هل تسترد الدولة اللبنانية قطاع الاتصالات النقالة؟

  • 2020-01-22
  • 13:40

هل تسترد الدولة اللبنانية قطاع الاتصالات النقالة؟

  • إياد ديراني

 دخل قطاع الاتصالات النقالة اللبناني مرحلة تجاذبات مع إنتهاء عقدي الشركتين اللتين تديران شبكتي الاتصالات النقالة "تاتش" و"ألفا"، وبات بندا على أجندة صراع القوى السياسة. فقد مدّد وزير الاتصالات محمد شقير عقدي الشركتين لمدة ثلاثة أشهر إضافية مخالفا بذلك توصية لجنة برلمانية متخصصة قضت برفض التمديد ومباشرة وزارة الاتصالات بالإجراءات القانونية لاستعادة إدارة الشركتين خلال 60 يوما. وتدير الشركتان كل من مجموعة زين الكويتية (تاتش) وأوراسكوم المصرية (ألفا) منذ نحو 11 عاما عندما ربحتا مناقصة خلال مرحلة تولي الوزير جبران باسيل وزارة الاتصالات. ومرت الشركتين في مراحل مختلفة من التجديد والتمديد لعملهما.

ويقول رئيس لجنة الاعلام والاتصالات النيابية النائب حسين الحاج حسن حول استرداد إدارة الشركتين: "من يُدير القطاع اليوم، أليست هي الدولة؟ نحن نقوم بخطوة مؤقتة، لأن مدة العقد مع الشركتين إنتهت. لكن النقاش أحيانا في القانون يصبح وجهة نظر، فيما النص القانوني واضح، لقد وصلنا إلى حالة إهتراء في العمل المؤسساتي لا سابق لها. ثانيا، لقد انتهت مدة العقدين والحكومة لم تُجدد، وبهذه الحالة القانون ينص على الاسترداد. ما المطلوب منا في هذه الحالة؟ هل المطلوب عدم تطبيق القانون؟ والاسترداد ليس حدثا غير مسبوق، إذ سبق أن استردت الدولة القطاع مرتين آخرهما عام 2008 ثم قامت بالتلزيم من جديد. المطلوب اليوم الاستراداد وهذا لا يحتاج إلى قرار من مجلس الوزراء. وللبت بقانونية الموضوع سنستشير هيئة التشريع والاستشارات عبر وزارة العدل".

أما وزير الاتصالات الذي مدد للشركتين، فيعتبر أن استرداد الإدارة مرتبط بموافقة مجلس الوزراء، مع أن تكليف مجلس الوزراء له بتمديد العقدين خلال العام الماضي تضمّن التالي: "قرر مجلس الوزراء السماح لوزير الاتصالات بتمديد عقدي إدارة شبكتي الهاتف الخليوي مع الشركتين المشغلتين، أي "شركة الاتنصالات المتنقلة" و"أوراسكوم تيليكوم ميديا"، وذلك لمدة تنتهي بتاريخ 31/12/2109".

الاسترداد حتمي

وعمليا استندت اللجنة البرلمانية في توصيتها باسترداد القطاع إلى العقد الموقع مع الشركتين، والذي نص على أنه في حال عدم التجديد أو استلام شركات جديدة تسترد الدولة القطاع خلال 60 يوما. وهذا يعني أن الدولة اللبنانية تقوم من خلال "هيئة مالكي القطاع" المعينة من وزارة الاتصالات بالتحضير لعملية التسليم والتسلّم خلال 60 يوما من خلال التنسيق مع إدارة الشركتين، ومن ثم تقوم الوزارة بتعيين من يتولى إدارة الشركتين، على أن يتابع موظفي الشركتين البالغ عددها 2100 عملهم، أما المدراء السبعة المعيّنين من جانب الشركتين الأجنبيتين فتستبدلهم الوزارة بمدراء جُدد.

سوء الإدارة

في مرحلة تولي الوزير نقولا الصحناوي وزارة الاتصالات عام 2012 تم نقل الانفاق الاستثماري والتشغيلي من الشركتين إلى الوزارة. وهو ما أدى بحسب مراقبين إلى تدهور كبير في أسلوب الإدارة والتعامل مع العقود وتلزيم شركات خاصة للقيام بأعمال غير ضرورية والتوظيف الحزبي والسياسي إضافة إلى سوء استخدام المال في الشركتين وتوظيفه في الحملات السياسية والرعايات العشوائية وإجراء تلزيمات تشغيل وعقود بطريقة غير شفافة مثل عملية نشر محطات الإرسال في بعض المواقع التي يستفيد منها ماليا أشخاص محسوبون على أطراف سياسية. وقد استفاد جميع الوزراء المتعاقبين على الوزارة والجهات السياسية التي ينتمون إليها بطريقة مباشرة أو غير مباشرة من سياسة الإنفاق غير الشفافة في الشركتين، خلال الأعوام السبعة الماضية.

