ماذا يعني انفجار مرفأ بيروت؟

  • 2020-08-05
  • 22:04

ماذا يعني انفجار مرفأ بيروت؟

خبراء اقتصاديون: انفجار مرفأ بيروت كارثة.. ولا حلول إلا بالمساعدات الدولية

  • بيروت - خاص - "أوّلاً - الاقتصاد والأعمال"

 

يوم أمس الثلاثاء نامت بيروت على كارثة بحجم وطن. انفجار كبير في مرفأ بيروت. دمار هائل ظن للوهلة الأولى بأنه ناجم عن قنبلة نووية صغيرة. ساعات قليلة بدأت الحقائق بالتكشف، ليتضح لاحقاً أن ما جرى ليس سوى نتيجة إهمال سنوات ست، المسؤول بالدرجة الأولى عنه سلطة فاسدة لا تقيم وزناً لرعاياها ولا قيمة لحيواتهم، وإلا كيف يمكن لهذه السلطة أن ترضى بتخزين مواد كيماوية وزنها 2700 طن من النيترات والتي قدرت قوتها بنحو 21 طناً من مادة الـ "تي أن تي" الشديدة الانفجار، في مرفأ تحيط به المناطق السكنية المأهولة من كل جانب!؟ وكيف يمكن لهذه السلطة أن تقدم على هذه الخطوة، على الرغم من كل التقارير التي أشارت إلى خطورة تخزين هذه المواد في المرفأ؟

وفي انتظار ما ستكشفه تحقيقات الأيام المقبلة حول أسباب الانفجار وما ستحمله من تطورات على صعيد تحميل المسؤوليات والمحاسبة، فإن لبنان يعيش اليوم كارثة بكل ما للكلمة من معنى مع تعطّل الشريان الاقتصادي الأهم، أي مرفأ بيروت الذي تعبر منه ما نسبته 70 في المئة من البضائع المستوردة من الخارج. فما هي تأثيرات وانعكاسات انفجار مرفأ بيروت على الاقتصاد الوطني؟ وكيف ستتصرف الحكومة اللبنانية لسد النقص في عمليات الاستيراد؟ وكيف ستتأثر المصانع والشركات اللبنانية من جراء توقف مرفأ بيروت عن العمل؟ ومن سيقوم بالتعويض على الشركات وعلى ذوي الضحايا وأصحاب المنازل والمحال المتضررة؟ كلها أسئلة مطروحة، خصوصاً أن لبنان يعيش في الوقت نفسه، مجموعة أزمات جعلته في وضع لا يحسد عليه على الإطلاق..

يحاول "أوّلاً- الاقتصاد والأعمال" أن يقدّم عدداً من الإجابات على الأسئلة السابقة، تحديداً حول ما يعنيه دمار مرفأ بيروت، وما الذي يمكن أن يلجأ إليه لبنان لتجاوز تداعيات الكارثة، وذلك من خلال العودة إلى آراء الخبراء وعدد من المسؤولين المعنيين في إيجاد البدائل التي يمكن اللجوء إليها للتعويض عن خروج مرفأ بيروت من الخدمة..

 

 

إقرأ:

نقيبة مصانع الأدوية في لبنان تطمئن: المخزون يكفي 4 أشهر

 

 

انفجار مرفأ بيروت: النكبة!

 

 

حتى يوم الثالث من آب/أغسطس الحالي كان مرفأ بيروت يعمل على طبيعته. المرفأ الذي يعد واحداً من أهم 10 موانئ على الحوض الشرقي للبحر المتوسط ويشكل منفذاً للدول العربية الآسيوية إلى المتوسط، ويتعامل مع نحو 300 مرفأ عالمي ويستقبل، بحسب التقديرات، ما يقارب 3100 سفينة سنوياً، ومنه يعبر 70 في المئة من البضائع التي يستوردها لبنان، تحول يوم أمس الثلاثاء إلى ركام.. وبذلك بات لبنان، الذي يعاني من أزمة اقتصادية ومالية حادة، ويكافح في مواجهة كورونا، منكوباً.

