التكنولوجيا تواجه الاحتباس الحراري بالذكاء الاصطناعي

  • 2021-12-22
  • 13:43

التكنولوجيا تواجه الاحتباس الحراري بالذكاء الاصطناعي

  • إياد ديراني
صعد مصطلح "الطاقة الخضراء" إلى المركز الأول لدى وسائل الإعلام وفي خطابات السياسيين والشركات حول العالم، خصوصاً مع استثماره اقتصادياً وسياسياً في أكثر من اتجاه. وتزايد ظهور مفردات جديدة مثل "الامتثال" لسياسات الحدّ من الانبعاثات الكربونية و"ضريبة" الكربون والرسوم على المنتجات غير المتوافقة مع "المعايير الخضراء" والحياد الكربوني، والمقصود بالحياد الكربوني تحقيق توازن بين التسبب بالانبعاثات الكربونية والتعويض عن التسبب بها أو التخلّص منها من خلال إعادة امتصاصها من الغلاف الجوي وتخزينها في ما بات يُعرف باسم "مصارف الكربون" كالتربة والغابات والمحيطات. 

لكن ما الذي يحدث؟ ولماذا توجّهت الأنظار إلى التكنولوجيا باعتبارها الورقة الرابحة في "الحرب ضد الكربون" وتنويع مصادر الطاقة وترشيد الاستهلاك أو إدخال الذكاء الاصطناعي كقوة ضاربة بمواجهة الاحتباس الحراري وتحقيق حوكمة استهلاك الطاقة ورفع كفاءتها من التوليد إلى الاستهلاك؟ ولماذا تعتقد مراكز الأبحاث أن لدى منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا القدرة على التحوّل إلى "بيت الطاقة العالمي" المُستند إلى أشعة الشمس، وكيف يُمكن للتكنولوجيا أن تلعب دوراً في هذا السياق؟   
 

ماذا يحدث؟

يقول الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش إن العالم بحاجة إلى خطط مناخية وطنية أكثر طموحاً من تلك الموجودة حالياً، خصوصاً إذا أردنا الالتزام بعدم تخطّي ارتفاع درجة حرارة الأرض 1.5 درجة مئوية، لكن لطالما كانت دعوات الأمم المتحدة المتصلة بالاحتباس الحراري في واد وسياسات الدول الكُبرى المُتسببة بأكبر نسبة من الانبعاثات الكربونية في واد آخر، فما سبب الاهتمام المتصاعد بالطاقة الخضراء والإنتاج الصناعي المتوافق مع الشروط البيئية؟ يرى مراقبون أن الاهتمام الكبير يعود إلى مجموعة عوامل أبرزها ظهور مؤشرات على استخدام الولايات المتحدة لملف الاحتباس الحراري والالتزام بزيادة الاعتماد على مصادر الطاقة المتجددة في مواجهتها الاقتصادية ضد الصين. 

ويرى البعض أن دول الغرب عموماً تميل إلى استخدام تقدمها الكبير في مجال الطاقة المتجددة كوسيلة لكبح نمو الاقتصاد الصيني، من خلال دفعها للالتزام بشروط بيئية أكثر صرامة خصوصاً منها التخلّي عن الفحم الحجري الذي يشكل مصدر الطاقة الأول، لا بل ثمة مؤشرات بدأت بالظهور تدلّ على نيّة لإطلاق تحالف دولي ضد ما يسمّى "ملوّثو البيئة" مؤلف من الولايات المتحدة ودول الاتحاد الأوروبي إضافة إلى كندا وأستراليا وبريطانيا وبعض الدول التي تدور في الفلك "الغربي". 

لكن قمة العشرين التي عُقدت في الرياض العام الماضي شهدت خطاباً صينياً مُفاجئاً من الرئيس الصيني شي جين بينغ إذ دعا إلى تكثيف الجهود لمكافحة تغير المناخ وضمان تنفيذ الالتزامات بموجب اتفاق باريس والتحول نحو استخدام الطاقة النظيفة والطاقة الخضراء بما يضمن الوصول للحياد الكربوني. وجاءت دعوة الرئيس بينغ في وقت تعهدت فيه الصين بوقف زيادة انبعاثات ثاني أوكسيد الكربون بحلول العام 2030، وتحقيق الحياد الكربوني بحلول العام 2060، وهو ما يتطلب القضاء على نحو عشرة مليارات طن من انبعاثات ثاني أوكسيد الكربون سنوياً، أي ما يُعادل ثلث الانبعاثات العالمية إبتداء من العام 2030، لتصل إلى "صفر انبعاثات" بحلول العام 2060. وأتت التعهدات الصينية في الوقت الذي تؤكد فيه مراكز الأبحاث الصينية أن الانتقال من النمو الاقتصادي السريع إلى التنمية العالية الجودة سيتطلّب استثمارات حكومية كبيرة واعتماداً متزايداً على التكنولوجيا. 
 

