هل يعاني لبنان من أزمة قمح وزيت في ظل الحرب الروسية الأوكرانية؟

  • 2022-03-18
  • 09:55

هل يعاني لبنان من أزمة قمح وزيت في ظل الحرب الروسية الأوكرانية؟

  • كريستي قهوجي

"بكل عرس لبنان إلو قرص" مثل شعبي ينطبق على واقع بلاد الأرز في أيامنا هذه خصوصاً بعد وقوع الحرب الروسية الأوكرانية مؤخراً وتأثيرها على مختلف القطاعات الاقتصادية والإنتاجية والمالية في مختلف بلدان العالم.

وما كان ينقص لبنان الذي يرزح في الأساس تحت وطأة أزمة اقتصادية خانقة لم يعرفها في تاريخه منذ نحو سنتين إلا "القرصة" التي لدغته بها هذه الحرب من خلال توقفه عن استيراد الزيوت والقمح من أوكرانيا وروسيا، وبحثه عن مصادر بديلة يؤمّن من خلالها قوت شعبه اليومي في ظل ارتفاع الأسعار العالمية وتخبط أسعار النفط.

طبول الحرب العالمية الاقتصادية بدأت واللبنانيون تأهّبوا للدفاع عن لقمة عيشهم في ظل دولة شبه منهارة وبلد يرزح تحت عتمة ليل طويل.

 
هاني بحصلي: يجري البحث عن بدائل لتأمين الزيوت إلى السوق اللبنانية

أزمة في زيوت دوار الشمس

يعاني لبنان في الوقت الحالي من أزمة توقف استيراد زيوت دوار الشمس من أوكرانيا وروسيا نتيجةً للحرب الواقعة بينهما. وفي المقابل، فإن البلدين البديلين اللذين ينتجان هذا النوع من الزيوت، هما تركيا ومصر، أوقفتا تصديرهما وهما في الأساس تستوردان هذه الزيوت من أوكرانيا وروسيا. وفي هذا السياق، يشير رئيس نقابة مستوردي المواد الغذائية في لبنان هاني بحصلي في حديث إلى "أولاً – الاقتصاد والأعمال" إلى أنه يجري العمل في الوقت الحالي على إيجاد بدائل لزيوت دوار الشمس من خلال أنواع أخرى مصنوعة من الصويا والذرة، لافتاً النظر إلى أن هذه المشكلة ليست بالمستحيلة إذ توجد بدائل متوافرة ولكنها بعيدة ومكلفة جداً.

لا أرقام رسمية

ويضيف بحصلي أنه لا يمكنه تحديد ما إذا كانت الكميات الموجودة في لبنان حالياً تكفي حاجة السوق المحلية بسبب غياب الأرقام الجمركية الخاصة بالاستيراد منذ سنة ونصف السنة خصوصاً وأنها كانت تشكّل مرجعية لبناء دراسات السوق من خلالها، مشيراً إلى أن السوق اللبنانية سوق حرّة ولا يمكن معرفة عدد الكميات الموجودة عند الشركات المتنافسة فيها، لافتاً الانتباه إلى أن نقابة مستوردي المواد الغذائية طالبت عبر مراجع عدة إدارة الجمارك اللبنانية بنشر الأرقام والبيانات الجمركية حول البضائع المستوردة عبر موقعها الإلكتروني، ويعتبر أنه بحسب العرف المتّبع فإن التقديرات تشير إلى أن الكميات الموجودة من البضائع بشكل عام يجب أن تكفي السوق لمدة شهر ونصف الشهر أو شهرين، مشيراً إلى أنه لا يريد أن يضع تقديرات على أرقام غير موجودة أمامه، لافتاً النظر إلى أنه يقدّر ذلك بناءً على معرفته بالسوق وليس بناءً على الأرقام الرسمية الصادرة عن الجمارك اللبنانية.

التحديات

من جهة أخرى، يشكل عدم إيجاد بدائل للزيوت بأسعار مقبولة، بحسب بحصلي، تحدّياً كبيراً أمام الموردين والشركات المستوردة خصوصاً وأن أسعار الزيوت قد ارتفعت في الأسواق العالمية أكثر من أسواق النفط بسبب الحرب الروسية ضد أوكرانيا، وبالتالي فقد ارتفعت هذه الأسعار في البلدان المنتجة لها.

خسارة كبيرة في الأسواق والإمدادات

وحول الخسائر التي مُني التجار والسوق اللبنانية بها نتيجة النقص في إمدادات الزيت، يوضح بحصلي أن الشركات المستوردة ونقابتها لا تجمع أرقام الخسائر بل هي تقع على عاتق الشركات التي تقوم بدراسات حول هذا الموضوع، مشيراً إلى أنه بالمبدأ هناك خسارة في الأسواق والإمدادات بشكل كبير قبل حلول شهر رمضان المبارك من دون تحديد قيمة هذه الخسارة بسبب غياب الأرقام، لافتاً النظر إلى أن الوضع في لبنان والعالم هو وضع حرب عالمية اقتصادية.

 
أحمد حطيط: كميات القمح في لبنان تكفي لشهر ونصف الشهر

وعلى خط متوازٍ، أدى اندلاع الحرب بين روسيا وأوكرانيا إلى تكبيد لبنان نقصاً في إمدادات القمح التي كان يستوردها منهما. وفي هذا الصدد، يقول رئيس تجمع المطاحن في لبنان أحمد حطيط في حديث إلى "أولاً – الاقتصاد والأعمال" إن لبنان لم يستطع منذ الأسبوع الأول للحرب الاستفادة من استيراد القمح من البلدان الواقعة على البحر الأسود أي رومانيا وبلغاريا وصربيا بسبب الآلية التي يعتمدها مصرف لبنان وفرق سعر صرف الدولار أمام الليرة، مؤكداً أنه لم يتم شراء القمح من أماكن بديلة حتى الآن بانتظار أن يحل مصرف لبنان موضوع الآلية المعتمدة.

