنين سلّوم

في شباط/فبراير الماضي أعلن البنك السويدي المركزي، Riksbank، عن البدء باختبار عملته الرقمية المعروفة باسم E-krona. ولم تكن السويد بذلك، الدولة الأولى التي تعتزم تطوير عملة مركزية رقمية، بل هناك 18 دولة أخرى تعمل على ذلك، وفقاً لأحد تقارير بنك التسويات الدولية (BIS) الذي صدر أخيراً (الشهر الحالي).

وفي ظل عزم الدول على تطوير عملتها الرقميّة تزداد التساؤلات عن مدى ضرورة وفعاليّة هذه العملات، علماً أن العديد من المعاملات أصبحت تنجز بشكل غير نقدي (cashless transactions). وفي هذا السياق تبحث الصين إطلاق عملتها الرقمية التي تعرف بالمجتمع غير النقدي (cashless society). فهل العملة المركزيّة الرقميّة ضرورية فعلاً للدول؟

العملة المركزيّة الرقمية: بين المعارضين والمؤيدين

وفقاً لدراسة استقصائيّة أجراها بنك التسويات الدولية فإن 30 في المئة من المصارف المركزيّة رجّحت امكانيّة إطلاق عملة رقميّة في السنوات الست المقبلة و10 في المئة منها قد أطلقت بالفعل مشاريع تجريبيّة (pilot projects) لاختبار هذه العملة.

ويعتبر المؤيّدون أنّ العملة المركزيّة الرقميّة من شأنها تسريع وتسهيل عمليّة تحويل النقود بين الأفراد، والمؤسّسات وعبر الحدود. لكن المعارضين يشكّكون بمدى فعاليّة هذه العملات.

في مقال نشرته صحيفة Wall Street Journal تمّ التطرق إلى خطاب أغسطين كارستنز، مدير عام بنك التسويات الدولية، الذي قال فيه إنه في حال أصدر البنك المركزي عملته الرقميّة، وأصبح الجميع يملك حسابات مصرفيّة في البنوك المركزيّة، سيصبح تأثير المركزي على نظام الدفع والاقتصاد ككل أكبر. لكن كارستنز تخوّف في الوقت نفسه، من أن يتنافس المركزي والوسطاء (private intermediaries) أي المصارف والمؤسسات الماليّة على تقديم الخدمات. ذلك أنه في حال أصبح المركزي المودع الأكبر للمؤسسات والأفراد، فإن هناك السؤال التالي: هل ستستطيع المصارف والمؤسسات الماليّة الأخرى من تقديم خدمات كإقراض الزبائن مثلاً وهل سيصبح المركزي هو المقرض؟  

وفي مقال آخر للصحيفة نفسها، ورد رأي لورانس وايت، بروفسور الاقتصاد في جامعة جورج ماسون الأميركيّة، التي تناولت الموضوع أيضاً متخوّفةً من أنّ المركزي قد يفرض أسعار فائدة سلبيّة إذا أصبح المسؤول الوحيد عن حسابات جميع المودعين.  فضلاً عن ذلك، تناولت مسألة مهمّة جدًّا وهي الخصوصيّة التي سوف يفقدها المواطنون مع إصدار عملة مركزيّة رقميّة، وذلك ما هو متاح مع الأوراق النقدية فهي تنتقل بين الأفراد من دون تتبّع. وهنا يمكن القول إن الأوراق النقديّة ليست الوحيدة التي تقدّم هذه الميزة، إن العملات المشفّرة اللامركزيّة كالبيتكوين (bitcoin) قد تضمن الخصوصيّة أيضاً.

بماذا تختلف العملات المشفّرة عن العملة المركزيّة الرقميّة؟

إنّ نقطة الاختلاف الأولى والأهم بين العملات المشفّرة والعملة المركزيّة الرقمية هي طبيعتها، فالعملة الرقمية الذي يصدرها المركزي هي كالأموال التقليديّة، وبالقيمة نفسها، غير أنّها رقميّة. بينما العملات المشفّرة تعتبر أصولاً رقميّة مصمّمة لتكون كوسيط تبادل بين الأفراد.

أمّا الاختلاف الآخر فهو اللامركزيّة، فالعملات المشفّرة تعتمد على التعدين وعلى نظام البلوكتشين وهو نظام لا مركزي يضمن نقل العملات من دون تتبعّها. فيما العملة الرقميّة التي قد يصدرها المصرف المركزي بطبيعتها مركزيّة، وتسمح بتتبّع مصدر العملة والجهة التي استلمتها. وهنا تجدر الإشارة أنّ لا مركزيّة العملات المشفّرة تطرح علامات استفهام حول امكانيّة استخدامها لأغراض غير قانونيّة.

ما هو الدافع الأساسي وراء إطلاق العملة المركزيّة الرقميّة؟

على الرغم من المخاوف التي تحيط بإطلاق العملة المركزيّة الرقمية ما زال العديد من الدول يقوم بتطويرها ومنهم من يختبرها ولكن هل السبب الأساسي هو تسهيل نظام الدفع أم هناك أسباب أخرى تدفعهم للقيام بذلك؟

من بين أبرز الأسباب التي قد تشكّل دافعاً قويًّا هو تخوّف البلدان أن تقوم شركة أو مجموعة شركات ضخمة بتطوير عملة مشفّرة رقميّة تسيطر على نظام الدفع العالمي. وقد كانت شركة فايسبوك العالميّة تقوم بتطير عملتها المشفّرة Libra غير أنّها واجهت بعض الصعوبات والمسائلة خاصّةً فيما يتعلّق بالخصوصيّة ما أدّى إلى انسحاب بعض الشركات الضخمة من Calibra وهي الشركة التي أنشأتها فايسبوك لتطوير العملة. وقد أصبح مصير العملة المشفّرة مجهولاً.

وقد يكون أحد الأسباب الأخرى وراء تسابق المصارف المركزيّة لإطلاق عملتهم الرقمية هو تخوّفهم من أن تسيطر عملة مركزيّة رقميّة واحدة على نظام الدفع وتطيح بالعملات الأخرى. وقد يكون التخوف الأكبر من الدولار الأميركي الذي قد يسيطر على نظام الدفع العالمي بفضل هيمنته. وفي المقابل، قد يؤدّي إطلاق عملات مركزيّة رقميّة أخرى قبل الدولار إلى خسارة الولايات قدرتها على استخدام العقوبات الاقتصاديّة كأداة للسياسة الخارجيّة. وعلى الرغم من ذلك، وفقاً لباول، رئيس المصرف المركزي في الولايات المتحدة، المركزي لا يقوم بتطوير عملته الرقمية حاليًّا إلّا أنّه يراقب وعن كثب المشاكل التي تحيط بالعاملات المركزيّة الرقميّة. ويتوقّع الخبراء أن يحافظ الدولار على هيمنته مازال المركزي محافظاً على معدّل تضخّم منخفض للدولار.

في المحصلة، وفي ظل الاتجاه القائم لدى الدول لإصدار العملات الرقمية المركزية، يبقى السؤال المطروح: من سيربح هذا السباق؟