كورونا يحفز الحكومات على الالتفاف حول الشركات الناشئة

  • 2020-03-30
  • 16:29

كورونا يحفز الحكومات على الالتفاف حول الشركات الناشئة

حزم الدعم قد تساهم باستمرارية عمل الشركات الناشئة وتخفف من البطالة

  • رانيا غانم

لم تتوانَ الحكومات الخليجية في السنوات الأخيرة عن تقديم الدعم المباشر لخلق منظومة وبيئة أعمال مناسبة لروّاد الأعمال والشركات الناشئة، فكيف تتخلى عنهم في المحن وفي وقت يواجه العالم بمختلف أرجائه معركة ضروساً في وجه فيروس كورونا المستجد؟

وتحسباً لأي تداعيات قد تترك آثاراً سلبية على الشركات الناشئة، سارعت الحكومات الخليجية إلى تخصيص حزم تحفيزية شملت مساعدة هذه الشركات على اجتياز ظروف السوق العصيبة وضمان استمرارية أعمالهم والحفاظ على وظائف العاملين فيها وبشكل غير مباشر دعم النمو الاقتصادي.

حكومات داعمة في أوقات المحن

تبلورت حزم الدعم ببرامج لتمويل الشركات الناشئة والصغيرة بفوائد مخفضة وتأجيل دفعات الأقساط المصرفية مع فترة سماح قد تصل إلى ستة أشهر، وإعفاء من الرسوم أحياناً، فالإمارات مثلاً خصصت 820 مليون دولار لبرنامج الضمانات الائتمانية لتمويل الشركات الصغيرة، و14 مليون دولار لبرنامج إعفائها من كفالة حسن التنفيذ، كما إنها خصصت مبلغاً لدعم رسوم توصيل الكهرباء حتى نهاية العام، وخفضت الرسوم على بطاقات الائتمان وإلزام المصارف بفتح حسابات لعملاء الشركات الصغيرة. السعودية بدورها، أطلقت ثلاثة برامج لدعم الشركات الصغيرة، وخصصت 8.2 مليارات دولار لتأجيل دفعات الأقساط لمدة ستة أشهر، و3.6 مليارات دولار لتمويل القروض الميسرة و1.6 مليار دولار لبرنامج دعم ضمانات التمويل لخفض كلفة الإقراض. أما باقي الدول الخليجية فأطلقت حزماً شملت القطاع الخاص بمجمله، وتمثلت في البحرين مثلاً بدفع رواتب المواطنين في المؤسسات الصغيرة لمدة ثلاثة أشهر. وخصصت عمان 20 مليار دولار لخفض الرسوم والفوائد المصرفية على القروض لتأجيل الدفعات والشيكات لمدة ستة أشهر، ورصدت قطر 20 مليار دولار لتأجيل أقساط القروض على أن تفيد من الحزمة الشركات الصغيرة.

نتائج ملموسة قريباً

لكن الشركات الناشئة لم تلتمس حتى الآن أي نتائج إيجابية من هذه الحزم التحفيزية، بحسب وليد حنا، المؤسس والرئيس التنفيذي في شركة رأس المال الجريء  Middle East Venture Partners (MEVP) . ويقول: "ستبدأ مفاعيل هذه الإجراءات بالظهور بعد شهرين على الأقل من إقرارها"، شارحاً أنها ستلعب دوراً كبيراً في ديمومة الشركات واجتيازها أزمة كورونا، فضلاً عن أنها ستحمي شركات كثيرة من الإقفال، وستخفف من حدة البطالة.

 

 

وتتفاوت نسبة إفادة الشركات الناشئة من حزم الدعم هذه، حيث يشير عثمان أبا حسين، مؤسس شركة نالا، المتخصصة في تقديم الخدمات الصحية الرقمية، إلى أنهم لن يستفيدوا مباشرة من هذه الحزمة، لأنه ليس لديهم أي ديون للمصارف وبالتالي لن يتلمسوا أي نتائج إيجابية من تلك الإجراءات. لكن الإجراءات التي اتخذت كخفض معدلات الفائدة على القروض الجديدة وخفض الرسوم المصرفية بنسبة 50 في المئة على القروض الحالية، قد تشجعهم على الاقتراض لتخطي الأزمة الحالية.

الحاضنات والمسرعات، التي تساعد الشركات الناشئة على تطوير أفكارها ومشاريعها، لن تكون بمنأى عن الانعكاسات الإيجابية لهذا الدعم. ويشير أنس زين الدين، المدير التنفيذي في Krypto Labs المسرعة المتمركزة في مدينة مصدر في أبوظبي إلى أن الدعم المالي يدعم بيئة الابتكار بالمجمل، وهذا بدوره يساهم في خلق برامج متنوعة ممكن أن تنفذها مراكز الابتكار مع الشركات الناشئة. ويضيف: "ستساهم هذه الحزم في توفير فرص متعددة للشركات الناشئة التي ستحتاج إلى الكثير من برامج الابتكار ومن المسرعات لمساعدتها، وهذا سيضمن ديمومة أعمالنا وبرامجنا". وقد نفذت بعض المسرعات العمل عن بعد لضمان استمرارية العمل، متخذة إجراءات وقائية لحماية العاملين والشركات الناشئة. يقول زين الدين: "تواصل المسرعة مسيرتها وتحقق نجاحات على الرغم من الأزمة، وتعمل على برامج في مجال الفضاء مع وكالة الإمارات للفضاء".

