أمير الوئام العربي

  • 2020-09-30
  • 22:18

أمير الوئام العربي

  • بيروت – "أوّلاً- الاقتصاد والاعمال"

غاب أمير الكويت الشيخ صباح الأحمد الصباح وانطوت بغيابه أوراق وملفات وأسرار ستة عقود من تاريخ الكويت والخليج والعالم العربي، كان فيها ومنذ تعيينه وزيراً للخارجية (ولم يكن تجاوز الـ 34 عاماً من العمر) رجل الحوار والايجابية والتسويات والتقارب، وهو الذي لم تفارق الابتسامة وجهه حتى في أصعب الأوقات، لذلك لم يكن صدفة أن شغل منصب وزارة الخارجية 40 عاماً متواصلة، كان فيها المهندس المؤسِّس لسياسة خارجية بعيدة النظر جعلت الكويت تتميّز دوماً بمواقفها المتقدِّمة والداعمة للقضايا العربية والتعاون العربي، كما  نجحت السياسة الخارجيّة الحكيمة التي رسمها في الحفاظ على وسطية الكويت ومصالحها وسط التوازنات والتجاذبات والأزمات الإقليميّة، ونظراً إلى خبرته الواسعة في الدول العربية وصداقته مع قياداتها وشخصيته المحببة، لعب الشيخ صباح الأحمد أدواراً كبيرة في معالجة الأزمات العربية وتقريب المواقف بين الأطراف المتنازعة، وقد كان الشخصية الموثوقة من الجميع ليكون الحكم العدل والوسيط المحايد والإيجابي في خلافاتها.

 

للمزيد:

غياب أمير الكويت: إنجازات تروي مسيرته الوطنية والعربية والدولية

 

أدار المغفور له الأمير صباح الأحمد الصباح علاقات الكويت الخارجية بحذق ومهارة كان يتطلبهما واقع الدولة الناشئة وما تعيشه يومياً من تقاطع مصالح ونزاعات أدت أحياناً إلى حروب طاحنة، كما انسجمت السياسة الخارجية التي رسمها مع موقع الكويت الجغرافي ومجاورتها لدول إقليمية كبيرة. وبالنظر إلى الدور البارز الذي لعبه في حمل قضية الكويت إلى العالم أثناء الغزو العراقي، فقد تم تعيينه بعد التحرير مباشرة نائباً أول لرئيس الوزراء وقام بهذه الصفة بدور كبير في الإشراف على عمليات إزالة آثار الحرب وإطلاق ورشة الاقتصاد والنفط وإعادة الإعمار.

وربما واستشعاراً منه للوضع الدقيق للمنطقة، فقد كان الأمير صباح الأحمد الصباح رائد فكرة إنشاء مجلس للتعاون بين دول الخليج، ولم يكن صدفة أن برزت فكرة تأسيس المجلس ثم الإعلان عنه وعن ميثاقه بعد عام من اندلاع الحرب العراقية الإيرانية، أي في العام 1981.

رافق الشيخ صباح الأحمد وضع أول دستور للكويت صادق عليه الأمير عبد الله السالم الصباح سنة 1962 كما رافق أول انتخابات تشريعيّة تجري في البلاد بموجب الدستور الجديد، وبذلك فإنه كان شاهداً على ولادة التجربة السياسيّة الكويتيّة كما ارتسمت معالمها بعد الاستقلال، وهو كان شاهداً أيضاً على تطوِّرها خلال أكثر من نصف قرنٍ من الحياة السياسيّة وخصوصاً في ظل عهده كأمير للبلاد.

أخيراً، فإن الأمير الراحل هو عملياً آخر أبناء الرعيل المؤسس لدولة الكويت الحديثة، وبهذا المعنى، فإن غيابه يختتم مرحلة، كما إنه يفتح الكويت على مرحلة جديدة هي مرحلة الجيل التالي من الحكام الذين ولدوا في الكويت المستقلّة ونشأوا في رعايتها، وهؤلاء القادة الذين عاشوا زمناً مختلفاً واكتسبوا معارف ومهارات وخبرات التعامل مع العالم المعاصر سيكونون على أتم الاستعداد لمتابعة مسيرة الكويت الغنية والمثيرة، لكنهم سيكونون بلا شك في حاجة للتمعن في تجربة ونهج الأمير الحكيم والدروس الكثيرة التي تتركها للكويت وللمنطقة العربية.