مستخدمو وعمّال مؤسسات المياه في لبنان: خاسرون في مواجهة السلطة

  • 2020-06-17
  • 19:16

مستخدمو وعمّال مؤسسات المياه في لبنان: خاسرون في مواجهة السلطة

الحكومة اللبنانية تعالج مشكلة المستخدمين بـ "تدوير" حقوقهم.. والمياومين بـ "اللامبالاة"

  • أدهم جابر

منذ سنوات تعاني مؤسسات مياه لبنان الأربع: لبنان الشمالي، البقاع، بيروت وجبل لبنان، لبنان الجنوبي، من مشكلات عدة، تفاقمت في ظل ظروف الأزمة الاقتصادية الراهنة، وهي إن اختلفت طبيعتها بين مؤسسة وأخرى، إلا أنها (المؤسسات) تتشارك الهموم نفسها في ما يتعلق بعمّال "غب الطلب" (المياومون) والمستخدمين ورواتبهم التي تأثرت كثيراً بفعل ارتفاع سعر صرف الدولار مقابل الليرة.

أدت ثورة 17 تشرين الأول، ثم جائحة كورونا وما رافقها من إجراءات، إلى انعكاسات سلبية على مؤسسات المياه في لبنان تركزت في انخفاض نسبة الجباية الناتج عن "تمنّع" المشتركين عن دفع المستحقات المتوجبة عليهم باعتبار أن هذه المؤسسات حكومية، لذا كان طبيعياً أن يرخي ذلك، بظلاله على العمّال والمستخدمين الذين خسروا القيمة الحقيقية لرواتبهم لتزداد ظروفهم المعيشية قساوة.

هذا الواقع أدى إلى خلق حاجة ماسة لدى هذه المؤسسات إلى الدعم المالي من قبل الحكومة، فما يؤرق نقابات العمّال والمستخدمين حالياً معضلتين أساسيتين الأولى تتعلق برواتب المستخدمين، والثانية عمّال "غب الطلب" الذين تحولوا إلى مجرد "ارقام" يتم التعامل معهم بطريقة لا إنسانية وغير منصفة وعدم اعتراف بحقهم في الوظيفة والانضمام إلى "ملاك" المؤسسات المذكورة على الرغم من حاجتها الماسة إلى خبراتهم.

 

مولود: المطلوب دفع الحكومة للمساهمات فوراً والبحث في تعزيز عمل مؤسسات المياه

 

المعضلة الأولى المتعلقة بنفقات المؤسسة ومستحقات المستخدمين يتحدث عنها نقيب العمّال والمستخدمين في مؤسسة مياه لبنان الشمالي كمال مولود إلى "أوّلاً- الاقتصاد والأعمال"، مشيراً إلى أنها تبرز معاناة فريدة لكونها متعلقة بالمشتركين في مؤسسات المياه. ويشرح: إن كل واحدة من المؤسسات الأربع لها استقلاليتها المالية وتموّل من خلال صندوقها الذي يغذيه المواطن المشترك، ولنتخيل الصورة إذا تمنّع المشتركون عن دفع المتوجبات عليهم ظناً منهم أن هذه المؤسسات تموّل من الدولة، علماً أنها ليست كذلك على الإطلاق، ما الذي يمكن ان يحدث؟  يجيب مولود أن ذلك "سينعكس طبعاً على عمل المؤسسات وعلى نوعية الخدمة وعلى حقوق ومستحقات العاملين".

 

كتاب من وزارة الطاقة والمياه إلى وزارة المالية

 

لذا، وانطلاقاً مما تقدّم، لجأ مستخدمو المؤسسات إلى تصعيد تحركاتهم مطالبين الحكومة بدعم المؤسسات، ليس من خلال المساعدات بل عبر المساهمات المقرة والمتوجبة على الدولة مقابل اهتمام مؤسسات المياه بمشاريع "الصرف الصحي" و"الري،" وبالفعل فقد تجاوب وزير الطاقة والمياه ريمون غجر مع هذا المطلب، وارسل كتاباً حمل الرقم 6157 تاريخ 10 حزيران/ يونيو 2020 إلى وزارة المالية غازي وزني يتضمن تدوير الاعتمادات المعقودة في الجزء الأول من العام 2019 الى العام الحالي بقيمة 14 مليار ليرة لبنانية للمؤسسات الأربع، وعلم "أوّلاً- الاقتصاد والأعمال" أن الكتاب أصبح جاهزاً ويتوقع أن يوافق عليه وزير المالية غازي وزني هذا الأسبوع، فماذا يعني هذا التدوير؟

يؤكد مولود أن التدوير لا يعني أن هذه المساهمات صرفت وأنها في طريقها إلى المؤسسات، بل هي من قبيل اعتراف الدولة بها، إذ قد تدعي لاحقاً أن المبالغ ليست متوفرة.. فما الحل؟

يردّ مولود أن المطلوب بالفعل دفع المساهمات فوراً والبحث في كيفية تعزيز هذه المؤسسات لتتمكن من متابعة أعمالها وتأمين المياه في هذه الظروف الاقتصادية والمالية الصعبة والمعقدة التي نعيشها جميعاً، من دون ان نغفل عن تعقيدات الوضع السياسي والاقتصادي وطبعاً انعكاسات الأمراض الوبائية.

