وظائف جديدة تولد من رحم مصائب كورونا

  • 2020-04-16
  • 09:20

وظائف جديدة تولد من رحم مصائب كورونا

في قطاعات الصحة والصناعات الغذائية والتجارة الإلكترونية

  • رانيا غانم

وضعت جائحة كورونا وظائف ملايين الأفراد في دائرة الخطر بسبب عمليات الإغلاق الواسعة لقطاعات الأعمال والخدمات ولاسيما قطاعات الضيافة والطيران والتجزئة وأيضاً بسبب الآثار المضاعفة لانخفاض أسعار النفط العالمية وتداعياته السلبية على الحكومات الخليجية. وتوقعت دراسة حديثة أعدّتها منظمة العمل الدولية إلغاء 6.7 في المئة من إجمالي ساعات العمل في العالم في النصف الثاني من 2020، أي ما يعادل 195 مليون وظيفة بدوام عمل كامل، وسيتأثر نحو 5 ملايين عامل بدوام كلي في الدول العربية.

لكن في مقابل هذه الوظائف التي فقدت وظائف جديدة ستولد في بلدان الخليج تحديداً في المرحلة المقبلة، وفي قطاعات غير تقليدية أبرزها قطاع الصناعات الغذائية والزراعة والصحة بهدف تأمين احتياجاتها من الغذاء والدواء، جنباً إلى جنب مع القطاعات النفطية والمالية والخدماتية، وستتاح فرص العمل الجديدة على مستوى القيادات والعمالة الماهرة وغير الماهرة، وفق الشريك المدير في رصد، الشركة الاستشارية المتخصصة في البحث عن كوادر قيادية تنفيذية، محمد ترك.

المهن الطبية

ظهور "العدو غير المتوقع" كورونا جعل البلدان تدرك أهمية القطاع الصحي، خصوصاً ان انتشاره أظهر ثغرات كبيرة لدى دول كانت تعتبر متقدمة في مجال الرعاية الصحية. لذا من المرجح أن تشهد المرحلة المقبلة استثمارات غير مسبوقة في مجال الصناعات الدوائية والصيدلانية إلى جانب المستشفيات والرعاية الصحية، وسيتركز اهتمام بلدان الخليج على إنشاء مراكز للأبحاث متخصصة في تطوير الأدوية واللقاحات، وقد اتخذت الإمارات خطوات حثيثة في رحلة الألف ميل، وأنشأت مختبراً متطوراً لإجراء فحوص فيروس كورونا بهدف احتواء المرض، وتعتزم ضخ المزيد من الاستثمارات بهدف إيجاد لقاح له. وهذا وفق ترك، سيخلق آلاف فرص العمل في هذا القطاع، ويضيف:"ستسعى الشركات الخليجية العاملة في الرعاية الصحية إلى استقطاب المهارات إليها، ولاسيما المغتربين العرب الذين لديهم خبرة وباع طويل في التعامل مع الأمراض الجرثومية"، وستسخّر تلك البلدان التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي لتطوير الأبحاث العلمية بهدف حماية المواطنين. ويلفت ترك الانتباه إلى أن الطلب على المهن والوظائف التي تتعلق بالأمن الصحي سواء الممرضين أو الأطباء أو العاملين في المختبرات ومراكز الأشعة سيرتفع، فضلاً عن القياديين والإداريين المطلوبين لإدارة هذه المرحلة وترك بصمة في هذا المجال.

حشد المهارات للأمن الغذائي

ستعزز أزمة كورونا أيضاً الأفكار الداعية إلى اعتبار قطاع الصناعات الغذائية قطاعاً استراتيجياً لا يقل أهمية عن أي من القطاعات الاقتصادية، بحيث تكون بلدان الخليج أكثر قدرة على مواجهة أي تغيرات طارئة تحدث، ولاسيما بعد أن تعثرت سلاسل التوريد وأغلقت الكثير من الموانئ والمطارات حول العالم. ومن المنتظر أن يشهد قطاع الصناعات الغذائية خصوصاً زخماً كبيراً خلال السنوات المقبلة، وأن تتركز الاستثمارات في مجال الغذاء، وهذا بدوره، سيخلق آلاف فرص العمل في جميع سلاسل الإنتاج والتصنيع والتوزيع. ويشير ترك في هذا السياق، إلى أن قطاع الصناعات الغذائية سيخلق وظائف من مختلف المستويات بدءاً بالقيادات الكفوءة والحكيمة لإدارة التحول نحو هذا القطاع، مروراً بالإداريين المتخصصين في التسويق والبيع والمحاسبة وصولاً إلى اليد العاملة الماهرة كالتقنيين والميكانيكيين وغيرها واليد العاملة غير الماهرة للتوضيب. ويلفت إلى أنه ثمة تجارب عدة ناجحة في صناعة المواد الغذائية في الخليج وأبرزها شركة المراعي التي نجحت في تأمين منتجات الحليب ومشتقاتها بأعلى المعايير والمواصفات ومن الاستحواذ على حصة كبيرة في السوق، وسيتلقى القطاع الزراعي أيضاً الكثير من الاستثمارات ولاسيما في مجال المشاريع التي تعتمد التقنيات الزراعية الجديدة، وهذا سيتطلب كفاءات ومهارات متخصصة في الهندسة الزراعية الحديثة.

