أسواق لبنان التجارية في نهاية 2020: حركة بلا بركة!

  • 2020-12-25
  • 08:49

أسواق لبنان التجارية في نهاية 2020: حركة بلا بركة!

تراجع الاستيراد إلى النصف والمنتجات الكمالية ثلاثة أرباع

  • رانيا غانم

يجمع أصحاب المؤسسات التجارية على أن العام 2020 هو العام الأصعب والأسوأ على الإطلاق. فالأسواق التجارية شبه خالية، ومحال التجزئة بالكاد تؤمن إيرادات تغطي التكاليف التشغيلية، أما الموردون فيجدون صعوبة كبيرة في تأمين الدولار من السوق السوداء وتحويله إلى الموردين في الخارج.

هذا الواقع المأزوم أدى إلى انخفاض فاتورة الاستيراد إلى النصف في الأشهر التسعة الأولى من العام الجاري، وفقاً لإحصاءات الجمارك اللبنانية، وترتفع هذه النسبة إلى الثلثين تقريباً عندما يتعلق الأمر بالمنتجات الكمالية.  

 

واردات السلع الاستهلاكية الكمالية في الأشهر التسعة الأولى من العام االحالي مقارنة بالفترة ذاتها من 2019

القطاع الأشهر التسعة الأولى من 2019 (مليون دولار) الأشهر التسعة الأولى من 2020 (مليون دولار) نسبة التغير بين الفترتين (في المئة)
جلود فراء ومصنوعاتها 46 14 -70
مواد نسيجية ومصنوعاتها 500 175 -65
أحذية ومظلات وأزهار اصطناعية 97 31 -68
آلات وأجهزة كهربائية 1332 515 -61
غيرها من الواردات 13331 7143 -46
المجموع 15304 7878 -49
المصدر: الجمارك اللبنانية

عام الكوارث

شماس: استمرار الوضع القائم سيؤدي إلى المزيد من الإفلاسات وإغلاق الكثير من المؤسسات 

يؤكد رئيس جمعية تجار بيروت نقولا شماس في حديث إلى "أولاً-الاقتصاد والأعمال" أن العام 2020 كان كارثياً على القطاع التجاري، إذ إن الانهيارات الاقتصادية والمالية المتتالية مع تداعيات جائحة كورونا وانفجار بيروت آلت إلى انهيارات بالجملة تبلورت في إفلاس بعض المؤسسات وإقفالها وإلى تسريح جزء كبير من الموظفين. ويقول: "تركت جائحة كورونا تداعيات جسيمة على دول عظمى، على الرغم من حزم ومساعدات خصصت لتجاوز الأزمة، تبلورت في ارتفاع نسب البطالة وإقفال مؤسسات، فكم بالحري على لبنان المأزوم والذي يعاني أزمات اقتصادية متجذرة من عشر سنوات"، ويضيف أن جولات الإغلاق المتكررة ضربت القطاع التجاري في الصميم، وكان يمكن تفاديها لأن محال التجزئة من أكثر المؤسسات التي تلتزم بالتدابير الوقائية والتباعد الاجتماعي.

وما زاد الطين بلة انفجار المرفأ الذي ضرب قلب العاصمة وبنيتها التحتية والشركات التي تقدم الخدمات المرفئية كشركات التأمين والشحن واللوجيستيات والنقل وغيرها، فضلاً عن محال التجزئة وصالات العرض والبضائع الموجودة في المرفأ، وتقدر جمعية تجار بيروت خسائر وأضرار القطاع التجاري المباشرة من جراء الانفجار ما بين 3 و4 مليارات دولار.

 

العرض والطلب إلى الوراء در

تأتي تلك المصائب في ظل انهيار اقتصادي ومالي غير مسبوقين، انعكسا على حركة العرض والطلب. ويشير شماس إلى أن التقنين الذي فرضته المصارف على السحوبات والتحويلات حدّ من قدرة التجار على الاستيراد، لذا انخفض حجم الواردات ولاسيما الكماليات منها فباتت التشكيلات المتوافرة محدودة، وتراجع الطلب وحركة المبيعات بنسبة غير مسبوقة نتيجة تراجع القدرة الشرائية لدى جميع شرائح المجتمع بمن فيهم الميسورون، نتيجة فقدان شريحة كبيرة من الناس لوظائفهم، أو بسبب السحب المقنن للأموال من المصارف، ويؤكد شماس أن حالة عدم اليقين حول المستقبل وغياب الثقة يحدان من شهية المستهلكين على الإنفاق.

وتقدر جمعية تجار بيروت تراجع الحركة التجارية للسلع والمنتجات باستثناء المواد الاستهلاكية الغذائية والمنزلية بنسبة تتراوح ما بين 70 و80 في المئة خلال العام الجاري، بالمقارنة مع العام الفائت، لافتاً النظر إلى أن هذا التراجع يأتي على خلفية أرقام متراجعة أصلاً بنسبة 90 في المئة في السنوات التسع الأخيرة.

بدوره، يؤكد رئيس جمعية تجار الأشرفية أنطوان عيد تراجع الحركة بنسبة 80 في المئة هذا العام، وكذلك تراجع حركة الاستيراد بالنسبة ذاتها.