 

بشعلاني: لا يجوز التعامل مع المياومين على أنهم مجرد "ارقام"

 

حرمان المستخدمين من "الترفيع" والمياومين من التوظيف

 

وعن الظروف الاقتصادية الصعبة للمستخدمين وعمّال "غب الطلب"، يؤكد نقيب العمّال والمستخدمين في مؤسسة مياه بيروت وجبل لبنان فرانسوا بشعلاني أن مؤسسته، وإن كانت تتمتع بوفر مالي نظراً إلى كفاية الجباية نسبياً، وبالتالي حاجتها إلى السلف والمساهمات أقل من زميلاتها، إلا أن وضع العمّال والمستخدمين فيها لا يختلف عن نظرائهم في المؤسسات الأخرى، فارتفاع سعر صرف الدولار مقابل الليرة اللبنانية، أدى إلى ضعف القدرة الشرائية لهم، كذلك فإن أساليب التعامل معهم من خلال تقليص الملحقات على الراتب، كلها أمور كان لها بالغ الأثر في تعقيد أوضاعهم الاقتصادية، خصوصاً أن رواتب المستخدمين هي منخفضة نسبياً وقياساً بالمؤسسات العامة الأخرى. كذلك من المشكلات، بحسب بشعلاني، حرمان المستخدمين من "الترفيع"، ويضاف إلى ذلك كله مشكلة المياومين الذين يحق لهم الدخول إلى "ملاك" المؤسسة من خلال مجلس الخدمة المدنية على أن يمنحوا علامات إضافية تأخذ في الاعتبار خبراتهم ومهاراتهم، فهؤلاء يمتلكون من الخبرة ما يكفي لضمهم إلى المؤسسة التي تحتاج إلى جهودهم، ويضيف أن هذا الأمر له ابعاد إنسانية فكيف يمكن للمياوم الذي أمضى أكثر من 20 سنة وأكثر في المؤسسة أن يجد عملاً، في ظل الظروف التي نعيشها إذا ما تمّ الاستغناء عنه؟ ويستطرد: من يتجرأ اليوم على إقالة موظف؟ ويتابع بشعلاني مبرراً المطلب قائلاً: المؤسسة بحاجة إلى ملء الشغور فمن أصل 1120 هناك 390 مستخدماً فقط.

ويتابع بشعلاني أنه لا يجوز التعامل مع المياومين على أنهم مجرد ارقام، ذلك أن إدخال المياومين إلى "الملاك" يمنح الدولة من خلال المؤسسات قدرة ممارسة الرقابة على أعمالهم، ما يسهل الحدّ من الأخطاء التي قد يرتكبونها وتمر بلا مساءلة أو محاسبة.

 

 

قبيسي: المياومون بدعة الحكومات المتعاقبة للتهرب من مسؤولياتها

 

 

ماذا عن المرسوم الجمهوري الخاص

بإدخال المياومين إلى الملاك عبر مجلس الخدمة المدنية؟

 

وأيضاً عن معضلة عمّال "غب الطلب" يقول أمين سر نقابة مؤسسة مياه لبنان الجنوبي عبّاس قبيسي "إنها بدعة ومراوغة شرعتها الحكومات المتعاقبة بهدف الالتفاف على القانون بطريقة ملتوية ضد الحقوق الإنسانية والوظيفية لهؤلاء العمّال، والتنصل من واجباتها بالتحايل على قانون العمل، وعدم إدخالهم إلى ملاك مؤسسات المياه في خرق فاضح للمرسوم  الجمهوري الرقم 14914 سنة 2005 الذي سمح لجميع مؤسسات المياه في لبنان بإجراء مباراة محصورة ولمرة واحدة لإدخال المياومين إلى الملاك"، ويضيف قبيسي أنه "حتى هذه اللحظة لا تزال الحكومة الحالية، كما كل سابقاتها، كذلك وزارة الطاقة ترفضان تقبل فكرة إجراء المباراة لغاية في نفس يعقوب، علماً أن الشغور بلغ في مؤسسة مياه لبنان الجنوبي وحدها نحو 75 في المئة (الملاك: 873 والمشغول 218 مستخدماً)".

ويشدّد قبيسي على أن قضية هؤلاء المياومين لها أبعاد إنسانية وإدارية واقتصادية، تتمثل في الظروف الصعبة التي يمرون بها خصوصاً في ظل جائحة كورونا، وبالتالي حاجتهم الماسة إلى الاستقرار الوظيفي والاجتماعي من خلال الحصول على حقوقهم، وهم الذين يتعرضون إلى أبشع أنواع الفقر والعوز ويرضخون تحت نير القروض والديون، وإذ يؤكد قبيسي حاجة مؤسسات المياه إلى خبرات هؤلاء العمّال، يجدد مطالبته بتنفيذ المرسوم المشار إليه أعلاه، معبراً عن أمله بألا يكون رد الحكومة الحالية ووزارة الطاقة والمياه بالتسويف والتهميش واللامبالاة. ويخلص إلى القول: "لا نطلب معجزات الدنيا من الحكومة بل جلّ ما نريده هو طمأنينة نهزم بها مخاوف العمّال والمستخدمين، لكي يستمروا في تأمين كسرة الخبز لأطفالهم من خلال انتظام تقاضي رواتبهم".

ولأن مؤسسة مياه لبنان الجنوبي تعاني، ربما أكثر من غيرها من نقص الجباية، يختم قبيسي بدعوة "كل المواطنين اللبنانيين إلى تسديد رسوم المياه السنوية المتوجبة عليهم، لكي يتسنى للمؤسسة متابعة القيام بواجبها الوطني والخدماتي تجاههم".