المراكز التجارية في لبنان نحو الانهيار؟

  • 2020-06-13
  • 08:35

المراكز التجارية في لبنان نحو الانهيار؟

القيمون على القطاع يدقون ناقوس الخطر: إما الدعم الحكومي أو البقاء للأقوى

  • رانيا غانم

بعد إقفال دام أكثر من شهرين ومع بدء الحياة بالرجوع تدريجياً إلى طبيعتها، عادت المراكز التجارية والمولات وفتحت أبوابها أمام الزوار ملتزمة بإجراءات الوقاية والحماية للموظفين والزوار وساعات العمل المحددة، لكن تحديات وعقبات عدة تواجه عودة القطاع الذي لم يكن في أحسن حال قبيل انتشار فيروس كورونا المستجد، فالمولات كانت تترنح أصلاً تحت وطأة الضغوطات الاقتصادية والمالية والقرارات العديدة التي اتخذتها الحكومة في الفترة السابقة، تبلورت تراجعاً في عدد الزوار وفي المبيعات.

أزمة المراكز التجارية قديمة جديدة بدأت، بحسب رئيس مجلس إدارة شركة Admic، المالكة لمركز City Mall وسلسلة BHV ميشال أبشي، منذ أكثر من سنة عندما اتخذت الحكومة قراراً بزيادة الرسوم على المواد المستوردة من الخارج، وتقييد حركة تحويل الأموال من المصارف إلى الخارج وكذلك ثورة 17 تشرين الأول ما تسبّب بانكماش وتراجع في الإنفاق، وأتت جائحة كورونا لتزيد الطين بلة، وفقاً لـ أبشي، إذ ألحقت أضراراً جسيمة بالقطاع التجاري بسبب الإغلاق التام للمرافق والمحال التجارية. ويؤكد أبشي في هذا الإطار، أن هذه المشاكل مجتمعة كانت كفيلة بتدهور القطاع ودفعه إلى تسريح الموظفين أو خفض الرواتب أو تعثره عن دفع الالتزامات المالية، لافتاً الانتباه إلى أن البقاء سيكون للأقوى ولمن يمتلك القدرة المالية فقط.

 

                           

 أبشي: القطاع على حافة الانهيار.. ومراكز تجارية عدة ستقفل في حال لم تقدم الحكومة الدعم 

 

الحركة تتحسن تدريجياً

 

وهنا سؤال يُطرح في ظل هذه العودة الإستثنائية، وهو هل ستتمكن المولات من إعادة الحركة إلى سابق عهدها، واستقطاب عدد الزائرين ذاته كما كان قبل انتشار كورونا والإيفاء بالتزاماتها مع الموظفين. وفي هذا السياق، يشير مدير المركز التجاري City Centre Beirut سيرج يونان إلى أنه في الأيام الأولى للإفتتاح كان عدد الزوار أقل بنسبة 50 في المئة مقارنة بالفترة ذاتها من العام الماضي، لكن بعد عشرة أيام من الافتتاح باتت أقل بنسبة 30 في المئة عن الفترة السابقة، وهذا باستثناء متاجر كارفور طبعاً، التي لم تغلق، وشهدت ارتفاعاً في المبيعات نتيجة ازدياد الطلب على المنتجات الغذائية والاستهلاكية، وقد وضعت إدارة المول حداً أقصى لعدد الزوار الذي يمكن استقبالهم يومياً بعد كورونا هو 4900 زائر يومياً وذلك التزاماً بمسافات التباعد الاجتماعي لضمان سلامة الزائرين. ويقول يونان: "أعلى رقم وصلنا إليه في مرحلة ما بعد الافتتاح 3200 زائر"، أما بالنسبة إلى المبيعات، فيلفت يونان إلى أن المحال التي حافظت على أسعار جيدة كانت مبيعاتها جيدة جداً، أما المحال التي أسعارها أصلاً مرتفعة وتبيع على سعر صرف السوق كانت لديها صعوبة في المبيع.

لكن يونان يؤكد أنه خلال فترة قصيرة ستعود الأمور إلى نصابها وتتحسن. من جهته أبشي أكثر تشاؤماً، ولا يرجح تعافي القطاع بسرعة، إذ يتوقع أن يرتاد المولات في الشهر الأول من الافتتاح 30 في المئة فقط من عدد الزائرين الذي كان سابقاً، ويقول: "عودة الحركة إلى سابق عهدها تحتاج إلى وقت طويل".

