هل يتجه العالم العربي إلى أزمة غذاء؟

  • 2022-03-28
  • 18:35

هل يتجه العالم العربي إلى أزمة غذاء؟

  • وليد صافي

لم تقتصر التوترات الجيوسياسية للحرب الدائرة في أوكرانيا والعقوبات التي فرضت على روسيا بارتفاع أسعار النفط والغاز والذهب والنحاس والبلاتينيوم، وغيرها من المعادن التي تدخل في الصناعات المهمة، بل تسبّبت هذه التوترات والاضطرابات في سلاسل التوريد بارتفاع أسعار المواد الغذائية، ولاسيما القمح الذي سجل أعلى مستويات قياسية منذ العام 2008، (الرسم البياني الرقم 1) الأمر الذي يطرح تحديات كبيرة على البلدان الفقيرة في مواجهة ارتفاع كلفة السلة الغذائية، والبلدان التي تستورد القمح الروسي والاوكراني.

احتلّت روسيا في العام 2020-2021 المرتبة الأولى في تصدير القمح عالمياً، وأوكرانيا المرتبة الخامسة، إذ صدّر البلدان نحو 55 مليون طن من إجمالي صادرات أول عشر دول مصدرة للقمح والذي بلغ 167 مليون طن (الرسم البياني الرقم  2). التطورات الميدانية في أوكرانيا تؤكد سيطرة القوات الروسية على عدد غير قليل من المناطق الزراعية واحتراق الكثير من الحقول الأوكرانية التي كانت تؤمّن السلّة الغذائية لنحو 500 مليون شخص من بلدان متعددة، الأمر الذي سيؤدّي بالتأكيد إلى توقّف صادرات القمح والشعير والحبوب الاخرى والزيوت، ويجعل البلدان المستوردة تحت رحمة إيجاد البدائل والكلفة العالية الناجمة عن ارتفاع الأسعار وكلفة النقل، كما إن العقوبات الغربيّة التي فُرضت على روسيا ستؤثر بشكل كبير في قدرتها على تصدير انتاجها من القمح، وفي اضعاف مرونة المصارف بتسوية الصفقات حتى مع المصارف الروسية التي لم تفرض عليها عقوبات.

من جهته، حذّر برنامج الاغذية العالمي وذلك في ضوء حاجات الشعب الأوكراني وتحديات ارتفاع الاسعار والتضخّم وانعكاساتها على الفقراء من أن عواقب الحرب تتجاوز أوكرانيا، وأن أزمة الجوع تندفع إلى مستويات غير مسبوقة.

تظهر المؤشرات التي أصدرتها منظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة قبل غزو أوكرانيا، أن أسعار الغذاء ارتفعت في شهر كانون الثاني/يناير الماضي إلى أعلى مستوى لها منذ 2011. كما تُظهر بيانات صندوق النقد الدولي، أن متوسط تضخم أسعار المواد الغذائية في جميع أنحاء العالم بلغ 6.85 في المئة على أساس سنوي في كانون الأول/ديسمبر، وهو أعلى مستوى منذ بدء سلسلتها في 2014.

ونقل موقع "الحرة" في 4 شباط/فبراير الماضي، أن أحد الخبراء السابقين في صندوق النقد الدولي موريس أوبستفيلد، أكّد لصحيفة "نيويورك تايمز"، بأن ارتفاع أسعار الغذاء، من شأنه أن يجهد الدخل في البلدان الفقيرة، ولاسيّما في بعض أجزاء أميركا اللاتينية وأفريقيا، حيث ينفقون ما يصل إلى 50 أو 60 في المئة من دخلهم على الطعام، كما أكد، بأن العالم يقترب من أزمة غذاء عالمية، مشيراً إلى أن تباطؤ النمو والبطالة المرتفعة والميزانيات المرهقة من الحكومات التي أنفقت بكثافة لمكافحة الوباء تسبّبت في غضب شديد. وأضاف: "هناك أسباب كثيرة للقلق بشأن الاضطرابات الاجتماعية على نطاق واسع".

