سوق الساعات في لبنان: تراجع الاستيراد أكثر من 70 في المئة

  • 2020-04-22
  • 20:19

سوق الساعات في لبنان: تراجع الاستيراد أكثر من 70 في المئة

  • برت دكاش

"رُبّ ضارّة نافعة". بهذه العبارة يعلّق مدير عام مؤسسة هاغوب أتاميان مهير أتاميان على إلغاء معرضي جنيف للساعات Watches & Wonders Geneva وعالم بازل بسبب انتشار وباء كورونا، "حيث إننا عاجزون عن تحديد الكميات التي سنطلبها، وإذا فعلنا، كيف سنسدّد ثمنها؟ وهل سنتمكّن من بيعها؟" يتابع موضحاً.

لكن الوباء لن يدوم، وستعود الحياة في العالم، ولو بعد حين، إلى طبيعتها، وستتعافى صناعة الساعات كما سواها. "إنما في لبنان، مصيرها مجهول، ما لم يكن كارثياً"، كما يتنبّأ رئيس مجموعة تامر أخوان جان تامر.

"أزمة غير مسبوقة"

المشهد القاتم لا يأتي من عدم إذ يجمع قادة دور الساعات الراقية على توصيف الأزمة الراهنة الناجمة عن تداعيات فيروس كورونا بالأزمة "غير المسبوقة"، تماماً مثلما يصف وكلاء التجزئة وموزعو الساعات في لبنان الأزمة الاقتصادية والمالية التي تعيشها البلاد. وإذا كانت للدور خطة للتعافي، فإن وكلاء التجزئة يجهدون بدورهم، قدر المستطاع، في البحث عن حلول تجنبهم المزيد من الخسائر وتضمن استمراريتهم، كالاستعاضة مثلاً عن إغلاق المتاجر، بالبيع أونلاين.    

سوق ناضجة.. ولكن

تعدّ سوق الساعات في لبنان سوقاً ناضجة مقارنة بأسواق المنطقة الأخرى، فهي تتمتع بقاعدة من العملاء من عشاق الساعات وهواة الجمع الذين أمّنوا عودة السوق إلى الازدهار بعد انتهاء الحرب اللبنانية، ومنعوها من الانهيار في عزّ الأزمات وآخرها تأثيرات الحرب في سوريا والتي ترافقت مع انعدام حركة السياحة إلى لبنان. كما شكلوا الحافز الأكبر لكبرى العلامات للإقبال على افتتاح متاجر لها في أسواق بيروت. إقبال استمرّ إلى الأمس القريب مع افتتاح Breitling متجر لها في أسواق بيروت، بالتعاون مع مؤسسة أتاميان.

تكفي جولة في أسواق بيروت لتثبت أن الوضع الآن مختلف كلياً. ويؤكّد أتاميان إلى "أوّلاً- الاقتصاد والأعمال" أن "مبيعات الساعات متوقّفة بشكل شبه كامل، باستثناء القطع الرخيصة التي تباع أونلاين"، موضحاً أن "الساعات الباهظة لا يمكن أن نبيعها أونلاين ما لم يكن سبق للزبون أن رآها بأم العين، ولمسها بيده وجرّبها". وهو ما أشار إليه أيضاً رئيس التسويق في دار Breitling تيم سايلر في حديث خاص إلى "أوّلاً- الاقتصاد والأعمال" ينشر لاحقاً، إذ يقول سايلر عقب كشف الرئيس التنفيذي للدار جورج كيرن عن أول دفعة من الإصدارات الجديدة للعام 2020 عبر تقنية الفيديو، والتي كما ذكر كيرن ستكون متوفّرة على موقع الدار الإلكتروني ومواقع موزعي العلامة أيضاً، إن "التفاعل مع المجموعة الجديدة كان إيجابياً جداً، وتلقينا عدداً لا بأس به من الطلبات، إلا أن البيع أونلاين لا يمكن أن يعوّض عن المتاجر. قد يكون الأونلاين خياراً مجدياً لزبائن العلامة والذين يعرفونها، إلا أن الرغبة في لمس القطعة وتجربتها مسألة تبقى أساسية في عملية شراء الساعة، وهو ما لا يوفّره البيع أونلاين".

ويؤكد تامر في السياق نفسه، "توقف المبيعات بشكل كامل حالياً، حتى مبيعات الأونلاين متوقّفة بسبب عدم القدرة على سداد ثمن الساعة". ويستبعد تحسّن الوضع في القريب العاجل، "فالخسائر بالمليارات، وتضاف إليها المؤسسات التي باتت عاجزة عن دفع رواتب موظفيها، والموظفون الذين خسروا وظائفهم وبالتالي مصدر دخلهم".

