تحالف 24 دولة منتجة للنفط بقيادة السعودية يغير موازين السوق

  • 2021-02-01
  • 11:02

تحالف 24 دولة منتجة للنفط بقيادة السعودية يغير موازين السوق

المواجهة النفطية مع روسيا تمهّد لتوحيد المنتجين وتؤسس لقيام "أوبك موسعة"

  • رشيد حسن


خلال السنوات الخمس الماضية، حققت السعودية نجاحاً واضحاً في سياساتها النفطية الهادفة إلى تأمين تنسيق متماسك بين اوبك والمنتجين الرئيسيين في العالم وتوفير دعم ثمين للأسعار. فالسعودية التي تعتبر أكبر مُصدر للنفط في العالم، تمكنت عبر استراتيجية واضحة واستخدام فعال لوزنها في سوق النفط العالمية من توطيد دورها القيادي لمنظمة أوبك، وكذلك تزعم تحالف عريض يضم 24 دولة منتجة للنفط من أعضاء أوبك والمنتجين غير الأعضاء في المنظمة وتحويل هذا التحالف إلى نوع من "أوبك موسّعة" بات يشار إليها بتعبير "أوبك+"، من خلال تحالف مع روسيا ودبلوماسية نفطية نشطة في كل الاتجاهات.  

والحقيقة أن تعبير أوبك+ بات يلخص أكبر وأهم تحول في سوق النفط العالمية منذ قيام أوبك كمنظمة للدول المنتجة للنفط قبل 60 عاماً وبالتحديد في العام 1960 لأنه يشير إلى التحاق نحو 10 دول منتجة مستقلة بالمنظمة من خلال حضور اجتماعاتها وتنفيذ القرارات التي تتم في تلك الاجتماعات خصوصاً في ما خص تعيين حجم الإنتاج النفطي الإجمالي والحصص التي تعود لكل من الدول المنتجة من ذلك المجموع.  

 

منظومة عبدالعزيز بن سلمان

لقد واجهت دول "أوبك" أوضاعاً سياسية واضطرابات وخلافات بل وحروباً في ما بينها أعاقت في مناسبات كثيرة عملها كمجموعة متضامنة، كما إن أوبك كانت تجتمع على مستوى وزاري مرتين في العام وتدار من سكرتارية تعمل من فيينا، لكن في المقابل، فإن التحالف النفطي الصاعد الذي يضم أوبك وعدداً من المنتجين المستقلين اتخذ وبحكم الحاجة والتنسيق اليومي شكلاً تنظيمياً أكثر تماسكاً واستمرارية عبر لجنة المتابعة الوزارية التي تجتمع شهرياً وتتولى بالتنسيق مع أوبك متابعة متواصلة لأوضاع السوق ومستويات العرض والطلب كما تشرف على مراقبة مدى التزام الدول الأعضاء بالحصص المقررة.

 ويعزى الفضل لوزير الطاقة السعودي الأمير عبد العزيز بن سلمان في إرساء منظومة فعالة للتطبيق العادل والشفاف لاتفاقات الحصص ذلك بالاستناد إلى تطور كبير في قاعدة البيانات وتتبع الاسواق وإلى مرونة أكبر في تطبيق نظام الحصص يسمح لبعض الدول أحياناً بتجاوز حصتها لفترة قصيرة (ربما بسبب حاجات مالية للدولة) لكن على أن تقوم هذه الدولة طوعاً بإجراء خفض في حصتها في الأشهر التالية يوازي الزيادة التي "استدانتها".

 ويشير التطور الكبير في منظومة توثيق عمليات الإنتاج والصادرات النفطية للدول المنتجة إلى تقدم كبير في تنفيذ اتفاقات الحصص والذي كان دائماً عرضة للغش والتجاوز في الماضي القريب، الأمر الذي أضعف كثيراً قدرة أوبك على امتصاص الفوائض المؤقتة التي تضغط على الأسعار.

