أزمة لبنان الاقتصادية: تراجع الإنفاق عبر البطاقات المصرفية

  • 2020-10-13
  • 13:50

أزمة لبنان الاقتصادية: تراجع الإنفاق عبر البطاقات المصرفية

  • رانيا غانم

تركت الأزمة الاقتصادية في لبنان والضوابط التي وضعها مصرف لبنان على السحوبات بالدولار تداعيات كثيرة على المصارف وعلى حاملي البطاقات المصرفية، إذ شهدت الأشهر التسعة الأولى من العام الحالي انخفاضاً في قيمة المدفوعات والعمليات المالية التي تتم عبر البطاقات المصرفية الدائنة والمدينة، كذلك شهدت العمليات المصرفية التي تتم عبر الإنترنت للخارج انخفاضاً لافتاً للانتباه في قيمتها وذلك نتيجة السقوف المالية التي وضعتها المصارف على البطاقات الدائنة بالدولار. وآثر كثيرون عدم استخدام بطاقاتهم المدينة من حساباتهم بالدولار لأن بعض التجار يحتسبون الدولار على سعر صرف 1505 ليرات، في حين أن تجار آخرين يحتسبونها على سعر صرف "منصة صيرفة" أي على سعر 3850 ليرة، بينما يتراوح سعر صرف الدولار في السوق السوداء اليوم ما بين 7800 إلى 9 آلاف ليرة، من دون سعر ثابت أو واضح.. 

لكن في مقابل الهروب والعزوف عن استخدام البطاقات "المدولرة"، إلا أن الشهور الأخيرة الماضية شهدت تهافت شركات كبيرة وتجار صغار إلى اعتماد خيار الدفع الإلكتروني على حساب الدفع النقدي، فارتفعت قيمة العمليات الالكترونية لكنها بقيت محصورة بتلك التي تتم بالليرة اللبنانية.

 

تراجع الإنفاق عبر البطاقات

 

ويؤكد الرئيس التجاري في شركة أريبا رمزي الصبوري أن الإنفاق المالي عبر نقاط البيع المنتشرة في مختلف المناطق اللبنانية تراجعت قيمتها بالدولار بنسبة تراوحت ما بين 50 و60 في المئة نتيجة الاستنسابية في استخدام نقاط البيع، فالإنفاق عبر نقاط البيع اقتصر على السوبر ماركات والصيدليات ومحطات البنزين، لافتاً النظر إلى أن قيمتها بالليرة اللبنانية ارتفعت حتماً نتيجة التضخم، لكن هذا الارتفاع لا قيمة له لأن المصارف وأريبا تحاسب الشركات العالمية مثل فيزا وماستركارد بالدولار.

 

الصبوري: 30 في المئة من الإنفاق على البطاقات المصرفية كان يتم عبر السياح

 

أما مديرة الصيرفة بالتجزئة في بنك لبنان والمهجر جوسلين شهوان فتشير إلى أن الإنفاق المحلي عبر البطاقات المصرفية انخفض بمعدل 35 في المئة منذ بداية العام الحالي، وهذا يعود إلى انخفاض القدرة الشرائية لدى الأفراد وتراجع شهيتهم على التسوق وارتياد المطاعم بسبب الأزمة الاقتصادية من جهة وجائحة كورونا من جهة أخرى، مؤكدة أن الإنفاق شهد انخفاضاً عالمياً خلال الجائحة وذلك بسبب الإغلاق التام وتراجع حركة السياحة والسفر.

 

أسباب التراجع

 

يعزو الصبوري الانخفاض في قيمة العمليات المالية التي تمت عبر نقاط البيع إلى انخفاض القدرة الشرائية لدى المستهلكين نتيجة ارتفاع قيمة الدولار مقابل الليرة اللبنانية وبالتالي تراجع شهية المستهلكين على التسوق والإنفاق على المطاعم والمنتجات الكمالية، إذ باتت أولوياتهم الإنفاق على المواد الغذائية ومحطات الوقود أكثر منها على محال التجزئة والمطاعم. ويضيف الصبوري أن جزءاً كبيراً من الانخفاض في قيمة العمليات المالية عبر نقاط البيع يعود إلى كون نحو 30 في المئة من تلك البطاقات كان يستخدم من قبل السياح الوافدين إلى لبنان، وقد فقدت البلاد هذه الشريحة بأكملها منذ بداية العام.

