لبنان يحتاج إلى تشريع تقنية البلوكتشين

  • 2020-04-23
  • 15:00

لبنان يحتاج إلى تشريع تقنية البلوكتشين

  • وليد أبوزكي

لا تزال الأزمة المالية والنقدية تتصدر المشهد في لبنان، وفي الوقت الذي تشغل مفاعيلها بال اللبنانيين المقيمين والمغتربين، خصوصاً المودعين منهم، قامت الحكومة ومن ورائها مجموعة من المستشارين الماليين والاقتصاديين برمي بالونات اختبار لحلول تنوّعت بين السيئة جداً والكارثية. فهل تعمّدت الحكومة ما قامت بتسريبه على الرغم مخالفته لأحكام الدستور، أمّ أن قصدها لم يظهر بعد؟

لا ثقة بالدولة

ما يلفت انتباه المتابع تجاه ما يجري، هو أنه في ما يصر المنتفضون ضد السلطة منذ 17 تشرين الأول/أكتوبر الماضي على المضي قدماً في المطالبة باستعادة الأموال التي استفاد منها السياسيون تحت مسمى "استعادة الأموال المنهوبة"، كان المستغرب ردّ الحكومة ومجلس النواب مجتمعين بإقرار تشكيل الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد، ذلك أن هذه الهيئة، وإن أقرّت، لتضاف إلى لائحة طويلة من الهيئات، لن تكون أكثر صلابة واستقلالية من مجلس القضاء الأعلى الذي لا يزال يواجه صعوبة في إقرار التشكيلات القضائية في ظل التدخلات السياسية، وهنا، فإن التساؤل يصبح مشروعاً حول أهمية تلك الهيئة بالنسبة إلى النواحي المالية تحديداً، في ظل وجود لجنة التحقيق الخاصة في مصرف لبنان والتي تستطيع بقرار سياسي تتبع التداولات والتبادلات المالية كافة بـ"كبسة زر".

هل أصبح الظرف مؤاتياً للطرح الحقيقي؟

من المتوقّع أن تطل علينا الحكومة، بعد تخويف الناس بـ "الكابيتال كونترول" و"الهيركات" و"البايل إن" التي لم تكن سوى بالونات اختبار، بمشروع جديد أساسه تسييل أملاك الدولة من أراض ومبان وأصول مختلفة لتغطية الخسائر وتأمين السيولة اللازمة لجدولة الديون والأهم إعادة النمو إلى الاقتصاد المتهاوي، وهنا لا يختلف اثنان بما سيقبل به الشعب أو المجلس عند تخييرهما بين جريمة سرقة أموال الشعب أو شر بيع أملاك الدولة. 

لائحة التسريبات أو الخطط أو التوقعات قد تطول، لكن العنوان الأبرز يبقى أنه لا ثقة بالدولة ولا بالسياسيين القيميين على السلطة، ولا حتّى بالنظام المصرفي الذي لطالما تغنى به اللبنانيون ودافعوا عنه، فكيف يمكن النهوض بالاقتصاد؟ وهل ما تعتزم الحكومة تقديمه هي فعلاً الحلول التي ينتظرها اللبنانيون؟

ما ينتظره اللبنانيون في إطار الحلول عليه أن يؤمّن شروطاً ثلاثة بالحد الأدنى وهي، الشفافية، الاستقلالية والديمقراطية، ولا داع لشرح مبدأ الشفافية ولكن للتأكيد، فإن المقصود بالاستقلالية هو الاستقلالية عن السياسيين والأحزاب والمسؤولين في الدولة وخارجها، أما الديمقراطية فأعني بها المساواة في التعامل من دون محاباة أو محسوبيات بين أفراد الشعب. وطبيعي أن مشروعاً كهذا لا يمكن الوصول إليه عبر أشخاص مهما كبر شأنهم في بلد محكوم بالطائفية والمناطقية والمذهبية، ناهيك عن آفة الفساد وتفشي المفسدين في النظام والإدارات، بل من خلال تكنولوجيا البلوكتشين التي شغلت العالم منذ 2008 وأخذت تطبيقاتها في التوسع لتكون بلا شك، أهم اكتشافات هذا القرن بعد الإنترنت.  

واستناداً إلى ما سبق، وتفادياً لتحويل أملاك الدولة إلى شريحة معروفة من رجال الأعمال، يمكن للدولة إنشاء شركة استثمارية تقوم بتمليكها الأصول التي تنوي بيعها، لتقوم هذه الشركة بتمثيل هذه الأصول رقمياً (Tokenization) ووضعها على قاعدة بيانات موزعة (Blockchain) داخل لبنان وعلى خوادم محمية في سفاراته في الخارج، على أن يتم بيع هذه الأصول عبر سوق خاصة (MarketPlace) إلى لبنانيين أو أجانب بحسب النطاق القضائي المتفق عليه، بواسطة عقود ذكية تحدد من يمكنه الشراء والكمية التي يمكن حيازتها، فترة الإقفال أو الفترة التي لا يمكن فيها تداول هذه الأصول بالبيع أو بالتفرغ عنها (Locked tokens)، مع برنامج حوافز لأصحاب الودائع الكبيرة لشراء هذه الأصول بدل ودائع لدى المصارف محجور عليها قسراً.

تتولى شركة الاستثمار تشغيل هذه الأصول بتوظيفات أو عقود خدمات شفافة مع القطاع الخاص (عبر طلب عروض مصرّح عنها بشفافية وعقود ذكية من خلال تقنية البلوكتشين) لضمان عائد مرضي منها ولضمان ارتفاع قيمة الأصول مع الوقت، وتحديداً خلال فترة تجميد هذه الأصول ومنع تداولها.

بهذا، تحصل الدولة على السيولة المطلوبة، ويحصل حاملو الأصول على ممثل رقمي للأصول التي يحملونها بدل أموال قابعة في المصارف لا يمكن الوصول إليها، وفي المقابل تحصل شركة الاستثمار على أصول لتفعيلها وزيادة قيمتها، على أن يتمكن حاملو الأصول من تداولها عبر سوق ثانوية قد تصبح مصدراً لاجتذاب رؤوس الأموال الخارجية.

ان استخدام هذه التكنولوجيا وتشريعها، بالتوازي مع إصدار تشريعات الهوية الرقمية قد يساهم في حلول لمعضلات كثيرة في البلد الذي يرزح تحت نير الفساد والمحسوبيات بدءاً من الانتخابات والتصويت عن بعد، إلى الشفافية في التلزيمات واستقدام العروض ناهيك عن تسهيل حياة اللبنانيين وتشبيك الهوية الرقمية بكل الأصول والحسابات المصرفية والتصريحات الضريبية للأفراد والمؤسسات. 

تشريعات كثيرة مطلوبة في هذا الإطار، وطبعاً ليس أهمها تشريع زراعة القنب الهندي.