دور اتفاق فيينا 2016

 

يعتبر الاتفاق التاريخي الذي تمّ توقيعه في فيينا في نهاية العام 2016 من قبل 13 دولة في أوبك و11 دولة منتجة مستقلة إجراء خفض منسقاً في إنتاج الدول المنسقة اتفاقاً يكاد يقارب في أهميته اتفاق تأسيس أوبك، لأن الإعلان الذي صدر عن الاجتماع نجم عنه ما يمكن اعتباره "أوبك الموسّعة"وهذه الصيغة الجديدة لتحالف المنتجين أصبحت ممكنة نتيجة لمجموعة من العوامل والظروف أهمها:

  1. الركود الكبير الذي أصاب السوق النفطية في العام 2014 واستمر في العامين التاليين، وقد فتح النفط في مطلع 2016 على سعر لم يتجاوز 31.8 دولار للبرميل، وأدى التراجع الكبير في الأسعار إلى ضغوط  قاسية على عدد من الدول المنتجة وميزانياتها الأمر الذي عزز الميل للتنسيق مع أوبك.
  2. تزايد المعروض النفطي نتيجة الزيادة الكبيرة في إنتاج النفط الصخري Shale oil في الولايات المتحدة الأميركية.
  3. التحول الروسي نحو التعاون مع السعودية التي تمثل القيادة الفعلية لـ "أوبك" نتيجة لرغبة الرئيس بوتين في حصول تحسن ملموس في الأسعار يعزز الوضع الاقتصادي في روسيا وموقع بوتين نفسه داخل بلاده.
  4. يبقى أن أحد أهم العوامل التي ساهمت في الاتفاق كانت الدبلوماسية النفطية النشطة للمملكة العربية السعودية، إذ خاض وزير الطاقة السعودي ونظراؤه والخبراء جولات متواصلة خلال العام كان أبرزها اجتماع المنتدى العالمي للطاقة في الجزائر في سبتمبر 2016 والذي أسفر عن اتفاق حدد معروض النفط المرغوب به ما بين 32.5 و33 مليون برميل يومياً، ووفر اتفاق الجزائر بذلك الأساس لاتفاق حصص الإنتاج الذي أعلن عنه لاحقاً في فيينا. ولا بدّ أن نذكر هنا أن المنتدى العالمي تأسس العام 1991 بمبادرة سعودية ليجمع المنتجين والمستهلكين وخبراء الطاقة معاً للحوار حول المسائل المشتركة.  
  5. من العوامل الأساسية أيضاً التساهل السعودي اللافت في قبول تحمّل خفوضات فوق ما هو مطلوب منها إذا دعت لذلك الحاجة لدعم أسعار النفط، وقد أوضح وزير النفط السعودي دوماً استعداد بلاده من أجل الدفاع عن أسعار الخام للقبول بخفض في حصتها يزيد على ما هو مطلوب منها بموجب اتفاقات أوبك+ وهذا الموقف أعطت المملكة مثالاً عليه في مطلع العام عندما أعلنت أنها ستنفذ خفضاً طوعياً إضافياً قدره مليون برميل يومياً بهدف الحفاظ على الأسعار والسماح لروسيا وكازاخستان بزيادات على حصتهما المقررة بموجب اتفاقات أوبك.
  6. التبدّل في الموقف الأميركي من أوبك بسبب تزايد أهمية النفط الصخري الذي بات يمثل نحو 63 في المئة من مجموع إنتاج الولايات المتحدة من النفط أو نحو 7.67 ملايين برميل يومياً، وهذا يعني أن قطاع النفط الصخري الأميركي بات ثالث أكبر منتج للنفط الخام في العالم بعد السعودية وروسيا. النقطة المهمة هنا هي أن معدل تكلفة إنتاج البرميل من النفط الصخري لا تقل عن 40 دولاراً وقد ترتفع إلى 45 دولاراً، لذلك، فإن الولايات المتحدة باتت لها مصلحة في الحفاظ على معدلات سعر للنفط لا تؤذي قطاع النفط الصخري، وهذا ما دفع آنذاك الرئيس الأميركي دونالد ترامب إلى التدخل السريع فور انهيار أسعار النفط في آذار/مارس 2020 وتحادثه مباشرة مع الرئيس بوتين والأمير محمد بن سلمان للحث على تسوية التباين في وجهات النظر. ويجعل تعاظم أهمية النفط الصخري في بنية الإنتاج النفطي الأميركي الولايات المتحدة ضمناً "عضواً صامتاً" في أوبك أو في التحالف الواسع الذي تمكنت السعودية من جمعه حول اتفاق فيينا ثم تحويله إلى آلية متممة وفعالة لإدارة المعروض ونظام حصص الإنتاج وفقاً لكل ظرف وفي ضوء اتجاهات السوق.