بدوره، يؤكد مدير شركة فيزا في لبنان والعراق ماريو المكاري أن مبيعات المنتجات الأساسية مثل العناية الشخصية والبقالة وخدمات توصيل الطعام والبقالة ارتفعت بنسبة ملحوظة، في حين انخفضت مبيعات المواد غير الأساسية مثل الملابس والإلكترونيات والمطاعم وغيرها.

 

إقرأ:
 مصر الأولى عربياً في خدمات الدفع والمحافظ الإلكترونية

 

 

 انخفاض في الإنفاق الخارجي 

 

لم يقتصر التراجع في قيمة العمليات المصرفية على نقاط البيع، إذ شهد الدفع عبر الإنترنت تراجعاً واضحاً في قيمته بلغت نسبته 90 في المئة منذ بداية العام، بحسب الصبوري، وهذا يعود إلى أن معظم المشتريات عبر الإنترنت كانت تتم من خلال مواقع ومنصات إلكترونية خارجية مثل "علي إكسبرس" أو "أمازون" و"علي باب" وغيرها من المنصات العالمية، وقد تراجعت المشتريات عبر تلك المنصات نتيجة السقوف المالية التي وضعتها المصارف على الدولار بقيمة لا تتخطى الخمسين دولار شهرياً.  ويستحوذ "علي إكسبرس" وحده على 70 في المئة من المشتريات عبر الإنترنت.

وتتفق شهوان مع الصبوري، مشيرة إلى أن الإنفاق خارج لبنان انخفض بنسبة تراوحت ما بين 80 و90 في المئة، وهذا يعود إلى الضوابط التي وضعتها المصارف على الإنفاق بالدولار. وتلفت النظر إلى أن معدل الإنفاق على البطاقات لعمليات خارجية تفاوت بين مصرف وآخر إذ سمح بعضها بكمية قليلة جداً اقتصرت على مدفوعات التطبيقات مثل Netflix وغيرها.

 

شهوان: الأزمة ولدت تراجعاً غير مسبوق في شهية المستهلكين على الإنفاق

 

لكن في المقابل، كان ثمة ارتفاع في قيمة الإنفاق المحلي عبر الإنترنت تخطت نسبته 30 في المئة، وفق شهوان، مشيرة إلى أن هذا النوع من الإنفاق كان يشهد نمواً سنوياً تتراوح نسبته ما بين 30 و40 في المئة.

 

 تحول في طرق الدفع

 

في مقابل هذا التراجع في الدفع عبر الإنترنت، كان ثمة تغير كبير في تصرفات التجار سواء كانوا شركات كبيرة أو مؤسسات صغيرة ومتناهية الصغر، وتوجه كثر نحو استخدام المنصات المخصصة للدفع أونلاين عبر الإنترنت. ويشير الصبوري إلى أنه منذ بداية الثورة وما ترافق معها من إغلاق للطرقات وإقفال لبعض المحال، توجهت شريحة كبيرة من التجار والمؤسسات المتناهية الصغر والأفراد الذين يسوقون لمنتجاتهم الخاصة إلى البيع الإلكتروني، إما عبر منصاتهم الخاصة أو عبر وسائل التواصل الاجتماعي مثل فايسبوك وانستغرام ويقول: "رأينا قفزة نوعية من ناحية تبني التجار لخيارات الدفع الإلكتروني، وحققنا نمواً في الطلب على تلك الخدمة بلغ 35 في المئة في الأشهر التسعة الأولى من العام الحالي، وكنا نحتاج سابقاً إلى عامين لكي نحقق نسب النمو هذه".

وقدمت أريبا خلال تلك الفترة خدمة simplify عبر منصة لماستركارد، وهي خدمة مخصصة لصغار التجار، وتتيح تلك الخدمة لأي تاجر أن يقدم للمستهلكين خدمة الدفع الإلكتروني خلال ثلاثة أيام فقط، من دون أن يتكبد كلفة مرتفعة. ويضيف الصبوري أن فئة كبيرة من الناس التي فقدت عملها، توجهت إلى إنشاء المنصات الخاصة بها وتسويق منتجاتها عبر وسائل التواصل الاجتماعي أو مواقع متخصصة.

