لا إمبراطوريات عظمى بعد كورونا ...!

  • 2020-06-02
  • 09:47

لا إمبراطوريات عظمى بعد كورونا ...!

  • نبيه البرجي

الباحث الأميركي في شؤون الصين وصفهم بـ "أصحاب الأحذية الضيقة والعيون الضيقة"، تساءل ما اذا كان الصينيون قد أصيبوا باختلال في الخيال. كيف لم يسبقوا الأوروبيين في الهجرة الى ذلك الكوكب الآخر؟

وكان الفلكيان الصينيان "هسي" و"هو" قد قطعا مضيق بيرنغ سنة 2640 قبل الميلاد، وحين دخلا إلى القارة احتجزتهما قبائل الياو قبل أن يكملا الطريق الى ما بات يعرف بالمكسيك وغواتيمالا.

 هذا قبل سنوات من صدور كتاب وزير العدل إبان عهد الجنرال شارل ديغول آلان بيرفيت "حين يستيقظ التنين" (1973)، توقع انقلاباً جيوستراتيجياً في القرن الحادي والعشرين. ثمة إمبراطورية ستظهر كما السكين في الخاصرة الأميركية، وفي الخاصرة السوفياتية.

 وحين لاحظ باراك أوباما أن الصراع سينتقل الى الباسيفيك، أي من الشرق الأدنى الى الشرق الأقصى، كان المخططون الاستراتيجيون في الولايات المتحدة قد تنبهوا، منذ عقود، إلى ما يجول في رأس التنين، هكذا اختاروا سلسلة لولبية من الجزر، وأقاموا فيها قواعد عسكرية ترغم التنين على البقاء وراء السور العظيم.

 الآن يتساءل المخططون الاستراتيجيون إياهم عن ذلك الإله الميتولوجي الذي بعث بـ كورونا لإحداث هزة دراماتيكية في المسار التاريخي للإمبراطوريات. هل يمكن فعلاً أن تتزعزع كل المعادلات، وكل التوازنات السابقة؟

 بن رودس، مستشار الأمن القومي في عهد باراك، رأى في دونالد ترامب ذاك الفيروس الآخر الذي إذ ألغى سلسلة من الاتفاقات الدولية الكبرى، ضرب بعض المنظمات الدولية في العمق كونها لا تدور ميكانيكياً حول البيت الأبيض.

  وزير الخارجية الفرنسي السابق أوبير فيدرين، وقد لاحظ كيف تحولت القارة العجوز، بفعل كورونا وأشياء أخرى، إلى دجاجة عرجاء، سأل، في مقاربة له، حول الصراع الأميركي ـ الصيني: من يبتلع الآخر، بل من يبتلع الكرة الأرضية؟

 هنا الفارق بين طبق الديك الرومي وطبق الخفاش. الولايات المتحدة أكثر من أن تكون إمبراطورية كلاسيكية. جورج سوروس، نجم وول ستريت، قال: "هم في زمن ما بعد القردة (التقليد) ونحن في زمان ما بعد البشر (الإبداع)".

  الثابت أن الصينيين الذين يستضيفون المصانع الأميركية الكبرى، ومنها بوينغ التي هي أحد تجليات المعجزة التكنولوجية الأميركية، عقدوا العزم على كسر تلك الحلقة الفرويدية والدخول، احتفالياً، في ثقافة الإبداع.

 أميركا فلسفة حياة (Lifestyle). من الجينز الى الهوت دوغ، ومن الكوكا كولا الى الروك آند رول. هيلين كارير ـ دانكوس كتبت أن الإمبراطورية السوفياتية لم تسقط بالصواريخ العابرة للقارات وإنما بشفتي مارلين مونرو ...

حتماً، لم يكن توماس جيفرسون الذي قال، لدى الانتهاء من صياغة الدستور الأميركي: "لكأنني أرى في الكلمات دبيب الملائكة"، يتصور موت الضمير الاستراتيجي ، والضمير الايديولوجي، في الولايات المتحدة الى ذلك الحد . هنا "أميركا العظمى". الآخرون بقايا الهنود الحمر ...

  من قال إن الإمبراطورية الصينية، كإمبراطورية بديلة، هي الإمبراطورية المقدسة. لا فلسفة كونفوشيوس هنا بل فلسفة المرافئ، ذلك الأوقيانوس البشري أحدث زلزالاً في الاقتصاد العالمي. المنتجات الزهيدة الثمن حتى لتجدها في برج دونالد ترامب في نيويورك كما تجدها في أكواخ القش في أثيوبيا.

 الصين لم تصبح مثل أميركا "نسخة بشرية عن القضاء والقدر"، ولكن أليست الدولة التي حطمت الماكنة الصناعية في أكثر من دولة أوروبية وغير أوروبية، حتى لسوف تجد، قريباً، دوراً للأزياء على غرار دار كوكو شانيل أو نينا ريتشي أو ايف سان لوران؟

 بول كروغمان، الأميركي الحائز جائزة نوبل في الاقتصاد، قال: "للوهلة الأولى يبدو أن الصراع بين الولايات المتحدة والصين قد ينفجر في أي لحظة بعد أن راح دونالد ترامب يشير بالإصبع الغليظة الى هونغ كونغ وغيرها وغيرها. للوهلة الثانية الإمبراطوريتان تتكاملان في الاستيلاء على أسواق العالم، وليكن الآخرون في الطبقة الدنيا من الكرة الأرضية".

دونالد ترامب يحاول وفي إطار البروباغندا الانتخابية، استدراج الصين الى وسط الحلبة. هؤلاء صنعوا الحرير، وشقوا طريق الحرير، من آلاف السنين. أعصابهم أيضاً من حرير. التنين قد يفكر، يوماً ما، بابتلاع أميركا، وإن كان بيسمارك قد قال: "الله يحب السذّج  والسكارى  و ... أميركا".

 لا إمبراطوريات عظمى بعد كورونا. ثمة انفجار حدث في البنية الفلسفية، والبنية التاريخية للقرن، ذاك المخلوق الغامض الذي بدا وكأنه سقط للتو من ثقب ما في جهنم!!