تجدر الإشارة إلى أن العمل باتفاق فيينا أدى إلى تغيير سريع في أساسيات السوق فارتفع سعر البرميل إلى 53 دولاراً للبرميل في كانون الثاني/يناير 2017 واعتبرت هذه النتيجة إنجازاً كبيراً للجنة المتابعة الدائمة في أوبك+ وارتفعت أسعار النفط الخام في العام 2017 بنحو 45 في المئة وهو أفضل تحسن تسجله منذ الأزمة المالية العالمية في العام 2009.

حرب النفط مع روسيا

حددت مدة اتفاق فيينا لستة أشهر قابلة للتجديد، وقد جدد الاتفاق أكثر من مرة وأدخلت عليه تعديلات بسبب ما لمسته الدول المنتجة من فوائده الكبيرة في حماية أسعار النفط، وكان ممكناً لهذا الوفاق أن يستمر لولا اندلاع جائحة كورونا في مطلع العام 2020 وما نجم عن ذلك من هبوط كبير في الطلب العالمي على النفط.

 وفي ضوء هذه المتغيرات، اجتمعت لجنة المتابعة الوزارية لـ أوبك+ وتوصلت إلى ضرورة قبول الدول المنتجة بخفض كبير بهدف استيعاب الانحسار الإضافي في الطلب، إلا أن روسيا ردّت على هذا الطلب بالرفض مفضلة كما يبدو التمسك بحصتها من السوق بالنظر الى حاجتها الماسة للدخل من الصادرات، بل إن Rosneft وهي شركة النفط الحكومية العملاقة اقترحت على الحكومة الروسية الانسحاب من التفاهم مع أوبك، وكان الموقف الروسي وحده كفيلاً بإفشال أي عمل منسق داخل ما بات يسمى "أوبك+" أي أعضاء أوبك والمنتجين المستقلين غير الأعضاء فيها، ودخلت "معاهدة فيينا" النفطية بذلك مأزقاً كبيراً بعد ثلاث سنوات من إعلانها لأن الموقف الروسي كان يوازي عملياً الخروج منها مع التداعيات المتوقعة على أسعار النفط. هنا بالتحديد قررت السعودية خوض مواجهة نفطية قاسية مع موسكو عبر الإعلان عن زيادة كبيرة في إنتاجها ومنح حسومات سعرية كبيرة في أوروبا وآسيا والسوق الأميركية وأدى ذلك إلى هبوط كبير في أسعار النفط فاق الـ 30 في المئة في أيام ووصل نفط برنت إلى 24.72 دولار للبرميل مسجلاً أدنى سعر له منذ 17 عاماً.

 

وفي الواقع، كانت السعودية في موقع قوي لاختبار القوة مع روسيا بالنظر الى التكلفة المنخفضة لإنتاج نفطها ثم التحولات التي حققتها سواء على صعيد تنويع الاقتصاد وترشيد الإنفاق الحكومي وزيادة المداخيل غير النفطية في الميزانية الحكومية، ثم من خلال مراكمة احتياطات أجنبية ضخمة قدرت بنحو 500 مليار دولار. أما روسيا فقد أخذ عليها أنها بدل العمل على تنويع مصادر الدخل إنما زادت نسبة اعتماد الاقتصاد على النفط خلال الفترة من 2010 وإلى 2018 من 34.3 في المئة إلى 38.9 في المئة، كما تراجعت حصة الصناعة في الناتج المحلي من 53.2 في المئة إلى 50.7 في المئة، فضلاً عن ذلك، فقد حوّلت الحكومة الروسية قسماً كبيراً من مداخيل النفط إلى مجهودات تعزيز قوتها العسكرية، وزادت العقوبات الاقتصادية الأميركية والأوروبية من حجم التحديات التي تواجه الاقتصاد الروسي.