"مصرف لبنان"

ويكشف حطيط أنه جرى خلال اليومين الأخيرين اجتماع مع رئيس الحكومة وحاكم مصرف لبنان تم خلاله الاتفاق على تعديل الآلية المتبعة من قبل "المركزي" وتسريع عملها، مشيراً إلى أنه بدأ العمل على شراء كميات جديدة من القمح من ضمن الآلية الجديدة، لافتاً النظر إلى أن هذه الأزمة أدت ببلدان العالم أجمع إلى شراء وتخزين مادة القمح بشكل كبير في ظل عدم اليقين حول مصير الحرب الروسية الأوكرانية.

تحويل الأموال

ويضيف أن مخزون القمح الموجود في المطاحن اللبنانية يكفي لمدة شهر ونصف الشهر، موضحاً ان هذا المخزون يعتبر من ضمن كميات القمح الموجودة في السفن الراسية قبالة البحر، لافتاً النظر إلى أنه تم تحويل الاعتمادات المالية لها ويجري العمل على تحويل الأموال إلى 3 سفن متبقية من قبل "مصرف لبنان".

لبنان ليس أولوية

شكّل الأسبوعان الاوليان لبداية الحرب الروسية الأوكرانية تحديات أمام تأمين إمدادات القمح إلى لبنان في ظل شراء بلدان العالم لكميات كبيرة من هذه المادة الحيوية وتخزينها. وبحسب حطيط، فإن لبنان لا يعتبر أولوية لأن كمياته المستوردة صغيرة وأن الارتفاع الكبير في أسعار القمح عالمياً نتيجة ارتفاع أسعار النفط والهجوم الكبير على شراء القمح من كل البلدان أثر على كلفة الإنتاج المحلي في لبنان وارتفاع في أسعار الخبز.

لبنان لم يستفد من الأسبوع الأول للحرب

وحول الخسائر التي مني بها قطاع المطاحن نتيجة هذه الحرب، يعتبر حطيط أن لبنان لم يستطع الاستفادة من الأسبوع الأول للحرب لاستيراد القمح في ظل الارتفاع التدريجي لأسعاره العالمية والتي بدأت عند 40 إلى 50 دولاراً لطن القمح ووصلت إلى 200 دولار في الوقت الحالي، مشيراً إلى أنه لم تمت الاستفادة من الأسبوع الأول لكان لبنان وفّر على المواطن اللبناني في أسعار الطحين والخبز والمنتجات المتعلقة بها.

ما هي الحلول المقترحة لتأمين الزيت والقمح؟

يكشف بحصلي أنه يتم التواصل مع كل الموردين لتأمين بدائل للزيوت، مشيراً إلى أن القطاع الخاص بدأ العمل منذ اليوم الأول للحرب لمحاولة تأمين البدائل في ظل الأزمة المستجدة والمتمثلة في ارتفاع أسعار الزيوت عالمياً بشكل مضاعف والتي تشكل تحدياً كبيراً، متسائلاً هل سيستطيع التجار والشركات المستوردة شراء هذه المنتجات ودفع ثمنها وبيعها في السوق اللبنانية والمحافظة على رساميلها؟ ويضيف أنه يمكن للدولة اللبنانية أن تستورد البضائع وأن تتحمل خسارتها ولكن القطاع الخاص لا يمكنه ذلك. ويطمئن بحصلي اللبنانيين أن البدائل موجودة والبضائع وصلت على الرغم من الأزمة المستجدة، مشيراً إلى أنه من الممكن أن يحصل نقص في التوريد وفي ارتفاع الأسعار نتيجة ارتفاع أسعار الزيوت عالمياً.

من جهته، يلفت حطيط النظر إلى أن لبنان بدأ يستورد القمح من فرنسا وألمانيا إذ إنهما بلدان قريبان جغرافياً وكلفة النقل منخفضة نوعاً ما، مشيراً إلى أن أميركا والأرجنتين دولتان بعيدتان وتستغرق عملية نقل القمح منهما إلى لبنان نحو الشهرين مما سيؤدي إلى أزمة حقيقية في المجتمع اللبناني. ويوضح أن الحلول التي يجري العمل عليها تسير على 3 خطوط، فالخط الاول يكمن في وزارة الاقتصاد والتجارة اللبنانية من خلال المناقصة التي ستقوم بها لاستيراد 50 ألف طن من القمح ومن خلال اتصالات وزير الاقتصاد أمين سلام مع السفيرين الأميركي والهندي لتأمين مساعدات من القمح من بلديهما، والخط الثاني يكمن في اتصالات تجري مع البنك الدولي لتأمين القمح إلى لبنان لمدة 6 أشهر بقيمة 100 مليون دولار، والخط الثالث يكمن في تعديل آلية مصرف لبنان وتسريع عملها وتحويل الأموال إلى البواخر لتفريغ حمولتها من القمح. ويطمئن حطيط المواطنين اللبنانيين بأنه لم يعد هناك داع للخوف من وجود أزمة بعد تعديل آلية مصرف لبنان وشراء القمح بالسرعة المطلوبة.