غوغل تتفادى التفكيك وتحتفظ ب "كروم"
غوغل تتفادى التفكيك وتحتفظ ب "كروم"
-
فيصل أبوزكي
في حكم قضائي تاريخي صدر في الثاني من أيلول/سبتمبر 2025، قررت محكمة اتحادية في الولايات المتحدة بعدم اجبار شركة غوغل على بيع متصفحها الشهير "كروم" ونظام التشغيل "أندرويد" وذلك في إطار قضية مكافحة الاحتكار اقامتها الحكومة الاميركية على الشركة منذ سنوات والتي اتهمت فيها الحكومة الشركة بالاحتكار غير القانوني لسوق البحث على الإنترنت وباستخدام اتفاقيات حصرية مع شركاء مثل أبل وصانعي الأجهزة المحمولة لمنع المنافسين من الحصول على الفرصة للدخول الى السوق والمنافسة في مجال البحث والإعلانات الرقمية.
رغم أن غوغل تمكنت نتيجة هذا الحكم من الاحتفاظ بسيطرتها على محرك البحث ومتصفح الويب ونظام التشغيل، فرض القاضي عليها الالتزام بمشاركة بيانات البحث مع المنافسين، بما يسهم في تعزيز المنافسة وتوفير بيئة أكثر عدالة في هذا القطاع الحيوي. كما حُظر القاضي عليها إبرام عقود حصرية تُلزم الشركات المصنعة للأجهزة المحمولة باستخدام محرك البحث أو التطبيقات الخاصة بها، وهو ما كان يُعتبر أحد أدواتها للهيمنة على السوق.. ومن ضمن الاتفاقيات التي سمح بها القرار استمرار علاقة جوجل مع أبل، حيث يتوقع ان تدفع غوغل قرابة 20 مليار دولار حلال 2025 لتكون محرك البحث الافتراضي على أجهزة آيفون، وهو اتفاق يُعتبر من الأكثر ربحية في قطاع التكنولوجيا.
بداية القضية
القضية التي بدأت عام 2020 باتهامات من وزارة العدل الأميركية وعدد من الولايات، شكَّلت تحديًا حقيقيًا لهيمنة جوجل، حيث تبين أن الشركة دفعت مليارات الدولارات في شكل حوافز لضمان استمرارية وضعها كمحرك بحث رئيسي لدى شركائها، مما أدى إلى تقليل فرص المنافسين مثل DuckDuckGo ومايكروسوفت بين في المنافسة بشكل حقيقي.ويَظهر الحكم أهمية وضرورة تعزيز الشفافية وتعدد الخيارات أمام المستخدمين، بالإضافة إلى منع الشركات الكبرى من حجب البيانات الحيوية التي يحتاجها المنافسون لتطوير خدمات ذات جودة عالية..
ويتوقع ان يكون تأثير وهظزذا الحكم على قطاع التكنولوجيا واسع وعميق.. فمن ناحية، يعزز القرار استقرار جوجل القانوني ويمنحها فرصة للاستمرار في تطوير تقنيات الذكاء الاصطناعي التي تعول عليها لتوسيع أعمالها والهيمنة على هذا السوق مستقبلًا بأساليب أكثر تطورًا وابتكارًا. ومن ناحية أخرى، يعيد فتح الباب أمام منافسين جدد قد يكون لديهم القدرة على تقديم بدائل مبتكرة في مجال البحث والذكاء الاصطناعي، خاصة مع الالتزام بمشاركة البيانات والحفاظ على المنافسة العادلة.
توجه جديد
هذه التطورات تعكس توجهاً جديدًا في التعامل مع عمالقة التكنولوجيا الكبرى، حيث لا يتم اللجوء إلى تفكيك الشركات الكبرى بشكل صارم كما في الماضي، بل يركز الإطار القانوني على فرض رقابة أكثر دقة ومنع الاحتكارات المؤثرة دون المساس بالابتكار والاستثمار.. وبهذا تظل جوجل لاعبًا رئيسيًا في التكنولوجيا العالمية، لكنها ستواجه بيئة أكثر تنافسية، مما قد يحفز المزيد من الابتكارات التي يفترض أن تخدم المستهلك النهائي بشكل أفضل.