التجارة الإلكترونية تستقطب الآلاف

في ما تكبّد قطاع التجزئة خسائر جسيمة وأغلق معظم المراكز التجارية والمولات أبوابها بسبب كورونا، شهدت المواقع الإلكترونية حركة ناشطة وغير مسبوقة في الأشهر الأخيرة، وهذا يتطلب من مؤسسيسها توظيف مئات الأشخاص العاملين في المستودعات والمخازن وموظفي التوصيل والتسليم. ويشير المدير الشريك في Kawas Consulting عوني قواص، إلى أن جميع الأعمال والخدمات التي تتطلب حضور المستهلك وتواجده الشخصي تم الاستعاضة عنها بالتجارة الإلكترونية، وبناء عليه، ستسرح شريحة كبيرة من شركات التجزئة عمالها، وستتحول فرص العمل إلى المواقع الإلكترونية، وستضطر شركات من القطاعات كافة حتى الأدوية إلى توظيف فريق عمل بأكمله للبيع الإلكتروني والوصول إلى المستهلك بطريقة أسهل. ويقول ترك إن إيرادات الشركات من البيع الإلكتروني ما قبل كورونا لم تكن تتخطى الخمسة في المئة، لكن بعد كورونا ستتضاعف الإيرادات من هذه الوسائل، وهذا التحول يحتاج إلى أشخاص وكوادر لإدارة هذه العملية، وسيعمد بعض الشركات أيضاً إلى تقليص حجمها في السوق وتعزيز حضورها على الإنترنت، وستكون بدورها مجبرة على توظيف أعداد كبيرة لخدمات التوضيب والتخزين. وهذا ما حصل عالمياً، إذ منذ بدء الأزمة وارتفاع الطلب على التسوق الإلكتروني سارعت شركات عالمية مثل "أمازون" إلى توظيف مئة ألف شخص إضافي في الولايات المتحدة، وتعتزم توظيف 75 ألفاً آخرين بهدف خدمة الزبائن بشكل أفضل في تلك الظروف غير المسبوقة، وأعلنت أيضاً شركة وولمارت نيتها توظيف 150 ألف عامل جديد، وشركة إنستاكارت لخدمات التوصيل أنها تنوي توظيف 300 ألف عامل.

شركات التوصيل... توظيفات بالجملة

لعبت شركات النقل البحري دوراً استراتيجياً في ظل أزمة كورونا لضمان استمرارية تدفق المواد والمنتجات الاستهلاكية، وكذلك شركات النقل الداخلية والتوصيل والتسليم. ومع ارتفاع الطلب على التسوق الإلكتروني من المرجح أن يرتفع الطلب على هذه الخدمات أكثر، الأمر الذي يتطلب توظيف المزيد من اليد العاملة غير الماهرة لتلبية الطلب. ويلفت قواص إلى أن عادات الشراء عبر الإنترنت وطلب توصيل المنتجات إلى المنزل ستترسخ ما بعد كورونا وهذا سيتطلب توظيفات بالجملة على هذا الصعيد من أجل ملاقاة الطلب.

مطلوب مبرمجو ترفيه

أعطت أزمة كورونا دفعاً قوياً لشركات البرمجة والشركات التي تطور التطبيقات والألعاب الإلكترونية ومواقع التسلية والترفيه الإلكترونية مثل نتفليكس وغيرها. ومع التزام الأفراد منازلهم، ازدادت نفقات المستهلكين على هذا النوع من الخدمات، لذا ستركّز تلك الشركات جهودها في المرحلة المقبلة على زيادة الإنتاج لتوسيع رقعة خدماتها في مختلف المناطق حول العالم، وهذا سيتطلب حتماً، وفق قواص، المزيد من الكفاءات والكوادر المتخصصة في تطوير البرامج والتطبيقات، خصوصاً الألعاب الإلكترونية، ولاسيما بعد أن ألغيت جميع النشاطات الرياضية والمناسبات والحفلات في النوادي الليلية، ويضيف أن شركات مثل "غوغل" و"مايكروسوفت" و"نتفليكس" ستنشط وستخلق وظائف في مختلف أرجاء العالم لملاقاة الطلب.