مع توقف مرفأ بيروت عن العمل تبدأ مرحلة جديدة أمام الحكومة اللبنانية للبحث عن الخيارات في مواجهة الكارثة التي ألمت بلبنان، فماذا يعني دمار المرفأ؟ وهل سيتمكن لبنان من تجاوز الأزمة المستجدة؟

يؤكد خبراء اقتصاديون في تصريحات إلى "أوّلاً- الاقتصاد والأعمال" أن 80 في المئة من مرفأ بيروت بات خارج الخدمة، وأن الأضرار التي وقعت فيه كبيرة ما يجعله بحاجة إلى عملية إعادة تأهيل، مشيرين على أن ما جرى يشكل ضربة لقلب الاقتصاد اللبناني.

ويقول الخبير الاقتصادي البروفسور بيار الخوري في اتصال مع "أوّلاً- الاقتصاد والأعمال" إن انفجار مرفأ بيروت يعني ضرب قلب الاقتصاد اللبناني لأن المعروف هو أن هذا الاقتصاد يقوم على الاستيراد بنسبة كبيرة جداً، أوّلاً استيراد المواد الاستراتيجية كالطحين والمحروقات، وثانياً استيراد البضائع المعدة للاستهلاك، وثالثاً استيراد البضائع الوسيطة التي تدخل في الصناعة والزراعة، فكل ما هو قائم في لبنان من قيم مضافة اقتصادياً أصله الاستيراد، وهذه واحدة من أكبر نقاط العطب في طريقة عمل الاقتصاد اللبناني، وهو أنه مكشوف على الخارج بنسبة كبيرة.

ويوضح الخوري أن انهيار عنابر القمح والرافعات ودمار المرفأين القديم والجديد يعني أن كتلة الثروة الموجودة في مرفأ بيروت، والتي كانت معدة للدخول إلى لبنان لتغذية الأسواق الاستهلاكية بالإضافة إلى السلع الوسيطة قد دمرت بالكامل، مشيراً إلى أن الاستنتاج الثاني هو عدم وجود، في الوقت الحالي، أي مكان قادر على استيعاب حاجات لبنان من خلال المرفأ، أمّا الثالث والأهم فهو أن آلية عمل الاقتصاد اللبناني ستشل نتيجة عاملين، الأول أن انهيار المدينة والنكبة التي حصلت فيها سيكون لها انعكاس على شركات ضخمة تعمل في بيروت، وهي شركات تعاني أصلاً بسبب الأزمة الاقتصادية والآن ستعاني أكثر مع النكبة، ويضيف: إذا استطاعت هذه الشركات أن تبقى موجودة فإن تعطل القدرة على الاستمرار سيشلها ويقضي على دورها كشرايين للاقتصاد الوطني، ويستدل الخوري على كل ما سبق بالإشارة إلى أنه قبل عام كان الاستيراد يمول فوق 80 في المئة من حاجات لبنان الاستهلاكية، لكن مع انخفاض سعر صرف الليرة تراجعت المستوردات من مستوى 17 ملياراً الى تقدير سنوي في حدود 10 مليارات.

 

الانفجار أدى إلى توقف إيرادات الدولة وغياب الفرص الاقتصادية

 

وإذ يوضح الخوري أن النفط الذي يذهب مباشرة إلى معامل الإنتاج لا يمكن احتسابه مع القدرة الاستيعابية لمرفأ بيروت، وأن كل ما عدا ذلك موجود ضمنه، يؤكد أن تعطل المرفأ وضرب الآلية التي تعمل من خلالها الشركات، سيدفع إلى موجة تضخم كبيرة جداً ستقود إلى انقطاع كبير في البضائع، مضيفاً: لكن عسانا نستطيع ان نصنع من الكارثة فرصة أي ننتج حاجاتنا، لكن حتى لو قررنا ذلك، فإننا لن نتمكن إلا من خلال البضائع الوسيطة التي تأتي الينا من خلال هذا المتنفس.