وأطلق بنك لبنان والمهجر خدمة جديدة لصغار التجار من أجل تحفيزهم لتبني الدفع عبر الإنترنت، وتشير شهوان إلى أنه قبل أشهر قليلة كان التاجر يحتاج إلى موقع إلكتروني وإلى اسم خاص لكي يتمكن من تقديم خدمة الدفع عبر الإنترنت وإصدار فاتورة لزبائنه، لكن اليوم بات بإمكانه الحصول على تلك الخدمة من دون الحاجة إلى موقع إلكتروني واسم خاص أي بات بإمكان أي شخص يسوق منتجاته عبر إنستغرام أو فايسبوك أن يؤمن لزبائنه خدمة الدفع عبر الإنترنت. وتضيف: "لم يعد صغار التجار بحاجة إلى أي متطلبات لتقديم تلك الخدمة وهذا من شأنه أن يشجع العالم على الدفع عبر الإنترنت".

 

 إقرأ: 
دي إتش ال: كورونا غيّر الأنماط التجارية

 

بدوره، يشير المكاري من فيزا إلى أن فترة الإغلاق غيّرت سلوك المستهلكين إلى حد كبير بعد أن باتوا مضطرين لقضاء وقت أكبر في المنزل، بحيث تحولت شريحة كبيرة نحو التسوق عبر الإنترنت. ويضيف أن تجربة التسوق السلسة والآمنة التي توفرها شركات الدفع الإلكترونية للتجار والمستهلكين أدت إلى زيادة غير مسبوقة في الطلب على معاملات التجارة الإلكترونية وزيادة مطردة في الشراء عبر الإنترنت وفي المدفوعات. ويشير مكاري إلى ارتفاع الطلب على خدمة Online Checkout من فيزا، وأعلنت أخيراً عن التوسع في خدمة Click to Pay  التي تساعد المستهلكين على إجراء عمليات شراء آمنة وسريعة عبر الإنترنت وهو حل مبتكر من شأنه أن يساعد التجار على توفير منصة تجمع العديد من العلامات التجارية، وتجربة رقمية شاملة أسهل وأكثر سلاسة.

 

المكاري: كورونا عززت ورقمنة المدفوعات

 

تصحيح للسوق

 

إذاً، الأزمة الاقتصادية وكورونا خلقتا حركة تصحيحية في السوق، ويقول الصبوري "للأسف لم يغير المستهلكون عاداتهم وتصرفاتهم إلا بعد تلك الأزمة، علماً أن هذا التصحيح كان ينبغي أن يحصل منذ أكثر من خمس سنوات"، وكان لافتاً الارتفاع في نسبة إصدار البطاقات المباشرة (Debit Cards)، وفقاً لـ شهوان، خصوصاً بعد أن أغلقت المصارف أبوابها خلال فترة التعبئة وذلك للوصول إلى أموالهم، وقد استخدم الأفراد البطاقات المدينة أكثر من البطاقات الدائنة، لأن الأخيرة معظمها بالدولار، فضلاً عن أن المصارف وضعت سقوفاً مالية لاستخدام البطاقات الدائنة بالعملتين اللبنانية والدولار.  

 

نحو مجتمع غير نقدي

 

ويخلص مكاري إلى القول بأن الأزمة الأخيرة سرعت العمل على توجهات عدة مثل رقمنة النقد وتقنية النقر للدفع (Tap to Pay) والتحول نحو التجارة الإلكترونية والخدمات ذات القيمة المضافة، ويضيف أن التوجه نحو مجتمع غير نقدي سيكون له دور أساسي في الانتعاش الاقتصادي من خلال تلبية حاجات المستهلكين المتزايدة للتجارب الرقمية، وتحرص فيزا على تقديم خدمات كثيرة مثل الدفع اللاتلامسي عند التسوق في المتاجر أو عند الدفع عن طريق البطاقة أو الإنترنت، وتعمل فيزا مع شركائها وكذلك شركات التقنية المالية عن كثب، للدفع نحو الشمول المالي ولتوعية المستهلكين حول أهمية بلوغ مجتمع غير نقدي، ويؤكد مكاري أن جائحة كورونا عززت بالفعل الاتجاهات الحالية ورقمنة المدفوعات.  

 

 لقراءة المزيد: 
إطلاق "Zaky".. المحفظة الرقمية الأولى من نوعها في لبنان