وذكرت "الحرة" ايضاً أن كريستيان بوغمانز أحد خبراء صندوق النقد، أكّد أن احتمالية الصراع في أوكرانيا وسوء الأحوال الجوية، يزيدان من تهديدات عدم استقرار أسعار المواد الغذائية في العالم، وتؤكد تقارير عدة أن الاضطرابات في عدد من الدول الأفريقية وتعطّل طرق النقل زادا من حدة ارتفاع اسعار المواد الغذائية. ويقدّر جوزيف سيغل، مدير الأبحاث في مركز أفريقيا للدراسات الإستراتيجية بجامعة الدفاع الوطني، أن 106 ملايين شخص في القارة يواجهون انعدام الأمن الغذائي، وهو ضعف العدد منذ العام 2018. وقال "أفريقيا تواجه مستويات قياسية من انعدام الأمن".

تحديات البلدان العربية في مواجهة ازمة الغذاء

أظهر التقرير الاقتصادي العربي الموحد الذي صدر في العام 2021، المؤشرات الغذائية المقلقة في العالم العربي، إذ بلغت الفجوة الغذائية في 2020 نحو 33.6 مليار دولار، ويبلغ نمو هذه الفجوة سنوياً نحو 1.7 في المئة. كما أظهر انخفاض نسبة الاكتفاء الذاتي من الحبوب الى 37 في المئة، وارتفاع قيمة العجز في الميزان التجاري الزراعي للدول العربية، الذي بلغ نحو 62 مليار دولار في 2019، أي بمعدل سنوي بلغ ما نسبته 3 في المئة. وبالتأكيد، سترتفع الفجوة الغذائية في العام 2022 إلى مستويات غير مسبوقة، ومن المتوقع أن يرتفع عدد الفقراء في العالم العربي في السنوات العشر لمقبلة نحو 100 مليون فقير.

من جهة أخرى، أظهر برنامج الغذاء العالمي قبل الحرب في أوكرانيا، حاجة لبنان لمساعدة 800 ألف لبناني، وذلك في ضوء ما أعلنته الأمم المتحدة، أن 74 في المئة من سكان لبنان يعانون الفقر في 2021، بناءً على دراسة أعدتها لجنة الأمم المتحدة الاقتصادية والاجتماعية لغربي آسيا "إسكوا". ويُقدّر البنك الدولي أن لبنان يحتاج في أحسن الأحوال نحو 12 عاماً ليعود إلى مستويات الناتج المحلي المسجلة في 2017، وفي أسوأ الأحوال إلى 19 عاماً. وسيواجه لبنان بالتأكيد بعد تعطل صادرات الحبوب من اوكرانيا، البحث عن بدائل للقمح والزيوت والحبوب التي يستوردها من أوكرانيا، إذ يستورد نحو 60 في المئة من احتياجاته من القمح الاوكراني. المشكلة لا تتوقف عند البدائل فقط،  بل سيواجه لبنان عبء التكلفة العالية لأسعار القمح والحبوب، بالإضافة الى كلفة النقل العالية المتأتيّة من الاستيراد من البلدان البعيدة مثل كندا، الولايات المتحدة الاميركية والهند. لذلك، يتعيّن على حكومة لبنان في ظل الأزمة المالية والنقدية التي يمر بها، أن تتفاوض مع صندوق النقد الدولي للحصول على قرض عاجل لتلبية احتياجاته من القمح والحبوب، والاستفادة من برنامج الغذاء العالمي لتقديم المساعدة الى 70 في المئة من المواطنين الذين يعانون من تدني القدرة الشرائية لليرة اللبنانية بنسبة 90 في المئة وارتفاع التضخم الى مستويات غير مسبوقة.

ماذا عن ارتفاع أسعار الطاقة؟

لا شكّ في أن ارتفاع أسعار الطاقة الذي سيؤدّي حكماً إلى ارتفاع كلفة النقل ولاسيّما على الواردات من البلدان البعيدة عن الشرق الاوسط، سيرفع من نسبة العجز التجاري الزراعي، ويطرح تحديات غير مسبوقة على المالية العامة للدول العربية التي تستورد القمح من روسيا واوكرانيا. والجدير بالذكر أن مصر وتونس ولبنان وسوريا التي تعتمد بشكل كبير على واردات القمح الاوكراني والروسي ستتحمل ضغوطاً كبيرة على ماليتها العامة، ولا تستطيع مواجهة هذه الضغوط من دون مساعدة المؤسسات المالية الدولية. وعلى سبيل المثال، ستبلغ كلفة فاتورة ارتفاع أسعار القمح في مصر نحو 12 مليار جنيه مصري، إذ تحتاج مصر سنوياً لإطعام 70 مليون مواطن نحو 12.1 مليون طن، بينما تحتاج الجزائر وهي من كبار المستوردين نحو 7.7 ملايين طن. لذلك، لجأت مصر الى صندوق النقد الدولي لتأمين قرض يمكّنها من تأمين القمح، وقبل التوجّه إلى صندوق النقد قامت بتخفيض قيمة عملتها، الأمر الذي يعزّز ثقة الصندوق بالاجراءات التي تتخذها الحكومة المصرية لتعزيز تنافسية الاقتصاد المصري وإصلاح المالية العامة.

