في المعارك المفتوحة ضد الجائحة.. من سيربح الحرب؟

  • 2021-07-19
  • 09:59

في المعارك المفتوحة ضد الجائحة.. من سيربح الحرب؟

  • برت دكاش

قبل نحو شهر، أطلّت مديرة البرامج لمنطقة شرق المتوسط في منظمة الصحة العالمية رنا حَجّه في مؤتمر صحافي افتراضي حول تطورات كوفيد-19 في منطقة شرق المتوسط حضره "أولاً- الاقتصاد والأعمال"، معلنة أن "منطقة شرق المتوسط وضمناً الشرق الأوسط بحاجة إلى 200 مليون جرعة لقاح لتحقيق المناعة المجتمعية"، ودعت خلاله بلدان المنطقة التي قطعت شوطاً متقدماً في حملات التلقيح فيها إلى تزويد الدول التي تعاني من نقص في الجرعات بما يكفي منها لتلقيح مواطنيها.

وقبل ثلاثة أيام، حذّرت منظمة الصحة العالمية في بيان من أن طفرة محتملة في حالات كورونا في عدد من دول الشرق الأوسط قد تكون لها تداعيات كارثية، يفاقمها انتشار متحوّر دلتا والكميات المتدنية المتوفرة من اللقاح المضاد لكوفيد-19.

وذكر البيان أنه بعد الانخفاض في عدد الإصابات والوفيات في منطقة الحوض الشرقي للمتوسط على مدى ثمانية أسابيع، حصلت زيادة مهمة في الحالات في كل من ليبيا، وإيران، والعراق وتونس، ونبّه من زيادات حادة متوقعة في كل من لبنان والمغرب.

وأبدى المكتب الإقليمي لمنطقة شرق المتوسط في المنظمة قلقه من استمرار الطفرة الحالية من كوفيد-19 لتبلغ ذروتها في الأسابيع المقبلة وتسببها بتداعيات كارثية، معيداً السبب في ذلك إلى عدم الالتزام بإجراءات الصحة العامة والإجراءات الاجتماعية المطلوبة وزيادة التراخي من قبل المجتمعات، بالإضافة إلى معدلات تلقيح متدنية.

وبيّنت المنظمة أن تونس تسجل أعلى معدل وفيات/ للفرد الواحد على صعيدي المنطقة وأفريقيا، بينما زادت حالات الإصابة اليومية بمقدار الضعف تقريباً بإيران في أربعة أسابيع، حتى مطلع تموز/ يوليو الجاري.

انتشار متحور دلتا

كلام حجّه وبيان المكتب الإقليمي للمنظمة الأخير، تزامنا مع انتشار متحور دلتا الذي ظهر للمرة الأولى في الهند في تشرين الأول/ أكتوبر الماضي وينتشر حالياً في أكثر من 100 بلد حول العالم، وفق منظمة الصحة العالمية، ويأتيان في وقت تجاوز فيه عدد الإصابات المسجلة في منطقة شرق المتوسط، والتي تتضمن باكستان، وأفغانستان، وصوماليا وديجيبوتي بالإضافة إلى دول الشرق الأوسط 11.4 مليون إصابة وفق بيان المكتب الإقليمي في المنظمة، إلى جانب تسجيل 223 ألف وفاة.

لم تكن حجّه وحدها في المؤتمر الصحفي، بل شاركها كذلك كل من مدير الطوارئ الإقليمي د. ريتشارد برينان والرئيس الإقليمي لدائرة الأمراض المعدية د. عبدالناصر أبوبكر اللذان ذكّرا بأن اللقاح يبقى السلاح المتوفر حالياً لمحاربة الجائحة، أياً كان اللقاح ومصدره. لكن مع اجتياح المتحور دلتا الأسرع انتشاراً بين المتحورات الأخرى، ولاسيما متحور ألفا الذي ظهر للمرة الأولى في بريطانيا، حتى في البلدان التي قطعت أشواطاً في حملات التلقيح، طرح السؤال ولا يزال مطروحاً حول مدى فعالية اللقاحات المتوفرة حالياً ضد هذه السلالة الجديدة من الفيروس.

إجماع على ضرورة التلقيح

يجمع العلماء وخبراء الصحة في العالم على فعالية اللقاح ضد الاستشفاء والعدوى الشديدة لدى الحاصلين على جرعتين، بينما جرعة واحدة لا تكفي لتأمين الحماية المطلوبة، وتزداد الخطورة لدى الأفراد غير الملقّحين، وهو ما تثبته الأرقام في الولايات المتحدة على سبيل المثال، إذ تبيّن أن 99 في المئة من الحالات الشديدة الخطورة والوفيات الناجمة عن الإصابة بالفيروس هي من غير الملقحين.