بدوره، يقول الخبير الاقتصادي البروفسور جاسم عجاقة إن لبنان بات أمام كارثة، لأن الخسائر الناجمة عن الانفجار كبيرة وهي تتوزع بين خسائر مباشرة وأخرى غير مباشرة، فالخسائر المباشرة والمتمثلة بالمواد الغذائية والاستهلاكية الموجودة أصلاً في المرفأ تقدر قيمتها بنحو 100 مليون دولار، أما الخسائر غير المباشرة فتفوق المليارات من الدولارات وهذه تتمثل في توقف مداخيل الدولة من المرفأ وعجز الشركات اللبنانية عن تصدير منتجاتها بالإضافة إلى غياب الفرص الاقتصادية وخسائر الشركات العاملة في المرفأ والناجمة عن خسارتها لموظفيها الذين سقطوا بين قتيل وجريح. وخلص عجاقة: "ما جرى ضربة كبيرة للاقتصاد اللبناني".

 

كارثة تهدد الأمن الغذائي والصحي

 

من جانبه، يؤكد الخبير الاقتصادي جهاد الحكيّم أن ما حصل كارثة اقتصادية كبيرة تهدد الأمن الغذائي والصحي وأمن اللبنانيين جميعهم، وذلك بسبب تضرر سلاسل التوريد المتعلقة خصوصاً بالدواء والمستلزمات والمعدات الطبية، مشيراً في هذا السياق، إلى تعرض الأدوية التي تم استيرادها والقمح إلى الاضرار أو التلف بسبب الانفجار، وهذا ما سيؤدي إلى عجز المرافق الصحية، خصوصاً المستشفيات، عن تقديم العلاج اللازم للمرضى، بسبب النقص في المواد الطبية والمستوردة في غالبيتها، وإذ يحذر الحكيّم من احتمال وجود انبعاثات سامة للانفجار وانعكاساتها على الوضع الصحي للبنانيين، يؤكد أن لبنان المعزول أساساً بات في عزلة أكبر، وأن هذا سيترك آثاره على عمل الشركات التي باتت اليوم تعيش انتكاسة كبيرة، محذراً في هذا المجال من ارتفاع نسبة البطالة أكثر وأكثر مع لجوء هذه الشركات إلى تسريح العمّال بسبب أوضاعها الاقتصادية الصعبة القديمة المتجددة.

إلى ذلك، يرى الخبير أديب طعمة أن دمار مرفأ بيروت هو إشارة نهائية ورهيبة على انتهاء حقبة ما بعد الطائف التي اتسمت بانعدام المؤسسات، وبالأوهام الاقتصادية وسرقة المال العام وإهمال إجرامي في إدارة المرافق العامة، والذي لا ينحصر في مرفق واحد، بل يطال مجمل الإدارات والمؤسسات والسياسات العامة ويتسم بانعدام الكفاءة والرقابة والمحاسبة، ويضيف أن الانفجار هو الضربة القاضية  لنظام طائفي وزبائني  ينهار بكامله ويجرف معه شعباً بكامله نحو البؤس.

ويتابع طعمة " إننا نتجه إلى انهيار اقتصادي شامل مع إقفال عدد من المؤسسات التي استطاعت الصمود على الرغم من الازمة الاقتصادية، وهذا يؤدي إلى ازدياد البطالة"، متوقعاً تبخر ما تبقى من ودائع الناس المحجوزة في المصارف واستعمالها للتعويض عن الأضرار وانضمام أكثرية اللبنانيين إلى طبقة الفقراء الجدد، مضيفاً أن تدمير مخزون القمح سيؤدي إلى تسارع حتمية المجاعة، بالإضافة إلى ازدياد وتيرة الاستيراد الأمر الذي سيؤدي إلى ضغط متزايد على العملة الوطنية.

