إجراءات العزل ووقف "المواصلات" يهددان بنقص المواد الغذائية

  • 2020-04-08
  • 14:00

إجراءات العزل ووقف "المواصلات" يهددان بنقص المواد الغذائية

"المحاصيل الاستراتيجية" والاحتياطات متوافرة نسبيا لكن المنطقة قد تواجه نقصاً في المنتجات الطازجة

  • رشيد حسن

أدت سياسات الحجر الشامل التي تطبّقها دول عدة في العالم في نطاق التصدير لانتشار فيروس كورونا إلى أكبر أزمة غذاء في التاريخ القريب، وهي أزمة تتوقع منظمة الأغذية والزراعة ((FAO أن تكون أسوأ بكثير من تلك التي عاشها العالم في العام 2008 نتيجة الانهيار المالي وما تبعه من أزمة ركود اقتصادي.

أزمة النقص المحتمل في العديد من الأغذية أو المحاصيل في بلدان العالم ليست وليدة نقص المحاصيل أو الإنتاج، بل هي وليدة الصعوبة الكبيرة في نقل تلك المحاصيل إلى أسواق الاستهلاك أو التصدير المعدّة لها، وقد أدت سياسات الحجر والعزل عملياً إلى شل اقتصادي شبه تام، إذ توقفت إلى حد كبير حركة الطيران بما فيها طائرات الشحن التي تنقل قسماً كبيراً من المحاصيل الزراعية، كما تمّ إغلاق الحدود بين الدول وبالتالي قطع طرق الشحن فتوقف النقل البري وخدمات قطارات وأساطيل الشحن والترانزيت وبدأ ذلك ينعكس بمعدلات متفاوتة على تدفقات السلع بين البلدان. فما هي الانعكاسات المتوقعة على غذاء العالم وعلى التدفقات المنتظمة للأغذية من جرّاء الانتشار الوبائي لفيروس كورونا في العالم، وما هي بصورة خاصة الانعكاسات المتوقعة على الدول العربية ولاسيما الدول المستوردة الكبيرة منها.

يمكن التمييز في هذا المجال بين سوقين أساسيتين:

أوّلاً: سوق المنتجات الاستراتيجية مثل القمح والأرز والسكر والذرة وغيرها، وهذه عادة تمتلك الدول منها مخزوناً قد يكفيها لأشهر.

ثانياً: سوق المنتجات الزراعية السريعة العطب وأهمها الفاكهة وأكثر أنواع الخضار الطازجة، وهذه لا يمكن بالطبع تكوين "احتياط استراتيجي" منها ولا بدّ من إيصالها بصورة منتظمة إلى المستهلكين.

وتشير تقارير منظمة التجارة العالمية ومنظمة الأغذية والزراعة "فاو" إلى أن احتمال حصول نقص في المنتجات الغذائية الاستراتيجية بعيد الاحتمال أولاً بسبب وفرة المحاصيل في العالم، وثانياً لأن أكثر الدول المستهلكة تمتلك عادة احتياطاً تعتبره أساسياً لحماية أمنها الغذائي، ثم إن نقل المحاصيل الاستراتيجية يتم غالباً بواسطة ناقلات عملاقة قد لا تكون عرضة للقيود نفسها في الملاحة الدولية كما هي الحال بالنسبة إلى الطائرات أو وسائل الشحن البري. لهذا، فإن بروز تحديات في الأغذية الأساسية للدول النامية أو العربية قد ينجم عن اعتبارات ظرفية مثل اتجاه بعض الدول المنتجة إلى الاحتفاظ بالإنتاج تعزيزاً لأمنه الغذائي.

ضربة للزراعات التصديرية

لكن القطاع الغذائي الأكثر عرضة للتأثر بأزمة كورونا هو قطاع الأغذية الطازجة الذي يعتمد منتجوه أحياناً على نقل الانتاج بوسائل النقل الجوي يومياً إلى أسواق التصدير. فهذا القطاع الذي يمثل نسبة كبيرة من الزراعات في العالم تلقى ضربة قاصمة، إذ انعدمت في الغالب وسائل تصدير القطاف اليومي من هذه المحاصيل مثل، الأزهار أو الفاكهة والخضار ذات القيمة المضافة العالية ولم يجد منتجوها خياراً سوى تلفها أو تقديمها للماشية أو إلقائها في مكبات النفايات. شهدنا بذلك صوراً لجرافات هولندية تقوم بإتلاف أطنان من الورود والأزهار التي لم يعد هناك من تُصدر إليه، كذلك قام مزارعو الخس أو الفريز في الهند بإطعامها للماشية بينما تكدّس موسم المانغا في مصر والهند وألقي بكميات من إنتاج العنب في مكبات النفايات.