 

                     

يونان: على الرغم من الظروف الاستثنائية تمكنّا من الحفاظ على موظفينا ودفع كامل مستحقاتهم ومساندة المستأجرين

 

مولات تساند المستأجرين وأخرى لم تفعل

 

أوقعت تلك الأزمة أيضاً أصحاب محال التجزئة ومراكز التسلية والترفيه والمطاعم الموجودة داخل المولات في مأزق، وأدت إلى تعثر بعضهم وعدم قدرتهم على سداد التزامات الإيجار، وتفاوتت طرق معالجة إدارة المولات لتلك المشكلة. ويشير الرئيس التنفيذي في شركة Shopping Mall Advisory Group (SMAG) روني عون إلى أن بعض المراكز التجارية أصرّت على تحصيل كامل الاستحقاقات من أصحاب المحال التجارية، بينما أعفاها البعض الآخر من الإيجارات خلال فترة الإغلاق تفهماً للظروف الاستثنائية التي تمر بها البلاد، وهذا بدوره سيوقع المولات في مشكلة جسيمة، بحسب عون، لأنه حتى في ظل الإغلاق يترتب على إدارة المول نفقات تشغيلية مرتفعة، وذلك لأن معظم المولات تعمل وفقاً لعقود Build Operate Transfer (BOT)، وهذا يعني أن الأرض مستأجرة من البلدية أو غيرها كرواتب الموظفين، وبالتالي ثمة التزامات شهرية، وليس بقدرته تحمّل كل هذه الخسائر.

ويشير أبشي إلى أن إدارة City Mall أعفت المحال التجارية من دفع الإيجارات خلال فترة الإغلاق التام، وتمّ الاتفاق في المرحلة الحالية على دفع نسبة من المبيعات إلى حين تحسن الأمور، ويقول: "هذه المبادرة مهمة جداً وستسمح لنا بالمحافظة على المستأجرين ليتمكنوا بدورهم من التعافي"، ويضيف: "بغياب أي دعم حكومي لا يمكننا كقطاع خاص، إلا الوقوف جنباً إلى جنب مع بعضنا".

بدوره، يشير يونان إلى أن إدارة المول أعفت المستأجرين من الإيجارات في الفترة الممتدة ما بين 13 آذار/مارس ولغاية 31 أيار/مايو، ووضعت الإدارة خطة مساعدة مالية للمستأجرين المتعثرين كوسيلة بديلة عن خفض الإيجارات. ويقول: "بموجب العقود الموقعة مع المستأجرين لا يمكننا خفض الإيجارات، لذا تأتي هذه المساهمة من الإدارة لمساعدتهم على تخطي الظروف الصعبة وضمان استمراريتهم"، لافتاً إلى أن هذه المساعدة تتراوح ما بين 20 و50 في المئة من قيمة الإيجار، وتختلف بحسب حالة المحال ووضعها، والتزمت الشركة أيضاً بالحفاظ على موظفيها ودفع كامل مستحقاتهم. ويوضح يونان أنه ثمة فرصة أمام المستأجرين للإفادة من تلك الأوضاع، لأن إدارة المول لا تزال تتقاضى الإيجارات، الذي هو بالدولار، على سعر صرف الليرة الرسمي أي 1515، في حين أن منتجاتها تسعّر وفقاً لسعر صرف السوق.

وعن احتمال إغلاق بعض محال التجزئة داخل المولات، يشير يونان إلى أن بعض المستأجرين الذين انتهت عقودهم قرورا عدم تجديدها، لكن في المقابل، ثمة طلب من قبل مستثمرين جدد يعتزمون افتتاح متاجر جديدة داخل المول.

 

                                               

عون: عودة المغتربين المتنفس الشبه الوحيد للمراكز التجارية

 

تحديات القطاع

 

على الرغم من كل تلك المشاكل، والحكومة غائبة ولم تتخذ أي إجراء من شأنه دعم القطاع وتعويضه عن الخسائر التي مني بها خلال تلك الفترة، ويشير عون من SMAG إلى أن الوضع سيئ جداً، إذ إن الارتفاع الكبير في الأسعار المترافق مع انهيار القدرة الشرائية وشح السيولة سيجعلان القطاع عرضة للإنهيار، مضيفاً أن قرار مصرف لبنان بإعطاء قروض بفائدة صفر في المئة للشركات لتغطية رواتب الموظفين لم يطبّق من قبل المصارف.

