زلزال سوريا: إعادة الإعمار كارثة بعد الكارثة!

  • 2023-02-19
  • 15:18

زلزال سوريا: إعادة الإعمار كارثة بعد الكارثة!

  • أحمد عياش

لم يكن صعباً عند إعداد التقارير التلفزيونية لتغطية نتائج الزلزال الذي ضرب أخيراً تركيا وسوريا فجر 13 شباط/ فبراير الحالي، إيجاد مشاهد حديثة للمدن التركية قبل ان يدمرها الزلزال، للمقارنة بين ما كانت وكيف أصبحت. أما في سوريا، فكانت المهمة صعبة، لأن ما كانت عليه الأماكن قبل الزلزال بدت وكأنها مشابهة لما صارت عليه اليوم، نتيجة الدمار الذي الحقته بها الحرب الاهلية منذ نحو 12 عاماً.

 

 

قد يهمك:

أعوام ومليارات الدولارات لإعادة اعمار ما دمره زلزال تركيا وسوريا في دقيقة

 


وبدت الجهات الدولية معنية بالتحضير لمرحلة ما بعد الإغاثة للشروع في إعداد التصورات حول إعادة إعمار ما تهدم في زلزال سوريا.

 ويقدر مدير الاتحاد الدولي لجمعيات الصليب الأحمر والهلال الأحمر أن الكثير من أعمال الإنعاش في تركيا ستتم في غضون سنتين إلى ثلاث سنوات، لكن في سوريا، "نحن نتطلع إلى إطار من خمس إلى 10 سنوات فقط لبدء التعافي".

قبل الدخول في عالم الأرقام حول كلفة إعادة إعمار البلد الذي شهد دماريّن هائلين على مدى عقد من السنين، نتوقف عند التحقيق الذي أعدته شبكة CNN الأميركية التلفزيونية، وقد جاء فيه: "بعد خمسة أيام من زلزال هائل بلغت قوته 7.8 درجات هز تركيا وسوريا، فإن عدد القتلى مذهل. نقلت لقطات الطائرات من دون طيار وصور الأقمار الصناعية الحقيقة الصارخة للدمار الواسع النطاق في منطقة تمتد بين دولتين مختلفتين تماماً، إن حجم الكارثة هائل".

 

وقالت كارولين هولت، مديرة الكوارث والمناخ والأزمات في الاتحاد الدولي للصليب الأحمر (IFRC): "لقد قمنا ببعض رسم خرائط لحجم المنطقة المتضررة. إنه بحجم فرنسا".

 


23 مليون شخص قد يتأثرون بالكارثة

 


وقال الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش يوم الخميس في 16 شباط/ فبراير الحالي: "لم نر بعد المدى الكامل للأضرار والأزمة الإنسانية التي تتكشف أمام أعيننا"، في حين تشير تقديرات منظمة الصحة العالمية إلى أن ما يصل إلى 23 مليون شخص قد يتأثرون بالكارثة الطبيعية.

وبمجرد انتهاء جهود البحث، سيتحول الاهتمام إلى إعادة الإعمار على المدى الطويل. عانت تركيا من الزلازل في الماضي، وأعيد بناؤها. ولكن ما مقدار ما يمكن تعلمه من هذا التاريخ وهل سيتم تنفيذ هذه الدروس؟ وهل ستضاهي نفس الجهود عبر الحدود؟

إذاً، عبر الحدود في سوريا، ستكون جهود إعادة البناء أكثر تعقيداً. وحذر غوتيريش من أن السوريين يواجهون "كوابيس فوق الكوابيس"، ووصف برنامج الأغذية العالمي الوضع في شمال غربي البلاد بأنه "كارثة فوق الكارثة".

في سوريا، خطوط الصدع السياسية عميقة. بعض المناطق الأكثر تضرراً من الزلزال يسيطر عليها النظام، والبعض الآخر من قبل قوات المعارضة المدعومة من تركيا ومن الولايات المتحدة، والمتمردين الأكراد والمقاتلين الإسلاميين. هذه الانقسامات السياسية تخلق عقدة لوجيستية، والتفاوض بشأنها من شأنه أن يحبط جهود الإنعاش. وتعني هذه التناقضات أن تعافي سوريا من المرجح أن يتقدم وفقاً لجدول زمني متوقف. ونظراً لافتقار الأسئلة الأساسية إلى التنسيق، فقد تظل من دون إجابة لبعض الوقت.

 

 

للمتابعة:

الاقتصادان التركي والسوري سيحتاجان إلى وقت طويل لتجاوز كارثة الزلزال

 

 


تداعيات دمار الحرب كارثية

 


من اجل تكوين أفكار، حول إعادة إعمار سوريا في المستقبل، أكانت قريبة أم بعيدة، يمكن العودة الى الدراسة التي اعدّها في العام 2019 مركز مالكوم كير-كارنيجي للشرق الأوسط، وقد جاء فيه: "كانت تداعيات الدمار الواسع الذي شهدته سوريا منذ آذار/مارس من العام 2011 كارثية على الاقتصاد، كما إن تكاليف إصلاح هذه الأضرار هائلة للغاية. ففي مطلع العام 2019، تراوحت تقديرات تكلفة إعادة الإعمار ما بين 250 و400 مليار دولار، وهي أرقام تجعل ميزانية 2018 التي وضعتها الحكومة والبالغة 3.9 تريليونات ليرة سورية، أو نحو 8.9 مليارات دولار، تبدو قليلة للغاية بكاملها. ومن إجمالي هذه الميزانية، وصل المبلغ المخصّص لإعادة الإعمار إلى 50 مليار ليرة سورية، أي أنه لا يتجاوز 115 مليون دولار. وبالتالي، لا تتحمّل الحكومة السورية عملية إعادة الإعمار الهائلة هذه".