دور التكنولوجيا 

بات محسوماً لدى كبار اللاعبين في مجال انتاج الطاقة وتوزيعها واستهلاكها أن الذكاء الاصطناعي ومعه الحلول السحابية والتحوّل إلى الاقتصاد الرقمي، سيشكلون قوة ضاربة بمواجهة الاحتباس الحراري وتحقيق حوكمة استهلاك الطاقة ورفع كفاءتها من التوليد إلى الاستهلاك سواء كان ذلك في مجال الكهرباء أو الصناعة والنقل. وترصد آلاف الشركات التكنولوجية استثمارات كبيرة للمضي قدماً في إطلاق حلول تكنولوجية تعتمد على الذكاء الاصطناعي والسحابة لترشيد استهلاك الطاقة وتحقيق إدارة أكثر فعالية تحدّ من الهدر في نقل وتوزيع واستهلاك الطاقة. 

ومن بين الشركات التكنولوجية العملاقة التي دخلت إلى هذا المجال "هواوي" التي تستثمر حالياً بشكل كبير لتطوير حلول تكنولوجية تساهم في زيادة الاعتماد على الطاقة النظيفة. وقال نائب الرئيس والمدير التنفيذي في شركة هواوي للطاقة الرقمية د. فانغ ليانغتشو في كلمة له على هامش قمة الأمم المتحدة للمناخ (COP26) التي عُقدت في غلاسكو أن الاستفادة من تقنيات الإلكترونيات الرقمية والطاقة باتت جوهرية لمساعدة مختلف القطاعات والصناعات على استخدام الطاقة النظيفة وتقليل الانبعاثات الناتجة عن توليد الطاقة واستهلاكها، وأنه يمكن للتحوّل الرقمي في الطاقة أن يقلل من الهدر في الاستهلاك، وأن يعزز بشكل كبير توليد الطاقة من مصادر الطاقة المتجددة، ويساهم بجعل النقل والمدن أكثر مراعاة للمتطلبات البيئية.  

ووفقاً لوكالة الطاقة الدولية IEA، فإن المصادر الرئيسية لانبعاثات الكربون العالمية هي الكهرباء والصناعة والنقل. ويتحمل قطاعا الكهرباء والنقل مسؤولية 40 في المئة و21 في المئة من انبعاثات الكربون على التوالي، كما يستهلك قطاع تكنولوجيا المعلومات والاتصالات 4 في المئة من الكهرباء العالمية. ولتحقيق الحياد الكربوني، من الضروري إنتاج كهرباء منخفضة الكربون. 
 

بيت الطاقة العالمي  

ووسط هذا "السباق" العالمي برز دور واعد لبلدان الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في مجال تصدير الطاقة المُستمدة من الشمس والمُدارة بأنظمة تكنولوجية ذكية، ويمكن لهذه الفرصة الثمينة أن تضع بلدان المنطقة في رأس قائمة الخيارات العالمية لمصادر الطاقة النظيفة، بينما يستمر استخدام شماعة الطاقة الخضراء في صراعات الدول الكُبرى. 

وبحسب نماذج إحصائية أعدّها باحثون في السعودية والإمارات يمكن أن تتحول المنطقة إلى أكبر مصدّر للكهرباء المُستندة إلى أشعة الشمس. ويقول الباحث محمد زُبير من جامعة المجمعة السعودية: "إنني على قناعة بأن هذا هو المستقبل، إذ سيكون العالم بأكمله متصلاً ومترابطاً عن طريق شبكات الطاقة مثلما هو متصل ومترابط اليوم بفضل شبكة الإنترنت، وبذلك يمكننا أن نجني أعظم فائدة ممكنة من الطاقة الشمسية وغيرها من مصادر الطاقة المتجددة". ويستعرض زُبير وزميله أحمد بلال أوان من جامعة عجمان الإماراتية كيف يمكن لأشعة الشمس التي تغمر منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كل يوم أن توفر حصة كبيرة من احتياجات العالم من الطاقة الكهربائية بحلول العام 2050، والتي تُقدَّر بـنحو 40 ألف تيراواط/ساعة.