بالإضافة إلى ما سبق، ثمة تغيرات جوهرية في طبيعة التسوق وتحول كبير من التجارة التقليدية إلى التجارة الإلكترونية من شأنه أن يؤثر سلباً على المولات، وتشير المؤسس والرئيس التنفيذي في Executive Consult الشركة الاستشارية المتخصصة في مجال المراكز التجارية، عايدة عرار إلى أنه في الأشهر القليلة الماضية بادر جزء كبير من وكلاء العلامات التجارية إلى الاستثمار في منصات البيع الإلكتروني، وهذا ستكون له انعكاسات على المراكز التجارية، إذ لن تحتاج إلى المساحات ذاتها التي كانت بحاجة إليها في السابق، وتضيف أنه من خلال متابعتها لحركة المبيعات ونشاط الشركات التجارية، تبين أنه ثمة إقبال كبير على الرغم من الظروف التي تمر بها البلاد، على التسوق الإلكتروني لمنتجات الألبسة والأحذية، وتقول: "تحرص المحال التجارية على تواجدها في المول للإفادة من عدد الزوار الذي يستقطبهم، لكن في حال نجحوا في البيع إلكترونياً ستنتفي الحاجة إليها".

 

ماذا يريد القيمون على القطاع؟

 

يجمع مشغلو المراكز التجارية والاستشاريون على أن القطاع دخل في حلقة مفرغة ومن الصعوبة بمكان الخروج منها من دون دعم الحكومة وتحفيزات وإعفاءات، لذا المطلوب دعم المراكز التي أقفلت قسراً يتمثل في إعفاء من الرسوم البلدية ورسوم الكهرباء، ولاسيما نفقات المولات التشغيلية مثل الكهرباء التي لم تتوقف على الرغم من الإقفال، فضلاً عن إعفاءات ضريبية مثل الضريبة على القيمة المضافة والضريبة على الأملاك المبنية، ويقول أبشي: "يشغل القطاع ما بين 10 و11 ألف شخص، ويحقق إيرادات كبيرة للدولة لأنه قطاع منظم ومقونن، فجميع الشركات تصرّح عن إيراداتها الفعلية وتدفع الضرائب والرسوم بانتظام وجميع الموظفين مسجلين، لذا ثمة إفادة كبيرة للدولة من استمرارية القطاع وتعافيه، وانهياره سينعكس سلباً على الناتج المحلي وعلى موارد الدولة"، ويضيف:"الدعم الحكومي قد يسمح لبعض المولات بلملمة جراحهم والاستمرار بصحة سليمة".

ويلفت عون النظر إلى أن إعادة فتح المطارات وعودة المغتربين إلى ديارهم قد يكون متنفساً للقطاع. ويقول: "سيأتي هؤلاء مع أموالهم بالعملة الصعبة وسينفقون الكثير في لبنان"، مضيفاً أن لبنان لا يزال يعتبر من المناطق الآمنة نسبياً من ناحية كورونا مقارنة بدول سياحية مثل أوروبا وأميركا وغيرها، وقد يستقطب الكثير من السياح الخليجية، قائلاً: قد يكون لبنان وجهتهم السياحية المفضلة في ظل تلك الظروف".

 

الحلول الطويلة المدى

 

أما في ما يتعلق بالحلول التي يمكن أن تعتمدها المراكز التجارية لتجاوز العقبات والتغيرات في عادات المستهلكين، فتشير عرار إلى ضرورة إحداث تغيرات جوهرية في طبيعة الخدمات التي تقدمها، وتقترح عرار إضافة المزيد من الخدمات المتعلقة بالتسلية والترفيه والتوجه أكثر نحو المولات المتخصصة مثل: الخدمات الطبية أو مراكز التجميل أو نواد رياضية أو مكاتب مفتوحة للشركات وغيرها.  فثمة العديد من الأفكار الخلاقة للتسلية والترفيه بعيداً عن مدينة الملاهي. وتقول عرار: "من غير الممكن أن نبقي المولات على النهج نفسه، فمعظمها لديه مساحات شاسعة، ومن غير المقبول إشغالها بمحال الألبسة والمفروشات والمطاعم فقط"، مضيفة أنه لن تكون للمواطنين القدرة الشرائية في المستقبل القريب على الاستمرار في الحياة الرفاهية كما في السابق.

 

                                           

عرار: المطلوب تغيير ثقافة المولات والتوجه نحو المراكز المتخصصة وتنويع الخدمات

 

وتشير عرار إلى أن أحد الحلول أيضاً يتمثل في تحويل جزء من المولات إلى منافذ لبيع المنتجات بخصومات مرتفعة (outlet mall)، وهذا برأيها لا يحتاج إلى استثمارات إذ يكفي استبدال المحال المستأجرة حالياً بمحال تقدم هذا النوع من المنتجات. وتقول: "نحتاج فقط إلى تغيير ثقافة الشركات المشغلة للمولات وتقبّل فكرة افتتاح هذا النوع من المتاجر الذي يتناسب وقدرات جميع المستهلكين"، لافتة النظر إلى ضرورة ابتكار أفكار خارجة عن المألوف لأن النموذج المعتمد حالياً لم يعد يجدي نفعاً.