في المجمل، يُعد حكم سبتمبر 2025 محطة مهمة في مسلسل مكافحة الاحتكار في صناعة التكنولوجيا، حيث يوازن بين الحفاظ على قوة الشركات الكبرى والحد من ممارسات الاحتكار الضارة التي يمكن أن تعيق المنافسة والابتكار، وهو ما سيكون له تداعيات تمتد إلى جميع الشركات التي تنافس في مجال الإنترنت والذكاء الاصطناعي، ويُعيد تشكيل مستقبل سوق البحث الرقمي والعلاقات بين الشركات التقنية الكبيرة في العالم .
كيف يمكن ان يؤثر القرار على الإعلانات الرقمية؟
يتوقع ان يحمل هذا الحكم في قضية مكافحة الاحتكار ضد جوجل عام 2025 آثارًا مهمة على قطاع الإعلانات الرقمية بشكل خاص وعلى صناعة التكنولوجيا عامة. في هذا الحكم، رغم عدم إلزام جوجل ببيع متصفحها كروم أو نظام التشغيل أندرويد، فقد فرض القاضي على الشركة التزامًا بمشاركة بيانات البحث مع منافسيها، بالإضافة إلى منعها من إبرام عقود حصرية تجعلها محرك البحث الحصري على الأجهزة المحمولة. هذا القرار يؤثر بشكل مباشر على سوق الإعلانات الرقمية الذي يشكل مصدرًا كبيرًا للدخل في جوجل.
من خلال اشتراط مشاركة بيانات البحث، يُمكن لمنافسي جوجل، وخاصة الشركات التي تطور تقنيات الذكاء الاصطناعي ومحركات البحث الجديدة، مثل OpenAI وPerplexity وDuckDuckGo، استخدام هذه البيانات لتحسين خوارزمياتهم وإنشاء بدائل أكثر تنافسية لخدمات جوجل. هذا يعزز فرص المنافسة في سوق الإعلانات الرقمية التي تعتمد بشكل كبير على بيانات البحث لتوجيه الإعلانات وتحقيق استهداف دقيق للمستخدمين. وبالتالي، من المتوقع أن يؤدي ذلك إلى تقليل هيمنة جوجل على هذا القطاع وفتح المجال أمام منافسين جدد.
ومع ذلك، يرى بعض النقاد أن التدابير التي فرضها القاضي قد تكون أقل حدّة مما كان متوقعًا، حيث لا تزال جوجل قادرة على دفع مبالغ مالية ضخمة لتثبيت مكانتها كمحرك بحث على أجهزة مثل الآيفون، مما يحافظ على قوتها في السوق. ويحذر بعض المراقبين من أن جوجل قد تستمر في ممارساتها الاحتكارية التي تعيق نمو المنافسين، خصوصًا في مجال البحث باستخدام الذكاء الاصطناعي، مما قد يؤخر تحقيق منافسة حقيقية تعود بالفائدة على المستهلكين.
كما أن القرار يشير إلى التحديات الجديدة التي تفرضها التطورات السريعة في مجال الذكاء الاصطناعي والتي غيّرت ديناميكيات سوق البحث والإعلانات الرقمية، وهو ما أشار إليه القاضي نفسه حين أكد الحاجة لمراعاة هذه المتغيرات المستقبلية في فرض العقوبات. هذه الأبعاد تجعل من الحكم نقطة تحول تعكس توازنًا بين الحفاظ على ابتكار جوجل وفرض قواعد جديدة لضبط ممارساتها ومنعها من السيطرة الحصرية التي تخنق المنافسة.
باختصار، الحكم الاخير هو خطوة نحو تعزيز المنافسة في سوق الإعلانات الرقمية، خاصة من خلال فتح الوصول إلى بيانات البحث التي تُعد أساسًا لتوجيه الإعلانات الإلكترونية. لكنه في الوقت ذاته لا يقطع الطريق نهائيًا أمام جوجل من أجل استخدام قوتها السوقية لتمديد سيطرتها. لذلك، من المتوقع أن يشهد السوق مزيدًا من التنافس وتحولات في الاستراتيجيات من جانب كبار اللاعبين في قطاع التكنولوجيا والإعلانات الرقمية، مع إمكانية تدخل تشريعات وتنظيمات إضافية لمعالجة ما تبقى من تحديات هيكلية في هذا المجال.
