من شرم الشيخ الى بالي: هل بدأ الاقتصاد العالمي يتنفس الصعداء؟

  • 2022-11-17
  • 17:09

من شرم الشيخ الى بالي: هل بدأ الاقتصاد العالمي يتنفس الصعداء؟

  • أحمد عياش
المسافة بين شرم الشيخ في مصر وبالي في أندونيسيا ما يقارب أكثر من 19 الف كيلومتر. إننا نتحدث عن مكانيّن هما على طرفيّ العالم، لكنهما في الوقت نفسه خلال تشرين الثاني/ نوفمبر الحالي بدا وكأنهما منطقتان متجاورتان من خلال القمتيّن العالميتيّن المتتاليتيّن COP27  و G20، وكان على زعماء العالم ان يقطعوا خلال أيام المسافة بين المنتجع البحري المصري وبين الجزيرة الاندونيسية لكي يقاربوا الازمات الدولية على إختلافها وفي مقدمها الحرب في أوكرانيا.

البداية من إختتام زعماء أغنى دول مجموعة العشرين في العالم في 16 تشرين الثاني/نوفمبر قمة استمرت يومين في جزيرة بالي الإندونيسية، وقد تبنى القادة إعلاناً "أدان بشدة الحرب في أوكرانيا وشدّد على أنها تسبب معاناة إنسانية هائلة وتفاقم الهشاشة القائمة في الاقتصاد العالمي - ما يقيّد النمو، ويزيد من التضخم، ويعطل سلاسل التوريد، ويزيد من انعدام الأمن في مجال الطاقة والغذاء، ويزيد من مخاطر الاستقرار المالي".

وسبق القمة، اجتماع ثنائي بين الرئيس الأميركي جو بايدن والزعيم الصيني شي جين بينغ، وهي المرة الأولى التي يلتقي فيها الاثنان منذ أن أصبح بايدن رئيساً.

وعلى الرغم من عدم وجود نتائج ملموسة تذكر، إلا أنه وفق رويترز، كان اجتماعاً إيجابياً بشكل عام بعد أن انخفضت العلاقات بين القوى العظمى إلى أدنى مستوياتها التاريخية في وقت سابق من العام.

وقال الجانبان إنه في حين أن الاجتماع الذي استمر ثلاث ساعات حدد خلافات كبيرة، خصوصاً بشأن تايوان والقيود التجارية ونقل التكنولوجيا، اتفق الجانبان على إبقاء الاتصالات مفتوحة وتجنّب المواجهة.

واتفقت اقتصادات مجموعة العشرين في إعلانها على تسريع وتيرة رفع أسعار الفائدة بعناية لتجنّب الآثار غير المباشرة وحذرت من "زيادة التقلبات" في تحركات العملة، وهو تغيير جذري عن تركيز العام الماضي على إصلاح ندوب جائحة "كوفيد-19".

ومع الحرب الأوكرانية، فضلاً عن رزمة الإنفاق الضخمة في عصر الوباء، التي ألقيّ باللوم عليها في تأجيج التضخم المستفحل، قالت دول مجموعة العشرين إن المزيد من إجراءات التحفيز المالي يجب أن تكون "مؤقتة ومستهدفة". وفي ما يتعلق بالديون، أعربوا عن قلقهم إزاء الحالة "المتدهورة" لبعض البلدان المتوسطة الدخل وشددوا على أهمية تقاسم جميع الدائنين للعبء.

ووعد القادة باتخاذ إجراءات منسقة لمواجهة تحديات الأمن الغذائي، وأشادوا بمبادرة حبوب البحر الأسود، لكن جماعات المجتمع المدني انتقدت ما وصفوه بعدم اتخاذ خطوات ملموسة بشأن الجوع. وقال فريدريك رودر من مجموعة Global Citizen: "إن مجموعة العشرين تكرر فقط الالتزامات القديمة من السنوات السابقة أو تلاحظ التطورات في أماكن أخرى، بدلاً من تولي القيادة بأنفسهم...خمسون مليون شخص على شفا المجاعة ونحن نتحدث. ليس هناك وقت لمجموعة العشرين لإصدار دعوات للعمل - فهم الذين يتعين عليهم التحرك".

وإمتداداً لقمة المناخ في شرم التي انطلقت الاسبوع السابق لقمة بالي، اتفق قادة مجموعة العشرين على مواصلة الجهود للحدّ من زيادة درجة الحرارة العالمية إلى 1.5 درجة مئوية - مؤكدين أنهم يقفون إلى جانب هدف درجة الحرارة من اتفاقية باريس لعام 2015 بشأن تغير المناخ.

وعلى هامش القمة، قالت الولايات المتحدة واليابان وشركاؤهما إنهم سيحشدون 20 مليار دولار من التمويل العام والخاص لمساعدة إندونيسيا على إغلاق محطات توليد الطاقة التي تعمل بالفحم وتقديم موعد ذروة الانبعاثات في القطاع قبل سبع سنوات حتى العام 2030.