لهذه الأسباب، وبسبب حاجة روسيا الماسة للمداخيل النفطية، فإن الرسالة السعودية كانت كافية كما يبدو لكي تعيد موسكو النظر بحساباتها فأعلن الرئيس بوتين بعد أيام اقتناعه بالحاجة لخفض إنتاج النفط العالمي بما لا يقل عن 10 ملايين برميل يومياً للتكيّف مع الهبوط الكبير في الطلب الذي نجم عن جائحة كورونا.

وكان تصريح الرئيس الروسي كافياً لرفع أسعار النفط بعد سقوطها، وتبع ذلك توافق سعودي روسي على أهمية الخفض المقترح، ثم دخول لجنة المتابعة على الخط لتوضيح توزيع نسب الخفض المقررة على الدول المنتجة.

ومما لا شك فيه، أن المواجهة النفطية القصيرة التي حصلت بين السعودية وروسيا حققت عدداً من النتائج المفيدة أهمها تعزيز قيادة المملكة
لـ أوبك وللتحالف العريض الذي يضم الدول المستقلة، كما إن المواجهة أظهرت أهمية استمرار الانضباط من أجل حماية أسعار النفط وتحقيق مصالح المنتجين.

أوبك الجديدة  

إن قيام تحالف المنتجين من أعضاء أوبك والدول غير الأعضاء يعتبر أهم حدث تشهده الصناعة النفطية منذ قيام منظمة الدول المصدرة للنفط في العام 1961 وهو حدث يقترن بزيادة كبيرة في نفوذ المملكة العربية السعودية ودورها الفعلي في إدارة المعروض النفطي والتأثير في اتجاهات العرض والأسعار، إن هذا الحدث يأتي في وقت كانت أوبك نفسها تواجه صعوبات متزايدة في القيام بدورها نتيجة للاختلافات الدائمة بين دولها، كما إنه يأتي ليأخذ في الاعتبار تناقص الحصة النسبية للمنظمة من الإنتاج النفطي العالمي، في مقابل ازدياد حصة الدول المنتجة غير الأعضاء في أوبك، وباتت استقلاليتها في قرارات الإنتاج عامل إحباط لمجهودات أوبك في الحفاظ على أسعار عادلة للنفط الخام. وعلى الرغم من أن الدول المستقلة كانت تتابع مؤتمرات أوبك من خلال مراقبين، فإنها لم تعتبر نفسها معنية بقراراتها أو مجهوداتها في إدارة المعروض النفطي، لكن اتجاه الركود المستمر في أسواق النفط منذ ما بعد أزمة 2008-2009 ولّد حالة جديدة بالنسبة الى المنتجين المستقلين جعلتهم يقتنعون بفائدة التنسيق مع أوبك وينطبق ذلك بصورة خاصة على ثاني أكبر مصدر للنفط في العالم وهو الاتحاد الروسي.

 

هذا التحول في اتجاهات النفط نحو مستويات متدنية يبدو الآن معنا إلى أجل غير واضح وهو ما ينذر باحتمال ازدياد مصاعب الدول المنتجة وبالتالي حاجتها إلى التعاون الوثيق وتبني استراتيجية مشتركة للمستقبل، كما إن الضغوط المتوقعة لمعالجة الآثار البيئية للانبعاثات الكربونية والتقدم الكبير المسجل في تقنيات الطاقة المتجددة والسيارات الكهربائية وغيرها، كل ذلك سيزيد الضغوط على الدول المنتجة للنفط ويعزز حوافز المجتمعات الحديثة للانتقال إلى الطاقة النظيفة، وهذا التحدي الذي يلوح في الأفق هو من بين العوامل العديدة التي بدّلت تفكير الدول المنتجة، ووفرت الظروف لقيام أوبك الموسعة أو الجديدة باعتبارها الإطار المؤسسي الملائم لمواجهة التحديات المقبلة، ومن دواعي الرضا أن نجد المملكة العربية السعودية وقد أدركت معالم الواقع الجديد وجهزت نفسها بصورة تامة للتعامل معه والاحتفاظ بالمبادرة وقيادة الدول المنتجة من أعضاء أوبك وغير الأعضاء في عملية التكيّف الدقيقة مع ظروف السوق في الوقت التي تتابع فيه الجهد الوطني الكبير لتنويع الاقتصاد السعودي وتخفيف اعتماده على تصدير النفط الخام.