كيروز: المستهلك اللبناني خسر 80 في المئة من قدرته الشرائية، ولم يعد يفكر سواء بتأمين المأكل والمشرب

حال أسواق جونيه والكسليك مشابه، وليس بأفضل على الإطلاق، ويؤكد رئيس جمعية تجار جونيه السابق روجيه كيروز تراجع الطلب بنسبة تصل إلى 70 في المئة. ويضيف: "المستهلك بالكاد يؤمن المأكل والمشرب، فكيف سينفق على سلع كمالية".

 

إفلاسات بالجملة

في خضم هذا الواقع، اختار قسم كبير من المؤسسات التجارية الإقفال، بما فيها شركات كبيرة عالمية مثل دارين إنترناشونال (الشايع) وغيرها الكثير. وتقدر جمعية تجار بيروت نسبة المؤسسات التي أقفلت أبوابها بنحو 40 في المئة. وعمد البعض الآخر إلى إقفال فروع أو علامات تجارية معينة لترشيد الإنفاق. ويؤكد شماس أن جزءاً كبيراً من المحال التجارية الصغيرة التي تشكل السواد الأعظم من المؤسسات التجارية والمنتشرة في الأسواق صفت محالها وأقفلت، في حين أن بعضها لجأ إلى تسريع نصف موظفيهم للصمود.  

وتقدر جمعية تجار الأشرفية نسبة المحال التجارية التي أغلقت بنحو 15 في المئة، ويشير عيد إلى أن الانفجار سيؤول إلى رفع هذه النسبة إلى 25 في المئة، إذ إن تأخير عملية ترميم المحال ستحول دون إمكانية تشغيل مؤسساتهم من جديد.

ووصلت نسبة إقفال المحال التجارية إلى 75 في المئة في شارع الكسليك وإلى 50 في المئة في جونيه، وفق كيروز.

 إقرأ: 
الأسواق التجارية في لبنان تئن تحت وطأة كورونا والدولة غائبة

انخفاض الهامش التجاري

بهدف استقطاب الحد الأدنى من المستهلكين، عمدت المؤسسات التجارية إلى خفض أسعارها، لنجد أن الأسعار لم ترتفع بالنسبة ذاتها التي ترتفع فيه سعر الدولار. ويشير شماس إلى أن المؤسسات خفضت الهامش التجاري، حتى بات منخفضاً جداً ولا يكفي لتغطية التكاليف التشغيلية للمؤسسة.

بدوره، يلفت عيد النظر إلى أن الجمعية حثت التجار على تخفيض الأسعار وتحمّل جزء من انهيار الليرة بهدف استقطاب الحد الأدنى من الزبائن، باعتبار أن جزءاً من التكاليف لا تزال بالليرة اللبنانية، بما يشمل رواتب الموظفين وأحياناً الإيجارات.

ويضيف كيروز أن جزءاً من التجار يبيعون على سعر صرف 2500 ليرة، لكنها مسألة وقت، إذ عندما سيستوردون بضائع جديدة ستكون على سعر صرف السوق السوداء، لافتاً النظر إلى أن أزمة أكبر ستتبلور في شباط المقبل، إذ ان التجار لن يتمكنوا من استيراد البضائع ولاسيما أن المصارف وضعت سقفاً للسحوبات بالليرة اللبنانية لا يتخطى 25 مليون ليرة.

وعما إذا كان جزء من التجار اعتمد سياسة تنويع مصادر البضائع والتوجه نحو أسواق أقل كلفة مثل تركيا والصين أو حتى التوجه إلى الصناعة المحلية، باعتبارها أقل كلفة وأدنى سعراً، فيشير عيد إلى أن المستهلك اللبناني يفضل دائماً الجودة والنوعية على أي شيء آخر، ولن تكون سياسة التخلي عن العلامات التجارية الفاخرة مجدية.

 إقرأ أيضاً: 
انفجار بيروت: ضربة قاضية للأسواق التجارية

حركة بلا بركة

أما فترة الأعياد التي لطالما كانت تنعش القطاع، لم تسعفه هذا العام. ويقول شماس: "نرى زحمة في الأسواق التجارية والمحال لكنها لا تنعكس تحسناً في المبيعات، وذلك بسبب تراجع قدرات وإمكانات اللبنانيين على الشراء"، وقد شهدت محال الألعاب والهدايا والإلكترونيات تحسناً طفيفاً ولكن ليس على قدر الطموحات.

ويتوافق عيد مع كيروز على أنه ثمة تحسن طفيف في الحركة قبل فترة الأعياد، لكنها تبقى أقل بنسبة 70 في المئة عن الفترة ذاتها من العام الماضي، ويلفت النظر إلى أن الطلب يتأتى من بعض اللبنانيين المغتربين، في غياب شبه تام للسياح الخليجيين والأوروبيين.

 

المطلوب حكومة حيادية

ولا بوادر أمل تلوح في الأفق، إذ إن استمرار الوضع على ما هو عليه، سيؤول إلى المزيد من الإفلاسات وإلى إغلاق المزيد من المحال التجارية وخروج بعض العلامات التجارية من السوق. ويعتبر شماس أن الحل رهن الأوضاع السياسية، ولا مجال لإنقاذ البلد سواء عبر تشكيل حكومة حيادية تكون شفافة في التعاطي مع الملفات الاقتصادية، ويختم مشدداً على ضرورة تشكل حكومة قادرة على التفاوض مع صندوق النقد الدولي حول برنامج يأتي بأموال من الخارج.