التحديات هائلة على البلدان الفقيرة، وكذلك البلدان النامية التي تعاني في الأساس من فجوة تمويلية سنوية تقدّر بنحو 2.5 تريليون دولار للوفاء بأجندة التنمية ومن تراجع في أداء اقتصاداتها بسبب جائحة كورونا وعدم القدرة على استعادة النمو والأداء الذي كان سائداً قبل الجائحة. ولا شكّ في أن ارتفاع اسعار النفط والغاز، سيشكل فرصة كبيرة للبلدان العربية المنتجة للنفط والغاز، حيث سترتفع مداخيلها، الأمر الذي سيوفّر لها تعزيز الرساميل المالية، ويحسّن مؤشرات المالية العامة لديها، كما يرفع من الناتج المحلي الإجمالي. التوترات الجيوسياسية القائمة على خلفية الحرب في أوكرانيا وارتفاع اسعار النفط والغاز واحتمال فرض عقوبات على قطاع الطاقة الروسي، تؤدي تلقائياً لرفع مكانة هذه البلدان التي تشكل نسبة 55.7 في المئة من الاحتياط العالمي للنفط، و26.5 في المئة من الاحتياط العالمي للغاز. وتنتج المنطقة العربية، 21.9 مليون برميل نفط يومياً، أي ما نسبته 26.9 في المئة من الانتاج العالمي وتنتج ايضاً نسبة 15.1 في المئة من إنتاج الغاز في العالم، وقد بلغت عوائد الصادرات النفطية في العام 2020 نحو 252.8 مليار دولار.

لكن احتمال وصول سعر برميل النفط إلى 300 دولار اذا ما فرض الحظر على قطاع الطاقة الروسي، سيؤدّي إلى تراجع الطلب كما حصل في بداية العام 2009 وربما يدخل الاقتصاد العالمي في حالة ركود، الأمر الذي سيؤدي الى تراجع كبير بأسعار النفط ويؤكد مرة جديدة على عدم استدامة المداخيل العالية من قطاع الطاقة. أما البلدان غير المنتجة للنفط والغاز، هي بالتأكيد ستواجه ارتفاعاً كبيراً بأرصدة ديونها الخارجية ونسبتها الى الصادرات والناتج المحلي وذلك في ضوء ارتفاع اسعار الفائدة عالمياً، كما إنها ستواجه ارتفاع اسعار السلة الغذائية والضغوط الكبيرة على موازنتها التي ستشهد عجزاً كما ستشهد تراجع مؤشرات المالية العامة وارتفاع نسبة التضخم والبطالة ومزيداً من العجز في موازين المدفوعات. لذلك، فإن عدم قدرة هذه الدول على تأمين قروض من صندوق النقد الدولي لمواجهة هذه الاعباء والحصول على مساعدات من برنامج الاغذية العالمية، سيؤدّي حكماً الى اضطرابات اجتماعية كبيرة، من شأنها أن تهدّد استقرار هذه الدول، وتعيد الى الذاكرة المشهد الذي حصل في اكثر من 40 دولة العام 2007- 2008 رداً على ارتفاع اسعار الغذاء، بسبب الجفاء الذي تعرّضت له عدد من الدول المنتجة للحبوب.

في النهاية، يجب على العالم العربي أن يبادر إلى اعتماد سياسة الحلول المستدامة التي تقضي اعداد خطة من الجامعة العربية، لتقليص الفجوة الغذائية في العالم العربي على مدى السنوات العشر، والاستثمار في القطاعات الزراعية والاستفادة من التقدم التكنولوجي في هذا المجال، ويمكن أن يشكل السودان العمود الفقري لسياسة الاستدامة بهدف تأمين السلة الغذائية للعالم العربي.