 

 

إقرأ أيضاً:

زلزال تركيا: المستقبل مرهون بالتزام قوانين صارمة للبناء؟

 


يضيف تقرير كارنيجي: "تساهم الأرقام الاقتصادية والوقائع الاجتماعية في شرح أسباب ذلك. فوضع الاقتصاد سيئ جداً، والبلاد تواجه تحديات إنسانية خطيرة، حيث إن نحو 12 مليون شخص في حاجة إلى مساعدة إنسانية بشكل أو بآخر، فيما أكثر من 5 ملايين لاجئ سوري هربوا إلى دول مجاورة. هذا، وتراجع الناتج المحلي الإجمالي الإسمي في سورية بشكل ملحوظ من 61.1 مليار دولار في العام 2010 إلى 17.1 مليار دولار في العام 2017. وفي العام نفسه، ارتفع معدل الفقر في البلاد بأكثر من 90 في المئة، حتى إن صحيفة الوطن الموالية للنظام ذكرت أن أحد أكبر التحديات الاقتصادية التي تواجهها سورية هي معالجة التفاوت الصارخ في توزيع الثروات والمداخيل".

وخلص التقرير الى القول: "التمويل الأجنبي لإعادة الإعمار غير مضمون. فأبرز حلفاء الأسد في طهران وموسكو يواجهون مشاكل اقتصادية هم أنفسهم ويجدون صعوبة في الحفاظ على المستويات الحالية من الدعم المالي والمادي المقدّم إلى النظام السوري. وثمّة مؤشرات واضحة على أن روسيا وإيران سترزحان تحت وطأة ضغوط كبيرة كي تفيا بمشاريع إعادة الإعمار الموعودة وفي تنفيذ مذكرات التفاهم المبرمة مع الحكومة السورية".

 


تحديات وصراعات إعادة الإعمار

 


بعد عاميّن على تقرير المعهد الأميركي، أعدّت صحيفة لوموند الفرنسية تقريراً حمل عنوان "إعادة إعمار سوريا بعد 10 سنوات من الحرب.. تحديات وصراعات هائلة من أجل النفوذ" ، فكتبت أود لاجونيا تقول:"يبدو أن إعادة الإعمار، وصلت إلى طريق مسدود، بسبب الحاجة إلى أموال هائلة، قدّرها مبعوث الأمم المتحدة الخاص لسوريا ستفان دي ميستورا العام 2018 بمبلغ 250 مليار دولار، أي أكثر من 4 أضعاف الناتج المحلي الإجمالي لسوريا قبل اندلاع الحرب، إلا أنها تقترب الآن حسب التقديرات الروسية والسورية من 400 مليار دولار".

كذلك، كشف تقرير حمل عنوان "ثمن باهظ جداً سيدُفع"، وأعدّته منظمة الرؤية العالمية، العاملة في مجال الإغاثة الإنسانية، وشركة فرونتير إيكونوميكس، فداحة الخسائر البشرية والاقتصادية للصراع السوري. وقدّر التقرير الكلفة الاقتصادية للصراع بنحو تريليون و200 مليار دولار، وهو ما يعادل ميزانية دول الاتحاد الأوروبي بأكمله لمدة عشر سنوات.

 

ماذا عن سوريا اليوم؟

 


ماذا عن سوريا اليوم؟ الرئيس السوري بشار الأسد دعا خلال لقائه قبل أيام مساعد الأمين العام للأمم المتحدة للشؤون الإنسانية ومنسّق الإغاثة في حالات الطوارئ مارتن غريفيث، إلى بذل جهود دولية للمساعدة في إعادة الإعمار في سوريا التي ضربها زلزال مدمّر، وأكد الأسد "أهمية أن تركز الجهود الدولية أيضاً على المساعدة في إعادة إعمار البنية التحتية في سوريا لأن ذلك يشكل ضرورة ملحة لاستقرار الشعب السوري وعودة اللاجئين السوريين إلى مدنهم ومناطقهم".

في المقابل، وتحت عنوان "الأسد في سوريا يستخدم دبلوماسية الكوارث للعودة إلى المسرح العالمي" قالت  النيويورك تايمز: "مأساة للسوريين هي نعمة للأسد لأنه لا أحد آخر يريد إدارة هذه الفوضى".

حتى الآن، لم تصدر تقديرات أولية حول كلفة إعادة إعمار سوريا المنكوبة بحرب أهلية والزلزال، قد يكون من المبكر تلقي معلومات في هذا الاطار، غير إنه من المؤكد ان الأرقام ستكون مخيفة في حجمها إنطلاقاً مما سبق من تقديرات حول خسائر الحرب الاهلية وحدها. من هنا ستبقى الأولوية حتى الآن هي كيفية النظر الى المآسي الإنسانية الفادحة والى تلك المشاهد المرعبة الآتية من المناطق التي ضربها زلزال سوريا. أما بعد، فإننا أمام ما وصفه برنامج الأغذية العالمي  بـ "كارثة فوق الكارثة".

 

من ملف: زلزال تركيا وسوريا: الكارثة!