أسعار النفط: لا تسأل كم ستصعد إذا وقعت الحرب في أوكرانيا!

  • 2022-02-04
  • 09:58

أسعار النفط: لا تسأل كم ستصعد إذا وقعت الحرب في أوكرانيا!

  • أحمد عياش

أخذت التوترات حول أوكرانيا طريقها إلى الصدارة، ووصلت تردداتها إلى كل أنحاء العالم عبر أسواق الطاقة. وفي قلب هذه الترددات يقع الشرق الأوسط من خلال المملكة العربية السعودية التي تمثل أكبر مصدر للنفط في العالم ضمن منظمة "أوبك"، ومن خلال دولة قطر على مستوى تصدير الغاز المسال.

المشهد الأكثر دقّة لما يحيط بالأزمة الأوكرانية التي تقف على حافّة السقوط في هاوية حرب عالمية، هو في القارة الأوروبية. فلا يكفي أن هذه القارة التي تزال ترتجف من برد شتاء قارس ما زلنا في منتصفه، فهي أيضاً مهدّدة أيضاً بخطر الصقيع الذي سينجم عن انقطاع إمدادات الطاقة من روسيا المزوّد الرئيسي للقارة ولاسيما الغاز.

في المقابل، تسعى الولايات المتحدة الأميركية لمواجهة التحدّي الروسي بقطع إمدادات الطاقة عن القارة الأوروبية بتوفير البدائل، ولو من أقصى الكرة الأرضية كأستراليا مثلاً.

إلى أين يتّجه العالم من هذه الأزمة؟ وفي موازاة ذلك، كم سيبلغ سعر برميل النفط الذي بعث بإشارات عاجلة أنه على مقربة من تجاوز عتبة الـ100 دولار للبرميل؟

لتكن البداية بإطلالة سريعة على ما يدور خلف كواليس السياسة بين واشنطن وموسكو.

هل ستنجح استراتيجية بايدن مع بوتين، أم ستدفع موسكو إلى الحرب؟ هذا السؤال طرحه ديفيد سانجر في تحليل نشرته "النيويورك تايمز". ويقول:"إن هدف إدارة بايدن هو قطع الطريق على الروس، عند كل منعطف من خلال فضح خططهم. لكن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين يقول إن هذا النهج يمكن أن يشعل فتيل صراع".

وقد اعترضت القيادة الأوكرانية على الوصف الأميركي بأن الغزو "وشيك" - أو حتى مرجّح. واشتكى الرئيس فولوديمير زيلينسكي من أنها "تجعل الأمر حادّاً وملتهباً قدر الإمكان"، وهي النقطة التي أوضحها بشكل أكثر وضوحاً للرئيس بايدن في مكالمة هاتفية الأسبوع الماضي.

ويقول بعض خبراء روسيا داخل الإدارة الاميركية وخارجها، إنه في الوقت الذي يسعى فيه الرئيس بوتين إلى احترام روسيا كقوة عظمى والاهتمام الحقيقي باحتياجاته الأمنية - الشكاوى التي تجاهلها الغرب إلى حد كبير - فمن غير المرجّح أن ترضيه المفاوضات المطوّلة في شأن المعاهدات الجديدة لتحديد الأسلحة أو الحدود المتبادلة لتحركات القوات والتدريبات، وسيرغب الآن في الحصول على تنازلات ملموسة، في هذا الرأي، قبل أن يتمكّن من الانسحاب من الحدود.

ويقول العديد من المسؤولين في الإدارة الأميركية إنهم يعتقدون أن الرئيس بوتين قد لا يرغب في غزو أوكرانيا في الوقت الذي تبدأ فيه دورة الألعاب الأولمبية الشتوية في بكين. فبوتين الذي سيخرج من عزلة طويلة مرتبطة بـ"كوفيد" للانضمام إلى الاحتفال ببدء هذه الدورة قريباً، وسيغتنم هذه اللحظة للاجتماع مع نظيره الصيني، الذي شكّل معه نوعاً من تحالف المصلحة. وتنتهي الألعاب الأولمبية في 20 شباط/فبراير تقريباً.

ومن السياسة إلى الاقتصاد، وبحسب "رويترز"، فقد أدّى التوتر العالمي في شأن الغزو الروسي المحتمل لأوكرانيا، وعدد كبير من صدمات الإمدادات إلى زيادة السوق ومواصلة دفع النفط إلى الأعلى، ما أدى إلى تفاقم التضخم وتهديد الانتعاش الاقتصادي في العالم. ولفتت إلى ان مخزونات النفط في بعض أكبر الاقتصادات في العالم انخفضت إلى أدنى مستوياتها منذ ما يقرب من عقد من الزمان، وقد تدفع حملة إعادة تعبئتها النفط نحو 100 دولار للبرميل.

