الأسواق التجارية في لبنان تئن تحت وطأة كورونا والدولة غائبة

  • 2020-05-11
  • 17:36

الأسواق التجارية في لبنان تئن تحت وطأة كورونا والدولة غائبة

تراجع الحركة إلى 90 في المئة وجمعيات التجار تطالب الحكومة بخفض الضرائب والرسوم الجمركية

  • كريستي قهوجي

تعيش الأسواق التجارية في لبنان حالة من الركود منذ أشهر بسبب الأزمة الاقتصادية وانهيار الليرة أمام الدولار، إضافة إلى أزمة فيروس كورونا وإعلان التعبئة العامة من قبل الحكومة اللبنانية وانعكاس ذلك إغلاقاً لغالبية المحال التجارية، هذا الأمر دفع بجمعيات التجار في غير منطقة لبنانية إلى دق ناقوس الخطر محذرين من اتجاه مئات المتاجر إلى إغلاق أبوابها في وجه زبائنها، مع ما قد ينتج عن ذلك من إفراز آلاف العاطلين عن العمل الذين يسترزقون من هذا القطاع.

وفيما كان من المتوقع أن تعود إلى الأسواق طبيعتها تدريجياً مع تخفيض الإجراءات الحكومية الاحترازية في مواجهة كورونا، إلا أن عودة أعداد الإصابات بالفيروس إلى الارتفاع، شكلت هاجساً بالنسبة إلى التجار الذين عبروا عن مخاوفهم من العودة إلى نقطة الصفر، وبالتالي عودتهم إلى الخسائر، مع ما قد يعنيه ذلك من الاتجاه إلى المجهول.

الوضع كارثي والتجار يعانون

منذ أشهر يعاني التجار في لبنان من خسائر ناجمة عن انخفاض القدرة الشرائية للمستهلكين، وعلى الرغم من كل التحفيزات التي قاموا بها لاستقطاب الزبائن، فإن الحركة التجارية لدى المؤسسات والشركات على مختلف أنواعها استمرت في التراجع إلى أن لامست نسبة تراوحت ما بين 60 إلى 90 في المئة، مسجلة خسائر كبيرة بالمقارنة مع السنوات الماضية، ويتوقع نائب رئيس جمعية تجار بيروت جهاد التنير في حديثه إلى موقع "أولاً-الاقتصاد والأعمال" أن تستمر حركة الأسواق على حالها من دون تسجيل أي انتعاش اقتصادي حتى نهاية العام 2020، مشيراً إلى أن الوضع كارثي.

بدورها، شهدت الأسواق في منطقة الأشرفية إقبالاً تجارياً ضعيفاً خلال الفترة التي سبقت تفشي فيروس كورونا في لبنان، إلى أن قضت هذه الجائحة على ما تبقى من دورة اقتصادية محوّلة الأوضاع إلى مأساوية وخطيرة، وكان نحو 25 في المئة من المحلات التجارية في المنطقة قد أقفل أبوابه قبل بداية الأزمة الاقتصادية في تشرين الأول/أكتوبر الماضي فيما لا تزال نسب الإقفال مجهولة بانتظار مرحلة إعادة فتح المؤسسات لتقييم الوضع. ويشير رئيس جمعية تجار الأشرفية أنطوان عيد إلى أن المنطقة قد تشهد موجة جديدة من الإقفال، معيداً السبب إلى عدم قدرة التجار على الاستيراد بأسعار مقبولة في ظل انخفاض سعر الليرة اللبنانية وعدم وجود سيولة من العملة الأجنبية في البلاد.

 

جمعيات التجار تدق ناقوس الخطر:

إما الإقفال أو تهديد صحة المواطنين

 

ومثل بيروت وضواحيها، شهدت الأسواق في مدينة صيدا ركوداً في حركتها التجارية بسبب انخفاض القدرة الشرائية للمواطنين، وشهدت المدينة إقفالاً واسعاً لبعض المؤسسات والمحلات التجارية منذ سنتين وحتى بداية العام الحالي. وفي ظل أزمة كورونا، وقع التجار أمام خيارين فإما يقفلون مؤسساتهم بشكل مؤقت مع ما ينتج عنه من أضرار على القطاع خصوصاً في ظل الجمود المسيطر على لبنان، وإما الاستمرار في العمل وانعكاس ذلك على صحة المواطنين، فكان الاختيار الأول عوضاً عن استمرار العمل.

ويقول رئيس جمعية تجار صيدا وضواحيها علي الشريف إن المؤسسات التجارية التي تتعاطى تجارة الكماليات كبيع الألبسة والأحذية والعطورات ستكون الأكثر ضرراً من هذه الأزمة تليها المؤسسات التي تعنى بالخدمات كالمطاعم، مشيراً إلى أن القطاعات التي تتعاطى بشؤون المواد الغذائية ستكون الأقل ضرراً على الرغم من ارتفاع أسعارها بشكل جنوني، مضيفاً أن لا مستقبل للقطاع في ظل الأوضاع الحالية، داعياً إلى اعتماد مبدأ الاكتفاء الذاتي من خلال تعزيز قطاعات الصناعة والزراعة والانتاج.