وفي المقابل، وخلال يوم إختتام قمة العشرين، كانت الدول التي ما زالت مجتمعة في شرم الشيخ في قمة "كوب 27"، بعيدة كل البعد عن الاتفاق على ملامح اتفاق بشأن المناخ، وحثت الدولة المضيفة (مصر) المفاوضين على حل خلافاتهم قبل الموعد النهائي للقمة، وحصل المندوبون في COP 27 على دفعة من خطاب الرئيس البرازيلي المنتخب لويس إيناسيو لولا دا سيلفا، الذي تعهد بإعادة إشراك دولة الغابات المطيرة في الجهود الدولية لمكافحة تغير المناخ.

وقال مسؤول قريب من المحادثات إن الانقسامات لا تزال قائمة بشأن قضايا من بينها ما إذا كان ينبغي للدول الغنية إنشاء صندوق لتغطية الأضرار التي لا يمكن إصلاحها الناجمة عن تغير المناخ واللغة التي تتناول استخدام الوقود الأحفوري.

 وما إذا كان ينبغي أن يظل 1.5 درجة مئوية الحد المستهدف الصريح لارتفاع درجة حرارة الكوكب.

وقالت الهند، ثاني أكبر مشتر للفحم في العالم، خلال محادثات COP 27 إنها تريد أن توافق الدول على التخفيض التدريجي لجميع أنواع الوقود الأحفوري، بدلاً من الصفقة الأضيق نطاقاً لخفض الفحم تدريجياً والتي تمّ الاتفاق عليها في COP 26 العام الماضي.

ومن شأن هذا الاقتراح أن يفيد الهند، التي لديها احتياطات صغيرة نسبياً من النفط والغاز، من خلال الحدّ من التركيز على استخدامها للفحم، لكنه حصل أيضاً على دعم من الاتحاد الاوروبي الذي ينظر إلى الفكرة على أنها خطوة في الطموح.

لكنها نقطة مؤلمة لدول أفريقيا والشرق الأوسط الحريصة على تطوير مواردها من النفط والغاز الطبيعي. وقالت السعودية إنها تريد تجنّب التوصل إلى اتفاق من شأنه أن "يشوه" النفط والغاز.

ونشرت وكالة الأمم المتحدة للمناخ مسودة أولى يوم الخميس في 17 تشرين الثاني الجاري لاتفاق نهائي مأمول من قمة المناخ التي ستعقدها (COP 27) تكرر العديد من أهداف العام الماضي بينما تترك القضايا الخلافية التي لم تحل بعد.

كيف تبدو الخلاصة الاولية لهذيّن الحدثيّن العالمييّن؟ في قراءة قدمتها من اندونيسيا  كريستالينا جورجيفا المديرة العامة لصندوق النقد الدولي، قالت إن اجتماع الرئيس الاميركي جو بايدن مع الرئيس الصيني شي جين بينغ كان إشارة "بناءة للغاية" قد تخفف التوترات التجارية بين أكبر اقتصادين في العالم. فهما بعثا برسالة مهمة جداً للعالم مفادها أن التعاون الدولي مهم لنا جميعاً، وأشارت إلى أن صندوق النقد الدولي حذّر من أن النمو سيعاني إذا انقسم العالم إلى كتل جيوسياسية تقودها الولايات المتحدة وحلفاؤها الغربيون من جهة والصين وغيرها من الاقتصادات التي تقودها الدولة من جهة أخرى، مع تكنولوجيا منافسة ومعايير أخرى، وهذا من شأنه أن يخفض الناتج المحلي الإجمالي العالمي بمقدار 1.4 تريليون دولار إلى 3.5 تريليونات دولار، وفقاً لتقديرات الصندوق.

وقالت جورجيفا إنها سعيدة لرؤية لغة في الإعلان المشترك لقادة مجموعة العشرين تدعو البنوك المركزية إلى ضبط  وتيرة رفع أسعار الفائدة لتجنّب التداعيات على دول أخرى. ويرجع ذلك إلى ارتفاع التضخم في العديد من اقتصادات الأسواق الناشئة بسبب القوة الهائلة للدولار.

ورداً على سؤال عما إذا كانت ترى أدلة على تراجع التضخم في الولايات المتحدة بالنظر إلى البيانات الأخيرة التي تظهر انخفاض ضغوط الأسعار، قالت إن ذلك "ممكن" ، لكن هناك حاجة إلى المزيد من البيانات لتحديد الاتجاه.

أين قمة المناخ من "التفاؤل" الذي أبدته المديرة العامة لصندوق النقد الدولي حيال قمة الـ 20؟ قد تكون الاجابة ولو بصورة غير مباشرة، في ما قالته جورجيفا إن اجتماع الرئيسيّن الاميركي والصيني كان إشارة "بناءة للغاية"، وفيها "أن التعاون الدولي مهم لنا جميعاً".

هذا بالضبط ما بدا حتى الآن في قمة شرم الشيخ وما انتهت اليه قمة بالي. فهل بات العالم امام فرصة ليتنفّس الصعداء بعد ضيق الاعوام الاخيرة؟