"كروم" ينفذ بريشه
يشكل مستقبل متصفح جوجل "كروم" بعد أوامر التفكيك المحتملة نقطة محورية في صناعة التكنولوجيا الرقمية، خاصة في ضوء المطالبات السابقة ببيع متصفح "كروم" كجزء من جهود مكافحة الاحتكار في السوق الاميركية. منذ أغسطس 2024، تواجه جوجل دعوات لفصل متصفح "كروم" عن الشركة الأم، حيث ترى الجهات التنظيمية أن احتكار جوجل لهذا المتصفح الذي يحكم نحو 61% من سوق متصفحات الإنترنت في الولايات المتحدة يعطيها قوة هائلة في سوق الإعلانات الرقمية وبيانات المستخدمين.
بيع "كروم" قد يكون خطوة غير مسبوقة، تقدر قيمتها بأكثر من 15 إلى 20 مليار دولار بسبب عدد مستخدميه النشطين الذين يتجاوزون 3 مليارات مستخدم شهريًا، مما يجعل المتصفح ليس مجرد منتج برمجي بل بوابة رئيسية لكافة خدمات جوجل، خاصة محرك البحث والذكاء الاصطناعي. ومع تعرض جوجل لضغوط قانونية لإجبارها على بيع "كروم"، برزت عروض من شركات منافسة مثل Perplexity، التي عرضت مبلغًا غير مسبوق لشرائه واستثمرت خططًا ضخمة لتطوير المتصفح وتقديم نسخة مدعومة بالذكاء الاصطناعي.
من جانبها، تعتزم جوجل استئناف الأحكام التي تصنفها كمخالفة قانون الاحتكار، مدعية أن بيع "كروم" سيضر بالمستهلكين والمطورين، لأنه قد يؤدي إلى تعديل نموذج العمل المفتوح المجاني الحالي، الذي يعتمد عليه الملايين حول العالم. كما أن القرار المتوقع قد يفرض على جوجل ترخيص بيانات المستخدمين بشكل موسع للمنافسين، وهو ما سيغير قواعد اللعبة في سوق البحث والإعلانات الرقمية.
مستقبل "كروم" بعيدًا عن جوجل قد يحمل في طياته فرصًا كبيرة لتعزيز المنافسة والابتكار، لكنه في المقابل يثير مخاوف حقيقية حول استمرارية تطويره بنفس المستوى الحالي من الثبات والابتكار، خصوصًا وأن جوجل توفر الموارد الضخمة المطلوبة لتمويل عملية التطوير هذه والتي تضمن للشركة ريادة قطاع البحث وتصفح الإنترنت.
لذلك، فإن السيناريوهات المحتملة تتراوح بين استمرار جوجل في الاحتفاظ بالمتصفح مع قيود تنظيمية جديدة لتعزيز المنافسة، أو الانتقال إلى ملكية جديدة ربما تعيد تشكيل تجربة تصفح الإنترنت بشكل جذري مع إمكانية استغلال التكنولوجيا الحديثة مثل الذكاء الاصطناعي بشكل أكبر. على أي حال، فإن هذا الملف يبقى حاسمًا في تحديد ملامح صناعة التكنولوجيا الرقمية في العقود القادمة.
الأكثر قراءة
-
"إنفيكتوس للاستثمار" تضاعف أرباحها التشغيلية خلال النصف الأول من 2025 وتوسّع حضورها في 65 دولة
-
الاستثمار الأجنبي في 2025: انحسار في التدفقات العالمية وسط مشهد متغير
-
الرئيس عون في افتتاح مؤتمر "الاقتصاد الاغترابي الرابع" يدعو لدبلوماسية اقتصادية تفتح للبنانيين أبواب العمل والاستثمار
-
صافي أرباح "يلا" الإماراتية يرتفع 16.4% في الربع الثاني 2025
-
"روتانا" تطلق منصة تشغيلية من الجيل الجديد