ثمن الشلل

وبحسب منظمة "إياتا"، فإن إجراءات الحجر الشامل أدت إلى إلغاء 185 الف رحلة جوية في العالم منذ مطلع شباط/فبراير الماضي، لافتة الانتباه إلى أن هذه الإجراءات لا تزال تطاول طائرات الشحن وطواقمها على الرغم من الحاجة إلى خدمات الشحن الجوي لنقل العديد من السلع والمعدات الحيوية المتعلقة بمكافحة فيروس كورونا، وقد انخفض عدد العاملين في المطارات إلى أقل من 5 في المئة من الحجم المعتاد، وكذلك انخفض عدد الموظفين الجمركيين، وبسبب أجواء الفزع المسيطرة وسط تصاعد أعداد الإصابات والوفيات تستمر إجراءات الحجر من دون تمييز بين العمليات الأساسية والعمليات العادية ويستمر معها الاضطراب الشديد في لوجيستيات التجارة ونقل المنتجات والصادرات الغذائية.

 

دول الخليج

تعتبر دول الخليج حالة استثنائية بين دول العالم بسبب اعتمادها الشديد على استيراد حاجاتها من الغذاء والتي تصل إلى 85 في المئة من مجموع حاجاتها السنوية من الغذاء، وعلى الرغم من الجهود الكبيرة التي تبذلها دول الخليج في تطوير مصادر محلية للغذاء، فإن الطبيعة المناخية والطبيعية لهذه البلدان وخصوصاً نقص الموارد المائية يعني أن هذه الدول ستبقى معتمدة في غذائها على المصادر الخارجية، لكن يجب التفريق هنا أيضاً بين السلع الغذائية الاستراتيجية مثل القمح والأرز وغيرها والتي تملك منها دول الخليج احتياطات استراتيجية كبيرة، وبين السلع اليومية التي ينبغي استيرادها من الأسواق المختلفة وخصوصاً المجاورة في المنطقة العربية وتركيا وأفريقيا وأوروبا الجنوبية. وهذه المحاصيل الأخيرة يتوقع أن تتأثر بقوة بسبب سياسات الحجر وإغلاق الحدود في دول الخليج وكذلك في عدد من الدول المصدرة التي تطبّق سياسات عزل مماثلة داخل حدودها، ويلاحظ أن نحو 30 في المئة من حاجات الخليج الغذائية تقع في خانة المنتجات الطازجة التي يتم تصديرها عادة بواسطة الشحن الجوي والذي قد يبقى متوقفاً لأشهر وهو ما قد يؤثر على تدفق هذه السلع بدرجة كافية إلى الأسواق الخليجية في الأشهر المقبلة.

يذكر أن الدول التي تصدّر الأغذية الطازجة إلى دول الخليج تواجه بدورها إجراءات عزل وحجر وإغلاق حدود ووقف النقل الجوي، وقد أدت هذه الإجراءات إلى تعطيل ملايين العمال الذين لم يعد في إمكانهم الانتقال في الحقول لحصاد المحاصيل أو زرع المحاصيل المقبلة، وهناك عدد قليل جداً من الشاحنات ووسائل نقل البضائع الذي يعمل على تأمين نقل البضائع من المزارع إلى المستهلك، وهذا الأمر يمكن أن يتكرر في حالات عديدة في الدول المصدرة إلى أسواق الخليج ويؤثر بالتالي في أكثر من وجه على درجة توافر العديد من السلع الغذائية ولاسيما الطازجة منها مثل الخضار والفاكهة واللحوم والأجبان، وعلى دول المنطقة أن تتوقع تزايد حالات النقص في أغذية معينة وربما ارتفاعاً في الأسعار مع تفاقم انتشار وباء الكورونا في المنطقة.