التعاون أهم من المنافسة لدفع عجلة الابتكار

  • 2021-06-08
  • 15:04

التعاون أهم من المنافسة لدفع عجلة الابتكار

  • تشارلز يانغ

رئيس هواوي في الشرق الأوسط

أثبتت التجارب والخبرات بأن التعاون هو العامل الأساسي لنجاح الرؤى والخطط الاستراتيجية في مختلف بلدان العالم، ولاسيما في منطقة الشرق الأوسط التي تتبنى قيم العولمة بشكل متزايد. ويمكن الجزم بأنه لا يمكن لأي دولة أو مؤسسة أو شركة أن تزدهر من دون أن تتعاون مع غيرها من الأطراف التي تشترك معها بالرؤيا.

ويعبّر المثل الصيني "حجرٌ واحد لا يكفي لبناء منزل" عن مستقبل واقع الابتكار الذي لا يمكن أن يقوم ويزدهر على جهود طرف واحد فقط، إذ لا يمكن لأي شركة أو شخص أن يحقق النجاح بمفرده وبمعزل عن الآخرين، وإنما يمكن إيقاد شعلة الابتكار من خلال العمل المشترك في إطار نظام إيكولوجي شامل ومتكامل.

جسّدت تجربة تفشي الجائحة فحوى وأهمية التعاون للتغلب على التحديات، حيث تضافرت الجهود العالمية لمواجهة الخطر الذي يهدد الجميع سواء من خلال توفير المساعدات الطبيّة للدول أو التعاون في مجال تطوير اللقاحات أو مجرد تبادل المعلومات، وربما تؤدي الحالات الطارئة التي نواجهها إلى تعزيز العمل المشترك، لكن ينبغي أن تكون الشركات والمؤسسات مستعدة ومنفتحة على نهج التعاون، وأن تضع نصب أعينها مصلحة البشرية وتحسين أحوال المجتمعات، لا مجرد الجري وراء ربحية الأعمال.

وتعتبر البرامج والمبادرات التي تستهدف بناء وتطوير الاقتصادات الرقمية واحدة من أبرز أوجه التعاون في المنطقة، حيث تدرك الحكومات كما المختصون في الشرق الأوسط أن الاعتماد على التقنيات الرقمية يسهم في تعزيز أعمال وخدمات مختلف القطاعات والصناعات، وفي مقدمها تطوير التصنيع وتحسين الرعاية الصحية وسبل التعليم ودعم خطط الاستدامة البيئية وغيرها.

ولتحقيق التقدم المطلوب على طريق بناء الاقتصاد الرقمي، ينبغي أن نوفر نظاماً إيكولوجياً مفتوحاً تدرك جميع الأطراف الفاعلة فيه أن التعاون والعمل المشترك من خلاله هما السبيل الوحيد لإحداث أثر إيجابي ملموس يحقق قيماً مضافة أكبر لمسيرة التنمية الاجتماعية والاقتصادية. وعلى الرغم من أن المنافسة المفتوحة والعادلة تؤدي إلى دفع عجلة الابتكار، إلا أن التعاون أهم من المنافسة لأنه يسهم في تعزيز النجاح على المدى الطويل، ليصب في صالح جميع الأطراف، بمن فيهم المتنافسون.

إمكانات كبيرة

على مدار الأعوام الماضية، قام العديد من الشركات التقنية بإعادة تقييم استراتيجياته الابتكارية، فأدرك الإمكانات الكبيرة التي يوفرها التعاون مع غيره من الشركات التي كان يعتبرها في السابق مجرد شركات منافسة له. والتعاون لا يعني أن تتخلى الشركات عن مزاياها التنافسية، إذ إنه ليس من الضروري أن تعمل الأطراف معاً ضمن المجالات كافة. أما الابتكارات التي تسهم في تحسين قطاع معين أو تعزيز تطور المجتمعات عالمياً أو كوكب الأرض بأكمله، فإن أفضل نهج يمكن اتّباعه هو تضافر الموارد والمواهب للمساهمة في تعزيز الابتكار التكنولوجي، العامل الأهم اليوم الذي أثبت جدارته في دفع عجلة التنمية والتطوير ضمن المجالات كافة.

