لبنان: أسبوع مالي حاسم يحدد خريطة الطريق الحكومية

  • 2020-03-02
  • 10:30

لبنان: أسبوع مالي حاسم يحدد خريطة الطريق الحكومية

"اليوروبوندز" يستحق وأسعار المحفظة تحاكي أصول الخردة سوقياً

  • علي زين الدين

أسبوع واحد يفصل لبنان عن استحقاق الشريحة الأولى لسندات الدين الدولية (يوروبوندز)، بقيمة إسمية تصل الى 1200 مليون دولار. يليها استحقاق الشريحة الثانية في أبريل/نيسان بقيمة 700 مليون دولار، ثم الثالثة في حزيران بقيمة 600 مليون دولار. فيما يصل إجمالي المتوجبات إلى نحو 4600 مليون دولار لاستحقاقات اليوروبوندز لهذا العام بين أصول وفوائد مستحقة على كامل شرائح المحفظة البالغة نحو 30 مليار دولار، موزعة تباعا لغاية العام 2037.

ما كان لهذا الاستحقاق أن يتصدر المشهد العام في البلد ويتحول إلى قضية رأي عام، لو كان الأداء المالي للدولة شفافا وملتزما مقتضيات التوازن بين المدخول والإنفاق. وما كان على مصرف لبنان أن يتطوع ومعه القطاع المصرفي الى التموضع في دائرة الاستهداف وتلقي سهام صانعي الأزمات وممتهني "أكل الكتف" وعظمه، لو قلب حاكمه الطاولة وأشهر الحقائق بلا كفوف ولا أقنعة ولا التكفل غير المشروط بالتمويل، حين استشعار مخاطر تسيب المال العام واستثماره في الانتخابات والمحاصصة لشحذ الولاءات الانتخابية بسلسلة رواتب ضخمت كتلة اجور ومخصصات القطاع العام بأكثر من ملياري دولار سنويا وبنحو 30 ألفا من المحسوبيات الوظيفية وبتجاوزات موصوفة للقوانين وللمسارات الادارية والتنظيمية وللهيئات الرقابية.

الحكومة اللبنانية أمام امتحان حاسم

لذا فالحكومة أمام امتحان حاسم، لا ينحصر بمضمون القرار النهائي بين مجموع الخيارات المتداولة التي تراوح بين الدفع والتأجيل و" العصيان"، بل يتعداه الى تحديد مصيرها بعد أسابيع قليلة على انطلاقتها. فهي المرة الأولى ما بعد انتهاء الحروب العبثية من خلال اتفاق الطائف اوائل التسعينات، يكون فيها لبنان على خط " الافلاس " ومتروكا في الوقت ذاته اقليميا ودوليا لينزع أشواك أزماته بما أبقى له فساد سياسييه من رمق لا يكاد يكفي لتأمين خبز الفقراء من مخزون احتياط يتعرض مع مصادره لنضوب ينذر بتداعيات أشدة قسوة وايلاما في قادم الشهور، وربما قبل حلول الصيف.

وقد يكون التأخير مبرراً بضرورة رفد الموقف النهائي باستشارة شركات مالية دولية إلى جانب بعثة صندوق النقد الدولي، إنما التمادي فيه، قصداً أو عجزاً، قد يطيح بآخر الآمال المعلقة على إمكانية إنجاز البند الأول من خطة جبه الزلزال المالي العنيف. فحراجة الموقف الحكومي لا تقل عن الأداء الشديد الاضطراب لتداولات السندات في الأسواق المالية المحلية والخارجية، والتي تصاعدت بشكل مثير في الأسبوع الماضي ووصلت معه متوسطات الأصول إلى ربع قيمها الإسمية، أي 25 سنتاً لكل دولار. وقد ساهم تأخير الحسم في زيادة منسوب القلق وفي حصول عمليات بيع محمومة.

 

حراجة الموقف الحكومي لا تقل عن الأداء الشديد الاضطراب

لتداولات السندات في الأسواق المالية المحلية والخارجية

 

ووفق خلاصة التقرير الدوري لمجموعة بنك عودة فقد "شهدت سوق سندات اليوروبوندز اللبنانية هبوطاً حاداً في الأسعار على طول منحنى المردود تراوح بين 2.38 دولار و18.50 دولار. وفي هذا السياق، وصل متوسط المردود المثقل إلى مستويات قياسية بلغت 130 في المئة، علماً أن المردود على السندات التي تستحق في 9 مارس/آذار 2020 بلغ 1783 في المئة. وعلى صعيد كلفة تأمين الدين، اتسع هامش مقايضة المخاطر الائتمانية لخمس سنوات أكثر من الضعف هذا الأسبوع، ليبلغ إلى مستويات غير مسبوقة تجاوزت عتبة 12000 نقطة أساس، في إشارة واضحة إلى تدهور نظرة الأسواق إلى المخاطر السيادية.