عقود قصيرة الأجل

لا تزال ملامح أزمة كورونا ومدتها غير واضحة المعالم، ولا يمكن لأحد أن يتكهن لأي مدى ستضطر الشركات إلى اعتماد سياسة العمل عن بعد، لذا، يجهز العديد من الشركات البنى التحتية المطلوبة للعمل عن بعد، بهدف مواكبة المرحلة المقبلة. ويلفت ترك إلى أن الشركات ستعتمد أيضاً على الأشخاص الذين يعتمدون العمل الحر freelancers، وهذا سيخلق فرصاً جمة للعديد منهم، وبعضها سيلجأ إلى التعاقد مع الموظفين بعقود قصيرة الأجل لا تتخطى الثلاثة أشهر، أو التعاقد مع مستشارين من دون التقيّد بالتزامات طويلة الأمد. ويقول قواص: "قد تطول الازمة إلى أكثر من سنة، ويمكن أن يصبح العمل عن بعد نهجاً تعتمده الشركات لفترة طويلة، لذا سيخلق بعض الشركات الكثير من الوظائف التي يمكن إتمامها عن بعد أو من المنزل".

القيادة الحكيمة

وعن مستوى المهارات والكفاءات المطلوبة في ظل التغيرات الجذرية التي قد تحصل، يشير ترك إلى أنه مع تغير ديناميكية السوق تتبدل الحاجات ومتطلبات العمل، وتتبدل نوعية الكوادر المطلوبة، حتى أن الشركات التي تعاني من مشاكل إدارية ومالية ستخرج من السوق، وستصمد الشركات الرائدة التي تملك قوائم مالية صحيحة وإدارة جيدة. ويقول: "حين تكون الشركة في مرحلة النمو تتبلور الحاجة الملحة إلى الكفاءات القيادية وأصحاب الإدارة الحكيمة، ولا يمكن لأي شركة أن تستمر من دون قائد كفوء وصاحب رؤية للمراحل المقبلة"، ويلفت إلى أنه في هكذا أوقات يمكن الاستغناء عن الوظائف الأقل أهمية بما يساهم في خفض التكاليف. ويلتقي ترك مع قواص في توافر القيادات الحكيمة في المنطقة القادرة على تخطي الأزمة بنجاح تماماً كما تم تخطي الأزمات السابقة، لكنه يلفت إلى أنه على الرغم من الحاجة الملحة لهذه الكوادر إلا أن رواتبهم لن تكون مغرية، لأن إيرادات الشركات وأرباحها ستنخفض ولن تعود الأمور إلى نصابها إلا بعد عودة النمو إلى الأسواق.

ويخلص ترك إلى القول إن البلدان الخليجية والعربية بمجملها كانت تعيش أزمات اقتصادية صعبة قبل تفشي الوباء المستجد، والأشخاص الذين خسروا وظائفهم في العام الأخير كانوا يجاهدون للحصول على فرصة ثانية، فما هي حالهم في ظل هذه الظروف. لذا، يؤكد ترك ضرورة أن تكون لدى الموظفين قيمة مضافة ليتمكنوا من الحصول على وظيفة في قطاع لا يملكون فيه الحد الأدنى من الخبرة. فالعاملون مثلاً في قطاع الطيران لا يملكون الحد الأدنى من الخبرة للعمل في قطاع التجارة الإلكترونية مثلاً، لذا ينبغي عليهم تطوير ذاتهم وتعلم مهارات جديدة لكي يتمكنوا من مواءمة متطلبات العمل الجديدة، ولكي توظفهم الشركات حين تكون بحاجة اليهم. ويقول:"ينبغي أن يفيد الأفراد من فرصة تواجدهم في المنزل بلا عمل لاكتساب مهارات جديدة عبر متابعة دروس عبر الإنترنت". أما العمالة غير الماهرة العاملة في قطاع المقاولات، فيشير ترك إلى إمكانية حدوث تبديل أو انتقال للموظفين إلى قطاع التوصيل والتسليم، لكن تبقى المشكلة أن العدد الهائل في قطاع المقاولات والبناء لا يمكن إيجاد فرص موازية له في قطاعات أخرى، لذا ينبغي برأيه أن تتعاون الشركات بين بعضها لنقل الموظفين لديها إلى القطاعات الجديدة التي تريد توظيف عمال جدد بدلاً من استيراد عمال أجانب من الخارج.