وبيّنت الدراسات الأولية ومنها واحدة صدرت في أيار/ مايو الفائت في بريطانيا أن جرعتين من لقاح فايزر فعالتان بنسبة 88 في المئة لناحية الحماية من عوارض العدوى بمتحور دلتا، إلا أن باحثين اسكتلنديين خفضوا النسبة إلى 79 في المئة بعد شهر من صدور النتائج الأولى. بينما قدر باحثون كنديون فعالية اللقاح بنسبة 87 في المئة ضد متحور دلتا، مقارنة بنسبة 89 في المئة فعاليته ضد متحور ألفا، المكتشف أولاً في بريطانيا، علماً أن شركة فايزر تقدمت من وكالة الغذاء والدواء الاميركية بطلب الترخيص لجرعة معززة ثالثة من لقاحها للمزيد من التحصين ضد المتحورات الجديدة، كذلك تعمل مع شريكتها بايونتيك على إنتاج نسخة محدثة من اللقاح للبدء باختبارها على الأشخاص.

وكانت نتائج دراسات مخبرية حول فعالية لقاح موديرنا المضاد لكوفيد-19 ضد النسخ الجديدة من فيروس SARS-CoV-2 أظهرت أن الأفراد الذين تلقوا اللقاح يتمتعون بحماية فعالة ضد المتحورات الناشئة.

وذكرت شركة "جونسون آند جونسون" أن لقاحها ذات الجرعة الواحدة أفرز مستوى أعلى من نشاط الأجسام المضادة ضد دلتا مقارنة بالاختبارات ضد متحور بيتا، المكتشف للمرة الأولى في جنوب أفريقيا، مشيرة إلى أن اللقاح يقدم "حماية تدوم" Durable protection ضد المرض.

واكتفت الشركة المصنعة للقاح سبوتنيكV الروسي بالقول إن لقاحها كان أكثر فعالية ضد متحور دلتا مقارنة بلقاحات أخرى نشرت نتائجها حتى الآن، بينما أقرّ علماء صينيون بأن بعض اللقاحات الصينية أقل فعالية ضد متحور دلتا مقارنة بمتحورات سابقة.

اقرأ أيضاً:
متحور دلتا من كوفيد-19: جرعة لقاح واحدة غير كافية ورصد عوارض جديدة

توزيع غير عادل للقاح

الإجماع على ضرورة التلقيح وتسريع وتيرته، بحسب توصية كبيرة العلماء لدى منظمة الصحة العالمية سمية سواميناتان أخيراً والتي قالت إن "الجائحة ليست في تراجع، والحالات إلى ارتفاع في نطاق مناطق منظمة الصحة العالمية الخمس كذلك قفز معدل الوفيات في أفريقيا بنسبة 40 في المئة"، وما برهنته الأرقام المتاحة من الهند حيث انخفض معدل الوفيات لدى الملقحين إلى 0.4 في المئة، يقابله توزيع غير عادل للقاح حول العالم، إذ تستأثر الدول الغنية بحصة الأسد من الجرعات المعطاة والمنتجة من اللقاحات، والمثبتة بالأرقام.

فبحسب مرصد بلومبيرغ للقاح، فإن 23.5 في المئة من سكان العالم باتوا ملقحين بالكامل. وتشير أحدث الأرقام إلى إعطاء بمعدل 32.0 مليون جرعة يومياً حول العالم، مما يعني الحاجة إلى ثمانية أشهر لتغطية نحو 75 في المئة من سكان الأرض.

وبحسب مرصد بلومبيرغ، فإن 12 دولة أعطت من الجرعات ما يكفي لتغطية 60 في المئة من سكانها. وتتصدر الإمارات العربية المتحدة السباق العالمي للقضاء على الجائحة من خلال تأمينها ما يكفي من جرعات لتغطية 76.0 في المئة من سكانها.

وفي أوروبا، حصل الاتحاد الأوروبي اخيراً على جرعات من اللقاح تكفي لتلقيح 70 في المئة بشكل كامل من سكانها البالغين، خلال الشهر الحالي وفق الترجيحات، وفق ما أعلنته رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون در لاين، وقد حذرت في المقابل بأنه "لم يتم التغلب على كوفيد-19 بعد، والاتحاد الأوروبي مستعد لتأمين المزيد من اللقاحات بما في ذلك ضد متحورات جديدة"، داعية دول الاتحاد "للعمل على زيادة التلقيح".