وكانت أوروبا، ولا سيما بلدان آسيا والمحيط الهادئ، وعلى رأسها اليابان وكوريا الجنوبية، أكثر البلدان نضوباً من الكتلة المزدهرة من البلدان.

وفي الوقت نفسه، فإن تخزين النفط العالمي في جميع أنحاء العالم في طريقه إلى الارتفاع بشكل طفيف بدءاً من كانون الثاني/يناير الماضي. ويتوقع "مورغان ستانلي" أن تنخفض المخزونات أكثر في العام 2022، فيما يرى "غولدمان ساكس" أن التخزين في البلدان النامية، وصل إلى أدنى مستوياته منذ مطلع القرن. وقال "باركليز" إنه حتى لو ارتفع التخزين قليلاً عن أدنى مستوياته الحالية منذ سنوات عدة، فإن هذا الطلب سيضمن دفعاً لأسعار النفط.

كيف تبدو الصورة على مستوى النفط من منظور من "أوبك" وحلفائها؟ بحسب ستانلي ريد في "النيويورك تايمز"، فإن من شأن ارتفاع الأسعار والطلب القوي أن يشيرا إلى أن الوقت قد حان لتحقيق زيادة كبيرة في عرض النفط. لكن عدم اليقين حول أوكرانيا يترك منتجي النفط في موقف حرج. وقد ارتفعت أسعار النفط بعد اجتماع المنظمة الاخير هذا الاسبوع، واستقرت بالقرب من 90 دولاراً للبرميل لخام "برنت"، وهو المعيار الدولي. وقد ارتفعت الأسعار بنحو 14 في المئة هذا العام وحده، ما كان له مساهمة في تغذية التضخم المستعرة ناره اصلاً ولا سيما في أميركا وأوروبا من جرّاء تبعات اختلال سلاسل الإمداد والإنفاق السخي الذي نفّذته الحكومات خلال ازمة تفشي فيروس كورونا.

وحذّر المحلّلون في "غولدمان ساكس" في مذكرة بعد إجتماع أوبك" من أن "الجمع بين التوترات الجيوسياسية المتصاعدة (أوكرانيا وإيران) والأسعار التي تقترب من مستويات حساسة سياسياً، من المرجح أن يزيد من التقلبات. وعادةً ما تؤدي هذه الظروف إلى توقعات بأن تسعى "أوبك بلس" إلى زيادة كبيرة في الإنتاج، إلا أن وزراء النفط قرروا الالتزام بخطة مقررة في تموز/يوليو لزيادة الانتاج الشهر المقبل بمقدار 400 الف برميل يومياً.

إلا ان "اوبك بلس" لم تحقق اهدافها بإستمرار في الاشهر الاخيرة، لذلك يقول المحلّلون إن النتيجة ستكون على الأرجح إضافة نحو 250 الف برميل يومياً او نحو ربع في المئة من الطلب العالمي.

وفي هذه المرحلة، يبدو أن المملكة العربية السعودية، التي لا تزال صانعة القرار الرئيسية في "أوبك بلس"، لا ترى أي سبب للابتعاد عن هذه الخطة الحذرة.

لماذا أسعار النفط مرتفعة جداً، وهل ستبقى على هذا النحو؟ يسأل كليفورد كراوس في "النيويورك تايمز"، ويجيب أن الكثير من محللي الطاقة يتوقعون أن النفط قد يصل قريباً إلى 100 دولار للبرميل، حتى مع تزايد شعبية السيارات الكهربائية واستمرار وباء الفيروس التاجي. فـ"إكسون موبيل" وغيرها من شركات النفط التي كانت قبل عام واحد فقط، تعتبر من الديناصورات المهددة بالانقراض من قبل بعض المحللين في "وول ستريت"، باتت مزدهرة، وهي تجني أكبر أرباحها منذ سنوات.

وتقوم شركات النفط الغربية، التي تتعرض جزئياً لضغوط من المستثمرين والناشطين البيئيين، بحفر آبار أقل ما كانت عليه قبل الوباء للحدّ من الزيادة في العرض. ويقول المديرون التنفيذيون في الصناعة إنهم يحاولون عدم ارتكاب الخطأ نفسه الذي ارتكبوه في الماضي عندما ضخوا الكثير من النفط عندما كانت الأسعار مرتفعة، ما أدى إلى انهيارها لاحقاً.