يشهد قطاع الاتصالات وتقنية المعلومات في الشرق الأوسط العديد من التحولات باتجاه تعزيز النهج التعاوني، حيث تنتقل الشركات الكبيرة والصغيرة من التعاون الثنائي إلى التعاون الكامل ضمن النظام الإيكولوجي. وتعتبر برامج تنمية المواهب واحدة من أهم الأمثلة على هذا النهج، حيث ينظم القطاع الخاص العديد من المبادرات بالتعاون مع الشركاء والموردين والمؤسسات الأكاديمية والمنظمات غير الحكومية والهيئات الحكومية، كما يتم تنظيم العديد من برامج البحث والابتكار المشتركة لصالح مستقبل مختلف القطاعات في المنطقة. مثال ذلك برنامج لدراسة استخدامات الجيل الخامس في قطاع النفط والغاز بالتعاون بين "الاتصالات السعودية" و"أرامكو" و"هواوي"، وقد أُعلن عن هذا البرنامج مؤخراً وهو يجسّد نهج التعاون بين الأطراف الفاعلة ضمن النظام الإيكولوجي.

نحو أنظمة موحّدة

يُسهم نهج التعاون في النهوض بجهود بناء اقتصاد رقمي أكثر أماناً. فقد أثبت الهجوم الذي وقع مؤخراً على شركة "سولار ويندس"، وهي شركة مرموقة متخصصة بتقنية المعلومات وتتخذ من تكساس مقراً لها، أنه أياً كان موقع الشركة ومهما كانت إجراءات الأمان التي تتخذها فإنها لن تكون بمنأى عن الخطر. لذا، فإن التعاون بين الشركات المتخصصة في تقنية المعلومات والاتصالات أمرٌ ضروري لتعزيز الأمن السيبراني وتحسين إجراءات الحماية. واعتماد الجهات المسؤولة وشركات الاتصالات والمؤسسات التقنية ومزودي التكنولوجيا أنظمة موحدة في إطار نظام إيكولوجي شامل ومتكامل سيثمر عن توفير أعلى مستويات الحماية للمستخدمين النهائيين، كما يمكن توفير الحماية من خلال إطلاق المبادرات المفتوحة المصدر وتوفير المزيد من الموارد إلى المؤسسات والمنظمات المفتوحة المصدر، وبالتالي توفير بنية تحتية رقمية تتمتع بالشفافية.

ونظراً الى توفر العديد من المواهب والمكونات والابتكارات الرائدة في كل جزء من أنحاء العالم، يمكن اتباع نهج تعاوني عبر سلسلة التوريد على المستوى العالمي من خلال تعزيز التجارة الدولية الحرة على وجه الخصوص، ولاسيما عندما يتعلق الأمر بإبتكار منتجات تقنية رائدة، لذا يجب علينا أن نعمل على إزالة العوائق التي تواجه سلاسل التوريد، فالقيود التجارية تتناقض مع قيم مجتمع الأعمال الدولي وتؤدي إلى عزل العديد من الدول عن مسيرة الابتكار العالمي وتعطيل المنافسة العادلة في السوق. وإن كان لا يمكننا بناء منزل باستخدام حجر واحد فقط، بالتالي لا يمكن لأي شركة - أو دولة - أن تزدهر بمفردها إذا كانت تطمح إلى ريادة الابتكارات التقنية في المستقبل.

نحو الابتكار المشترك

ينبغي أن نتجاوز المعنى التقليدي المقيد لكلمة "ابتكار" والأفكار الاحتكارية الدارجة في القطاع التقني، وننطلق نحو الآفاق الرحبة التي يتيحها التعاون في مجال الابتكار المشترك الذي يجسد القيم الحقيقية للتطور في القرن الحالي. وفي قطاع الاتصالات وتقنية المعلومات على وجه الخصوص، غالباً ما تسهم التحالفات الرسمية بين الشركات التقنية في تعزيز الابتكار المشترك، مما يتيح نشر التقنيات الجديدة في وقت قصير، وبالتالي تعزيز التنمية المستدامة.

وفي هذا الإطار، ينبغي أن ندعم الأنظمة الإيكولوجية الجديدة مثل تحالف شبكات الجيل الخامس الحتمية وتحالف الذكاء الاصطناعي وإنترنت الأشياء وغيرها باعتبار أن هذه التحالفات ستسهم في صياغة وتعزيز المعايير اللازمة لدفع عجلة الابتكار في الاقتصاد الرقمي.

نحن بحاجة إلى نظام إيكولوجي متكامل على المستوى العالمي لتعزيز الابتكار التقني ودفع عجلة التنمية الاجتماعية والاقتصادية في جميع البلدان، ولاسيما دول الشرق الأوسط، ويجب أن نعتمد جميعاً على التعاون كنهج لإدارة أعمالنا لتحقيق قيمة أكبر لنا وللمجتمعات التي نعمل بها في الوقت ذاته، والأمر الأهم ألا نسعى الى التنافس مع شركائنا لتحقيق المزيد من الأرباح بل نلتزم بتمكين الشركاء المحليين من خلال نهج التعاون وتحقيق نجاحات مشتركة تصب في صالح الرؤى والاستراتيجيات والخطط الوطنية للبلدان التي نعمل بها.