ووفق المركز الأوروبي للوقاية من الأمراض ومرصد مراقبة اللقاح Control’s Vaccine Tacker، فإن 63.8 في المئة من سكان الاتحاد ممن هم بعمر 18 عاماً وما فوق حصلوا أقله على جرعة واحدة من اللقاح، و44.1 في المئة حصلوا على جرعتين حتى الأسبوع الأول من تموز/ يوليو.

على الضفة المقابلة، وبحسب مرصد بلومبيرغ، فإن البلدان والدول ذات الدخل العالي تحصل على اللقاح بمعدل 30 مرة أسرع من الدول والمناطق ذات دخل أدنى أو محدود.

وكانت منظمة أوكسفام أصدرت في أيار/ مايو الماضي بياناً ذكرت فيه أن الدول ذات الدخل المحدود تلقت 0.2 في المئة فقط من العرض العالمي للقاح، بسبب النقص الهائل في الجرعات المتاحة، على الرغم من كون هذه البلدان تضم 10 في المئة من سكان العالم.

واعتبرت المنظمة أخيراً القضاء على جائحة كوفيد-19 يكون بتأمين اللقاح للجميع أينما كانوا، ومن دون مقابل، وهذا ممكن فقط بنقل كيفية تصنيع اللقاح وتوزيعه.

وذكرت أن لقاحات كوفيد-19 مملوكة من قبل شركات دوائية كبرى ترفض مشاركة العلم والتكنولوجيا التي قد تسرع إنتاج اللقاح بكمية كبيرة وبسعر مقبول وتوزيعها على جميع سكان العالم.

وأكدت المنظمة أن ما من شركة واحدة قادرة على إنتاج ما يكفي العالم من اللقاحات، مجددة دعوتها الحكومات وشركات الأدوية إلى تعليق براءات الاختراع المتعلقة بلقاحات كوفيد-19 وعلاجاته والاختبارات حولها المعتمدة لدى منظمة التجارة العالمية خلال فترة انتشار الجائحة والمشاركة المفتوحة للتكنولوجيا الخاصة باللقاح والمعرفة لتأمين اللقاح لأكبر عدد ممكن من سكان الأرض وبالسرعة الكافية.

العودة إلى الإغلاق الشامل؟

إلى ذلك، تبقى الإشارة إلى تحذيرات بشأن فعالية اللقاحات ضد نقل العدوى للافتقار إلى الدراسات الوافية بشأنه، على الرغم من الفعالية المبيّنة حتى الآن في الحد من حالات الاستشفاء والمرض الشديد، علماً أن متحور دلتا أظهر أنه معدٍ بنسبة أعلى بكثير من المتحورات السابقة والسلالة الأصلية للفيروس، ويشكّل خطورة عالية على من يعانون من ضعف في نظام المناعة الذي يسهّل الانتقال إليهم.  

وفي ظل توقعات بموجة جديدة للفيروس سببها على الأرجح متحور دلتا في الخريف المقبل، فإن عدداً من دول الاتحاد الأوروبي أعاد فرض إجراءات لكبح الزيادة اليومية في عدد الإصابات به حتى في الدول التي قطعت أشواطاً في عمليات التلقيح، وفي مقدمها بريطانيا.

وفي فرنسا التي فرضت أخيراً إلزامية التلقيح للجسم الطبي، وضرورة إبراز الوافدين إليها إثبات على تلقيهم اللقاح أو نتيجة فحص PCR سلبية، يحكى عن توجّه فرنسي بإلزامية التلقيح لجميع المواطنين اعتباراً من آب/ أغسطس، واحتمال كبير لإغلاق شامل للبلاد في أيلول/ سبتمبر المقبل.

في الموازاة، أعادت منظمة الصحة العالمية التشديد على الالتزام بارتداء أقنعة الوجه حتى من قبل الأشخاص الملقحين بالكامل والتباعد الاجتماعي. وجدّدت دعوتها الدول إلى التريث قبل فرض اللقاح ضد كوفيد-19 كشرط لدخول أراضيها، وهو ما أعلنته أخيراً مالطا، ولاسيما وأن دول الاتحاد الأوروبي لم تعترف حتى الساعة بجميع اللقاحات المعتمدة حالياً ومنها مثلاً لقاح سبوتنيك V الروسي واللقاحات الصينية.