وفي مقابل ذلك، يتحدث طعمة عن ارتفاع الناتج المحلي نتيجة إعادة إعمار المناطق المنكوبة ما يؤدي إلى تحسين المؤشرات العامة بسبب انخفاض استدانة الدولة.

 

إقرأ ايضاً:

هل يمكن لمرفأ طرابلس التعويض عن مرفأ بيروت؟

 

ماذا عن البدائل؟ 

وكيف يمكن للبنان تجاوز الكارثة؟

 

يؤكد الخوري، أن هناك بدائل مثل مرفأ طرابلس، لكن القدرة الاستيعابية للمرفأ المشار إليه ضعيفة جداً، وكان هناك مشاريع لتطويره للمشاركة في ورشة إعمار سوريا لكن ذلك لم يحصل منه شيء.

ويلتقي الحكيّم مع الخوري في مسألة عدم قدرة مرفأ طرابلس الاستيعابية ما يجعله قاصراً عن مجاراة مرفأ بيروت، متسائلاً من ناحية أخرى، حول الكلفة المادية للتحول إلى مرفأ طرابلس. وفي ما يتعلق باللجوء إلى النقل الجوي، يؤكد الحكيّم أن النقل الجوي مكلف لذلك فهو غير مجد اقتصادياً، ولا يمكن أن يحل مكان مرفأ بيروت لفترة طويلة.

 

اقتصادياً لبنان في النقطة صفر ويمكن أن يسير في الاتجاهات كافة

 

 

وهكذا، لا يبدو أن خروج لبنان من الكارثة سيكون سهلاً، ويشدد الخوري، على أنه لا يمكن للبنان تجاوز أزمة مرفأ بيروت إلا من خلال تدفق المساعدات الخارجية الضخمة، لأن كل أمر آخر خارج هذا المستوى لن يأتي بنتيجة، موضحاً أن الحل قد لا يكون إلا بقيام الدول الغربية وأشقاء لبنان بضخ أموال كبيرة في الاقتصاد اللبناني وإما أن تتقدم الصين بمشروعات ضخمة لإعادة بناء البنية التحتية في بيروت واستكمال المشاريع التي يمكن ان تساهم بها، وإما يكون ذلك مزيجاً من الاثنين معاً، وإلا فإن الكارثة لا مخرج منها ..

ويتفق الحكيّم مع الخوري حول أهمية المساعدات الخارجية للخروج من الكارثة، غير إنه يشير إلى أن المساعدات قد لا تكون بالمستوى المطلوب خصوصاً في ظل جو انعدام الثقة بالسلطة اللبنانية، ذلك أن المجتمع الدولي يخشى من احتمال تعرض المساعدات إلى السرقة إذا ما قدمها عبر القنوات الرسمية اللبنانية، وهذا ما سيدفعه إلى البحث عن قنوات أخرى كالجمعيات والهيئات المدنية، وهذا أمر قد يشكل عائقاً أمام ورود المساعدات إذا ما وقفت الحكومة اللبنانية في وجه هذا الأمر.

إلى ذلك، يشدد طعمة أنه لا خيار للبنان سوى الانتقال إلى سلطة جديدة تعطى لها صلاحيات استثنائية وتكون مدعومة من المؤسسات والدول الغربية، يكون دورها تنفيذ عقد اجتماعي جديد متوافق عليه داخلياً وخارجياً ويتضمن إعادة قيام الدولة السيدة على كافة أراضيها ومبدأ العدالة والمسألة والعقاب وقيم التعددية والانفتاح وتحضير ما يوازي بخطة مارشال للبنان، ويخلص إلى القول: "اقتصادياً لبنان في النقطة صفر ويمكن أن يسير في الاتجاهات كافة".