وحول سياسة إدارة القطاع يقول نائب رئيس الوزراء في حكومة تصريف الأعمال غسان حاصباني أن ما فعلته لجنة الاتصالات والإعلام هو خطوة غير مناسبة لكن المفيد فيها هو كشف القناع عن واقع غير منطقي يتمثل بسيطرة الدولة على قطاع يتطلب الديناميكية والتفاعل المستمر مع التطورات، فضلا عن إدارة وزير لشركتين من دون العودة إلى آليات العمل الحكومي التي تتضمن موازنات مسبقة ورقابة على الإنفاق من مجلس الوزراء مجتمعا. ويضيف حاصباني الذي سبق أن شغل مناصب قيادية في قطاع الاتصالات من بينها الرئيس التنفيذي للعمليات الدولية في مجموعة الاتصالات السعودية: "المطلوب هو تطبيق قانون تنظيم قطاع الاتصالات رقم 431 بعد إجراء بعض التعديلات الضرورية عليه لأنه أُقر عام 2002".   

تدهور الايرادات

وساهمت سياسة الإنفاق المُعتمدة في تراجع عائدات القطاع من دون مبرّر واضح. وفي التفاصيل، تراجعت إيرادات خزينة الدولة من 1.1 مليار دولار عام 2010 إلى 890 مليونا عام 2018 أي بنحو 20.7 في المئة على الرغم من ارتفاع الإيرادات المحصلة من المشتركين بنحو 9.7 في المئة خلال الفترة نفسها أي من 1.416 مليار دولار إلى 1.554 مليار. السبب الأساسي في هذا التراجع هو تضخّم إجمالي النفقات من 289 مليون دولار عام 2010 إلى 660 مليون عام 2018، أي بزيادة 128 في المئة. أما النفقات التشغيلية فارتفعت من 243.5 مليون دولار إلى 463.5 مليونا، وأهم بنود هذا الإنفاق كانت: رواتب الموظفين حيث بلغت نسبة الزيادة فيها نحو 155 في المئة، والدعاية والإعلان (655 في المئة)، إيجارات المكاتب والمحطات (108 في المئة) صيانة الشبكات (82 في المئة).  

ارتفاع إيرادات المشتركين وانخفاض عائدات الخزينة (2010 – 2018)

وتعليقا على هذا الجانب يقول حسان قباني الذي شغل مناصب قيادية في القطاع منها رئيس تنفيذي لعدة شركات مثل "زين" السعودية، "أورانج" مصر و"أوراسكوم" الجزائر، أن من يريد بناء اقتصاد سليم عليه النظر إلى قطاع الاتصالات بطريقة مختلفة لا أن يعمد إلى استرداده وأن يعتبره مجرد مصدر لتغذية خزينة الدولة". ويضيف: "في الوقت الذي يعاني فيه لبنان من مالية متعثرة، نرى الدولة غير قادرة على إدارة وتنمية أصولها وايراداتها. ويضيف: "لبنان غير مفلس، لأنه يمتلك عدد كبير من الأصول والقطاعات الإنتاجية، نحن بأمس الحاجة لوضع رؤية اقتصادية لأنها مع الأسف غير موجودة".

وعن هذا الجانب يقول الحاج حسن: "الخطوة الأساسية لتطوير هذا القطاع وتنمية إيراداته تكمن في تكوين رؤية متكاملة، وهذا من مسؤولية الحكومة المقبلة. وبرأينا، الحلّ الحقيقي المتكامل يكون بتطبيق قانون تنظيم قطاع الاتصالات رقم 431 الذي لم يقم أحد بتطبيقه. وعندما لا يتم تطبيق القوانين ولا نفعّل الهيئة الناظمة ولا نطوّر القطاع، نصل إلى حالة متردّية كالتي وصلنا إليها اليوم". 

وحول تدهور الإيرادات يقول حاصباني، عمليا تم استرداد قطاع الاتصالات النقالة في لبنان إلى الدولة منذ عام 2012، لأنه منذ ذلك التاريخ وزارة الاتصالات تقرر بكل شاردة وواردة من التوظيف إلى عقود المزوّدين وحتى إختيار مواقع أبراج الاتصالات وغيرها من النشاطات من دون أي رقابة. ويصف حاصباني الشركتين والوزارة بأنهما "وجهان لعملة واحدة"، ويضيف: "سواء بقي القطاع مع الشركتين أو استردته الدولة فإن الوزارة هي المسؤولة عن القطاع. وبوضوح، وزير الاتصالات هو من يدير قطاع الاتصالات النقالة في لبنان وليس الشركتين، من خلال عقود مقنّعة. مع العلم أنه لا يوجد بلد واحد في العالم يعتمد هذا النموذج الهجين والغريب في إدارة وتشغيل قطاع الاتصالات. وكل هذه الفوضى تحصل في ظل حاجة لبنان لزيادة إيرادات الخزينة". ويتفق معه قباني الذي اعتبر أنه "في حين تتجه كل الدول إلى ترشيق مؤسساتها وتخفيض حجم القطاع العام ورفع مستويات الحوكمة، نرى لبنان يسير "عكس السير"، فيرفع عدد موظفي مؤسسات الدولة ويسترد قطاعات لا يستطيع تطويرها بسبب الحسابات السياسية ومنطق الريوع".

ويختم قباني قائلا: "قطاع الاتصالات في كل دول العالم يُعد داعما للتنمية الاقتصادية فيما نحن نعمل على استنفاذ قدراته وتعريته مع غياب لأي سلطة رقابية تنظيمية مثل هيئة تنظيم الاتصالات. وعموما لا تستطيع المؤسسات الحكومية تطوير هذا النوع من القطاعات لأنه يتطلب ديناميكة غير متوفرة لدى القطاع العام، الذي لا يتمتع بالقدرات الإنتاجية ذاتها التي يوفّرها القطاع الخاص".