ماذا عن المقايضة؟

ويبدو أن خيار المقايضة ( SWAP) لا يزال الاقل ضررا بين المقترحات المتداولة، ومن الممكن سحبه على الاستحقاق الحالي ولواحقه هذا العام بقيمة 2500 مليون دولار والاستحقاق الوحيد في أبريل/ نيسان من العام المقبل وقيمته 2100  مليون دولار. وذلك عبر إقناع الدائنين بالاكتتاب في إصدار جديد بقيم مماثلة. وهذا الحل كان قد باشر حاكم المركزي رياض سلامة فعليا استطلاع قابليته وتسويقه منذ مطلع العام الحالي لدى كبار حملة السندات المستحقة، ولقي، بحسب المعلومات، استجابة مبدئية من قبل البنوك المحلية يمكن تثبيتها عبر حوافز موازية يتم اعتمادها بالليرة. ثم تعززت بتفهم قابل للتطوير من قبل مؤسسات دولية كبيرة، يمكن أن تساهم في تعميمه على سائر حملة السندات الأجانب. وبالتالي خفض مبالغ التسديد النقدي المتوجبة التسديد بالتقسيط إلى حدود 2.1 مليار دولار تمثل الفوائد المستحقة على كامل المحفظة وعلى مدار العام بكامله.

وفي سياق هذا الخيار، غرد رئيس جمعية المصارف سليم صفير على حسابه عبر "تويتر" قائلا:

"ما زلنا نعتقد أن مقاربة حكيمة للأزمة الاقتصادية والموجبات المالية تجاه المجتمع الدولي أمر ممكن في حال وجود نية حسنة لدى الحكومة لاعتماد الخطط الإصلاحية اللازمة وسياسات إعادة جدولة الدين المطلوبة. والمصارف كانت من أشد الجهات الخاسرة كونها اُجبرت على استنفاد اموالها لتأمين أكبر قدر ممكن من السيولة لمودعيها، وهذا الوضع هو نتيجة تمويل العجز المستمر في الدولة".

أضاف: "الحل الأفضل لتسديد المستحقات هو استبدال سندات اليوروبوند والمباشرة بإصلاحات فورية من أجل تنقية المالية العامة واستعادة ثقة المستثمرين المغتربين. وقد يكون حاملو السندات الأجنبية على استعداد للموافقة على مثل هذا التبادل swap إذا كان بإمكان الدولة إقناعهم بحسن نيتها من اجل القيام بالإصلاحات وتنفيذ خطة موثوقة".

طرح رياض سلامة

وللتذكير، فإنه، وبحسب محضر رسمي، طرح سلامة مبكراً على المصارف خلال الاجتماع الدوري مع الجمعية في نهاية العام الماضي، "أن يجري سواب Swap على سندات "اليوروبوندز" بحيث يعطيها مصرف لبنان سندات طويلة الأجل من محفظته بدل السندات القصيرة الأجل التي تحملها وتستحق في الاشهر المقبلة (آذار/ مارس، نيسان/أبريل ويونيو/حزيران). ما يفتح الباب لعمليات سواب مع الخارج. وأبلغ المجتمعين أن أحد أهم الصناديق بالنسبة لدين لبنان الخارجي أبدى انفتاحاً في هذا المجال. وبرأي الحاكم فإن مثل عملية كهذه تحول دون إعادة جدولة ممكنة الحدوث، وقد يترتب عليها خسائر للمصارف".

وما لم يفصح عنه الحاكم أن خيارات الامتناع عن السداد، ومع نفاذ وقت التفاوض مع الدائنين للتفاهم على اعادة الهيكلة والجدولة، فهو يقود حكما إلى خروج مؤلم من الأسواق الدولية واستحقاق قانوني لكامل محفظة الديون وإمكانية الحجز على أصول الدولة وممتلكاتها في الخارج وترقب تداعيات يصعب تقديرها مسبقاً على المعاملات المالية عبر الحدود وعلى شبكة الجهاز المصرفي مع البنوك المراسلة.

وعبّرت جمعية المصارف صراحة عن هذه المخاطر، إذ اعتبرت في بيان سابق، بأن "التخلّف عن سداد ديون لبنان الخارجية يشكل حدثاً جللاً تتوجّب مقاربته بكثير من الدقة والتحسّب. والمطروح في الواقع هو إعادة برمجة الدين أو إعادة هيكلته بالتفاهم مع الدائنين. وإنجاز هذا الأمر يتطلّب وقتاً واتصالات وآليات تتطابق مع المعايير الدولية ومع المقاربات المماثلة التي اعتمدتها دول أخرى تستدعي الاستعانة بالجهات الدولية المختصّة من أجل بناء برامج مالية ونقدية ذات مصداقية، والفترة المتبقّية حتى استحقاق الدين هي فترة قصيرة جداً لا تتيح التحضير والتعامل بكفاءَة مع هذه القضية الوطنية الهامة".