ويدرس النموذج الذي ابتكراه إمكانية إنشاء شبكة نقل كهربائية عالية الفولتية، من شأنها استغلال الطاقة الشمسية المُنتجة في كل من السعودية وعمان والإمارات والكويت والعراق وإيران وتركيا ومصر وليبيا وتونس والجزائر والمغرب. ويستعرض الباحثان عدداً من الخيارات لمسارات نقل الطاقة، ويقترحان نقل معظم الطاقة القادمة من شمال أفريقيا إلى أوروبا، ونقل الطاقة القادمة من بقية الدول إلى جنوب آسيا، ويؤكد الباحث في معهد الديناميكا الحرارية الهندسية في مركز الطيران والفضاء الألماني فرانتس تريب إمكانية الاستفادة من هذه الخطة في إنشاء مناطق اقتصادية مُجدية في الصحراء.

واحدة من المشاريع الواعدة في هذا المجال كانت أُعلنت عنها أخيراً شركة "إكس لينكس" Xlinks البريطانية. ويتمثل المشروع بربط كهربائي بين المغرب وبريطانيا، مُستند إلى طاقة الشمس والرياح. وسيُقام المشروع في منطقة كلميم واد نون في المغرب جنباً إلى جنب مع بطاريات لتخزين الطاقة، ومن المتوقع أن يُمد بريطانيا بـنحو 2.6 جيغاواط من الطاقة لمدة 20 ساعة أو أكثر يومياً، بما يعادل نحو 8 في المئة من احتياجاتها من الكهرباء.

من جهته، يؤكد رئيس التسويق والمبيعات والخدمات العالمية لأعمال الطاقة الرقمية في هواوي تشارلز يانغ أن العالم بأسره "على موعد مع الإمكانات الكبيرة والواعدة لدول الخليج في مجال الطاقة الرقمية والمستدامة"، وأن دول مجلس التعاون الخليجي "على وجه الخصوص والشرق الأوسط عموماً يتمتعان بأهمية استراتيجية في مجال أعمال الطاقة الرقمية التي يمكن أن تدعم تطوير أعمال القطاعات والصناعات الحيوية وبناء مجتمعات ذكية ومنخفضة الكربون بالاعتماد على التقنيات الرقمية"، ويضيف أن هناك "فرصاً كبيرة لنشر أنظمة الطاقة الكهروضوئية وأنظمة تخزين الطاقة على نطاق واسع في المنطقة، ولاسيما وأن ساعات سطوع الشمس في منطقة الخليج هي الأطول على مستوى العالم، حيث تُقدر بنحو 2500 ساعة سنوياً". 

ولعلّ ما يميّز العملاق الصيني هواوي الذي ربما سارع لإطلاق أعمال الطاقة الرقمية في ضوء حاجة الشركة لتنويع منتجاتها بسبب استمرار العقوبات الأميركية على الأعمال الأساسية للشركة كشبكات الجيل الخامس، هو الاستفادة من خبراته العالمية في صناعة الاتصالات وتقنية المعلومات وتسخيرها لصالح أهداف الحدّ من الانبعاثات الكربونية خصوصاً في مجال عمل الشبكات ومراكز البيانات، كما إن شبكة شركاء هواوي العالمية واستثماراتها الضخمة في البحث والتطوير وتواجدها في أكثر من 170 دولة حول العالم يعطي ثقلاً أكبر لأعمالها في مجال الطاقة الرقمية، حيث تستهدف الشركة دعم التحول بأعمال القطاعات والصناعات والمؤسسات لتكون خضراء منخفضة الانبعاثات الكربونية والتكاليف التشغيلية. وتدير هواوي أعمالها للطاقة الرقمية على المستوى العالمي ضمن خمسة مجالات هي الطاقة الكهروضوئية الذكية والمرافق المخصصة لمراكز البيانات وأنظمة الطاقة "ام بور" mPower للسيارات الكهربائية والطاقة في الموقع وحلول الطاقة المتكاملة. وقال يانغ: "سنتعاون مع الشركات في دول مجلس التعاون الخليجي في جميع هذه المجالات، ولكنني أعتقد أن الطاقة الكهروضوئية الذكية والمرافق المخصصة لمراكز البيانات تتمتع بأهمية خاصة في المنطقة".

وتعمل هواوي على الجمع بين التقنيات الرقمية وإلكترونيات الطاقة لتوفير حلول منخفضة الكربون وآمنة وسلسة ونظيفة للمستخدمين النهائيين. وعلى مدار الأعوام العشرة الماضية، ساعدت هواوي العملاء على توليد 400 "تيرا واط ساعي" من الطاقة النظيفة، مما وفر 14.2 "تيرا واط ساعي" من الكهرباء وساهم في الحدّ من انبعاثات الكربون بمعدل 200 مليون طن أي ما يعادل زراعة 270 مليون شجرة.