الدولار والتحويل

انطلاقاً من كلام تامر، يلفت أتاميان النظر إلى أن "وضعنا في لبنان أسوأ بكثير مما هو عليه في العالم، فالأمر لا يتعلق فقط بفيروس كورونا وتداعياته، بل إننا نواجه تحديات أخرى كثيرة، من بينها سعر صرف الدولار الذي تجاوز عتبة الثلاثة آلاف ليرة في سوق الصرف الموازية". ويوضح رداً على سؤال أنه، "قبل ظهور الفيروس، ومع بداية الأزمة المالية بعنا عدداً لا بأس به من الساعات الباهظة، مقابل الدفع بواسطة بطاقات الائتمان أو شيكات مصرفية أو نقداً بالليرة اللبنانية أو بالدولار. لكن، من الآن فصاعداً لن تكون عمليات البيع سهلة لأن سعر الدولار أصبح 3000 ليرة مقابل 2000 أو 2200 في الفترة السابقة. وبالتالي، نحن عاجزون عن تحديد سعر الساعة، وإذا ما كنا سنبيعها نقداً. وإذا كان الأمر كذلك، سيدفع ثمن ساعة نقداً في هذه المرحلة؟ علماً أن منافسينا في لبنان لم يبيعوا في الفترة الماضية سوى نقداً. وهو ما يثبته تامر بقوله: "كنا نبيع نقداً فقط، ولم نبع بموجب بطاقات ائتمان أو شيكات مصرفية". "كما إن بين وكلاء التجزئة أيضاً، من كان يتقاضى ثمن الساعة 50 في المئة نقداً و50 في المئة مقابل شيك مصرفي"، بحسب أتاميان.

تراجع حركة الاستيراد

وماذا عن استيراد ساعات جديدة في الفترة الماضية؟ يجيب أتاميان مشيراً إلى "تراجع حركة استيراد الساعات بنسبة فاقت الـ 70 في المئة، ولا سيما في ظل صعوبة توفير الدولار لتحويل الأموال إلى الخارج". ويتابع: "لذلك كنا نعمد إلى تقديم خصومات للزبائن المستعدين للدفع نقداً، لتأمين السيولة اللازمة من العملة الصعبة، إلا أنه لم يعد بمقدورنا الاستمرار في هذا الوضع لوقت طويل، إذ نجهل متى تنفد السيولة لدى الناس ولدينا. وفي حال لم تفتح الدولة لنا الإعتمادات لنحوّل الأموال إلى الخارج، فستتوقف عمليات الاستيراد"، علماً أن "الشركات على تدرك تماماً حقيقة الوضع في لبنان وتبدي تفهماً كبيراً وتقدم لنا كل الدعم المطلوب لنستمر"، كما يجمع تامر وأتاميان.

لكن، هل في وارد الوكلاء تصريف مخزونهم خارج السوق اللبنانية، على غرار ما يحصل في قطاع السيارات؟ يوضح أتاميان: "لا يمكننا مقارنة السيارة بالساعة، فالسيارة تخسر سنوياً من قيمتها بفعل تغير طرازها، على عكس الساعة، لذلك يجد وكلاء وموزّعو السيارات أنفسهم ملزمين بالتخلّص من مخزونهم تفادياً للخسائر، علماً أن الوكلاء والموزعين لا يسددون الرسوم الجمركية على السيارة إلا بعد بيعها، بينما نحن نسدد هذه الرسوم لدى إدخال الساعات إلى السوق، ويبقى الأهم، أن العلامات لا تجيز لنا أن نبيع الساعات في أسواق خارج نطاق صلاحياتنا".  

وتعقيباً على موضوع إلغاء معرضي جنيف للساعات وعالم بازل، يشير أتاميان إلى "أنهما لو حصلا، لما كنا قادرين على معرفة ما إذا كنا سنطلب موديلات جديدة، وإذا فعلنا كيف سنسدّد للشركات المصنّعة، علماً أننا نتواصل حالياً مع الدور التي تطلعنا على إصداراتها الجديدة بواسطة التطبيقات الرقمية، ولم نحسم خيارنا بعد في شأن الكميات التي سنطلبها وإذا ما كنا سنتمكن من بيعها".

إلى متى؟

تبقى الإشارة إلى أن عدداً من الوكلاء، على غرار عدد كبير من الشركات والمؤسسات، عمدوا إلى خفض رواتب الموظفين منذ بدء الأزمة في تشرين الأول/ أكتوبر الماضي وصلت نسبتها من قبل البعض إلى 50 في المئة في ظل أزمة كورونا.

وردّاً على سؤال يؤكّد تامر إلى "أولاً- الاقتصاد والأعمال" عدم صرف موظفين إلى غاية الآن، "لكن السؤال الذي أطرحه مع كل إشراقة صباح، هو إلى متى سنصمد؟"