وفي أماكن أخرى، في بلدان مثل الإكوادور وكازاخستان وليبيا، أدت الكوارث الطبيعية والاضطرابات السياسية إلى الحدّ من الانتاج في الأشهر الأخيرة.

وتنتج روسيا 10 ملايين برميل من النفط يومياً، أو ما يقرب من برميل واحد من كل 10 براميل تستخدم في جميع أنحاء العالم في أي يوم من الأيام. لكن أي انقطاع للشحنات الروسية التي تمر عبر أوكرانيا، أو تخريب خطوط أنابيب أخرى في شمال أوروبا، من شأنه أن يشلّ جزءاً كبيراً من القارة ويشوّه سلسلة إمدادات الطاقة العالمية، وذلك لأن بقية العالم، كما يقول التجار، لا يملك القدرة الاحتياطية على استبدال الغاز الروسي.

ويمكن للولايات المتحدة واليابان والدول الاوروبية وحتى الصين أن تطلق المزيد من النفط الخام من احتياطاتها الاستراتيجية. ويمكن لمثل هذه التحركات أن تساعد، وخصوصاً  إذا كانت الأزمة قصيرة الأجل، ولكن الاحتياطات لن تكون كافية تقريباً إذا توقفت إمدادات النفط الروسية لأشهر أو سنوات عدة.

ماذا عن الغاز؟ قال مسؤولون أميركيون لشبكة "سي أن أن" إن الإدارة الأميركية تجري محادثات مع شركات الطاقة والدول الكبرى المنتجة للغاز على مستوى العالم حول إمكانية توفير إمدادات كبيرة من الغاز الطبيعي إلى أوروبا في حال توقف الشحنات الروسية إذا غزت روسيا أوكرانيا. فروسيا تزوّد أكثر من ثلث الغاز الطبيعي الذي تستهلكه أوروبا. وقد سعت  إدارة الرئيس بايدن إلى طمأنة أوروبا في شأن إمداداتها من الغاز الطبيعي. وذكرت مصادر شبكة "سي أن أن"، أن  النرويج وقطر، وهما منتجان ومصدران رئيسيان للغاز، هما من بين الدول التي تجري الولايات المتحدة معها مناقشات حول زيادة العرض للعملاء الأوروبيين. في المقابل، قالت مصادر صناعية لـ"رويترز" إن شركات الطاقة الدولية التي اتصلت بها الولايات المتحدة أبلغت المسؤولين أنه لا فائض كبيراً في إمدادات الغاز الطبيعي على مستوى العالم، ولا يوجد الكثير من الغاز المتاح ليحلّ محل كمية الإمدادات الكبيرة لروسيا، كما إن شحنات الغاز المسال تتطلب وجود مصانع كافية (LNG Terminals) لاستقبالها في البلدان الاوروبية المعنية.  

وفي سياق متصل، قالت أستراليا، وهي واحدة من أكبر مصدري الغاز الطبيعي المسال في العالم، إنها مستعدة لشحن شحنات الغاز الطبيعي المسال إلى أوروبا "لدعم أصدقائها وحلفائها".

وصرّح وزير الطاقة القطري سعد بن شريدة الكعبي، بأن الدوحة لا يمكنها وحدها تلبية احتياجات أوروبا من الغاز، وإنما يتطلب ذلك جهداً جماعياً من جميع الأطراف، جاء ذلك خلال لقاء عبر تقنية التواصل المرئي مع مفوضة الطاقة الأوروبية، كادري سيمسون، في أول شباط/فبراير الحالي، لبحث التعاون الثنائي في قطاع الطاقة.

ويرى بيل فارين برايس المدير في شركة الأبحاث "إنفيروس" أن "قطر لا تملك عصاً سحرية لحل النقص في الغاز الأوروبي، فهي لا تملك أي طاقة فائضة لتوريد غاز مسال طبيعي إضافي. إنها ليست مثل السعودية التي تحتفظ بقدرة فائضة من النفط".

في خلاصة هذا العرض، هل من داعٍ للسؤال عن مستوى أسعار الطاقة، ولاسيما النفط، وكم ستبلغه في ظل هذه الفوضى العارمة من التوقعات العسكرية والاقتصادية؟ لعله من الأفضل أن تكون المقاربة على النحو الآتي: لا تسأل كم ستصعد أسعار الطاقة ولاسيما النفط، خصوصاً إذا ما وقعت الحرب في أوكرانيا.