وفي مدينة صور، تراجعت حركة الأسواق التجارية بشكل كبير منذ العام 2015 حتى بلغت مرحلة التدهور في العام 2018، ومع بداية الأزمة الاقتصادية والمالية في لبنان، أقفل نحو 25 في المئة من المحال والمؤسسات التجارية في المدينة وضواحيها، ويتوقع رئيس جمعية تجار صور وضواحيها ديب بدوي أن تشهد المدينة المزيد من الإقفال لمؤسساتها التجارية مع تفشي فيروس كورونا، مشيراً إلى  أن الصورة غير واضحة بعد بسبب استمرار الإغلاق ولو بنسب متفاوتة للمحال التجارية، ويعزو ذلك إلى ارتفاع اسعار الدولار وإيجارات المحلات وتراجع الاستيراد وعدم قدرة التجار على الصمود.

 وبالتوازي، تراجعت الحركة التجارية في أسواق الشمال وخصوصاً في طرابلس إلى حدودها الدنيا مع بداية الأزمة الاقتصادية، فيما انعدمت خلال أزمة كورونا وسط ارتفاع كبير في نسب البطالة والفقر، ويشدد رئيس غرفة التجارة والصناعة والزراعة في طرابلس والشمال توفيق دبوسي على ضرورة وضع خريطة طريق اقتصادية من القطاع العام لدعم القطاع الخاص والتجار، مشيراً إلى أن غياب هذه الخريطة سيجعل من حركة القطاع الخاص بطيئة ودون المستوى المطلوب.

محاولات إنقاذية والدولة غائبة

تسعى جمعية تجار بيروت إلى توفير كل الفرص لنقل شكاوى التجار الى المسؤولين ورفع الصوت عالياً، بالإضافة إلى تقديم الدراسات المطلوبة إلى الجهات المعنية لمحاولة إنقاذ القطاع، بحسب ما يوضحه جهاد التنير حول الإجراءات التي قد تتخذها الجمعية لمساعدة التجار في أزمتهم.

من ناحية أخرى، شكّل غياب المساعدات المالية من الدولة عائقاً أمام جمعية تجار الأشرفية في سعيها لمساعدة التجار في ظل هذه الأزمة بسبب محدودية إمكاناتها، واستعاضت عنها بالتحضير لبرنامج نشاطات تجارية بهدف تقديم فسحة أمل للمستهلك اللبناني وتشجيع المغتربين والسياح على العودة إلى لبنان. ويوضح أنطوان عيد أن هذه النشاطات يلزمها تمويل مادي وستقوم الجمعية بعرضها على الجهات المختصة لتأمينه، وذلك على الرغم من الوضع السيىء للمستهلك اللبناني والنسب المتوقعة لارتفاع الاستهلاك ضئيلة، مؤكداً أن أولوية الجمعية هي إعادة تفعيل السياحة وإعادة تمويل الاستيراد.

أما رئيس جمعية تجار صيدا وضواحيها فيؤكد أن إمكانات الجمعية محدودة، مشيراً إلى أنها تشكل صوت التجار لنقل معاناتهم للمسؤولين على الأصعدة كافة في ظل الضائقة التي يعيشونها خصوصاً وأن الأعباء المترتبة عليهم كبيرة جداً، ويطالب الشريف الدولة اللبنانية بتحمّل مسؤوليتها لناحية تأمين الاموال وضخها في الأسواق وترميم البنى التحتية وتحسينها داعياً الدولة لإلغاء الضرائب وعلى رأسها الضريبة على القيمة المضافة عن جميع التجار بالإضافة إلى تخفيض الرسوم الجمركية لعودة العجلة الاقتصادية بشكل تدريجي، داعياً المصارف إلى تأمين قروض مدعومة بفوائد رمزية للقطاعات التجارية حصراً.

وفي ما يدعو بدوي المؤسسات التجارية لاعتماد مبدأ الاكتفاء الذاتي والصبر على الرغم من كل الظروف السيئة، يشير إلى أن لا خطط للجمعية في الأفق المنظور بسبب غياب الدعم المالي من المصارف. يوضح دبوسي أن الأزمة الحالية في لبنان شكلت ضربة قاسية للقطاع الخاص مما يسهم في عدم إيجاد حلول بطريقة سهلة للمشكلات المتراكمة في مجال الأسواق والشركات بشكل عام.

في المحصلة، تعيش الأسواق التجارية في لبنان حالة موت سريري بانتظار من ينعشها وسط فقدان الثقة بالدولة التي عليها التحرك ودعم هذا القطاع الحيوي الذي يؤمّن العيش الكريم لآلاف العائلات اللبنانية.