 منها سيصمد ومنها سيندثر

مع تنامي وتيرة تفشي فيروس كورونا المستجد، ترتفع أهمية دعم الشركات الناشئة التي غالباً ما تكون إمكاناتها المادية ضئيلة على خلاف الشركات الكبيرة ومعرّضة للإنهيار بشكل أسرع. وفي هذا السياق، يشير زين الدين إلى وجود ثلاثة سيناريوهات قد تواجه الشركات الناشئة في ظل جائحة كورونا تختلف وفقاً لطبيعة الشركة وفعالية إدارتها، ويقول إن نهاية بعض الشركات الناشئة قد تكون حتمية في ظل أزمة كورونا، نظراً إلى عدم وجود الإمكانات المادية التي تسمح لها بالصمود، في حين ستتمكن شركات أخرى من خلق استراتيجية جديدة أكثر فعالية تتلاءم مع الظروف الراهنة، كأن تعمد إلى خفض أكلافها التشغيلية أو خفض عدد موظفيها لضمان استمراريتها، وبعض الشركات سيستفيد من الأزمة ومن الركود الحاصل وسيقتنص الفرص المتاحة لتصبح أكثر متانة. ويضيف: "ستساهم هذه الحزم في تخطي الأزمة".

 



انكماش وشركات متضررة

وتتخوف شركات رأس المال الجريء في الخليج من انكماش غير مسبوق قد يؤدي إلى ارتفاع معدل البطالة بوتيرة متسارعة، والسبب يردّه حنا إلى اعتماد الشركات في الإمارات تحديداً على الأجانب الوافدين للعمل. ويقول: "في حال فقدت هذه الشريحة أشغالها في الإمارات ستضطر إلى مغادرة البلاد وبالتالي ستشهد الشركات المزيد من التراجع". والصورة ليست مغايرة في السعودية، إذ تساهم الشركات الناشئة في خلق آلاف فرص العمل للشباب السعوديين، هذه الشريحة التي تشكل 50 في المئة من المجتمع السعودي، وفي حال تأثرت هذه الشركات سلباً، "ستحل الكارثة"، يقول حنا.

وقد وجهت أزمة كورونا المستجدة الضربة القاضية للكثير من الشركات الناشئة في الأسواق الخليجية، ووصل الحال ببعضها إلى إيقاف أعمالها. ويضرب حنا مثالاً على الشركات التي تضررت، فيتحدث عن تلك التي تملك منصات إلكترونية متخصصة بتقديم خدمات التنظيف للمنازل عبر تطبيقات هاتفية، ولا سيما بعد أن أصدرت الحكومة السعودية قراراً يمنع دخول عمال النظافة إلى المنزل تفادياً لانتقال عدوى كورونا. ويقول حنا إن هذه الشركات أقفلت نهائياً بعد أن كانت تحقق نتائج غير مسبوقة، وكانت تستعد لزيادة رأسمالها عبر شركات الاستثمار الجريء.

وفي هذا السياق، يشير حنا إلى أن الخطوات الداعمة للشركات الصغيرة كالقروض الميسرة وتأجيل دفعات الأقساط ستسمح للشركات بتغطية أكلافها التشغيلية ورواتب العاملين، وبالتالي الصمود في هذه الأزمة. ويلفت إلى أنهم كشركات استثمار جريء اتخذوا بعض الإجراءات لاحتواء الأزمة، وستعمد شركة MEVP إلى تقديم قروض طوارئ للشركات الناشئة التي تأثرت سلباً بأزمة كورونا كي تتمكن من تخطي الأزمة الحالية. ويقول حنا: "نحن على ثقة أن الأزمة ستنتهي بعد ثلاثة أشهر وبعدها ستعاود الشركات نشاطها وستحقق نمواً".

شركات تتألق في زمن الكورونا

لكن أزمة كورونا لم تنعكس سلباً على جميع الشركات الناشئة، صحيح أن بعضها تضرر كثيراً وتوقفت أعماله، لكن البعض الآخر يحقق نجاحات غير مسبوقة، وارتفاعاً كبيراً في العائدات. ويشير أبا حسين، من شركة نالا، إلى أن أعمال الشركة تحسنت كثيراً بعد تفشي الفيروس المستجد، على الرغم من أن الموظفين يعملون عن بعد، والسبب يعود إلى نوعية الخدمات المقدمة والتي تعنى بالأزمة. ويتوقع أبا حسين أن يشهد تحسناً أكبر في الطلب على هذه الخدمات في الفترة المقبلة، مع ازدياد الوعي حول استخدام الخدمات الإلكترونية الطبية. أفادت أيضاً شركة نعناع، المتخصصة في خدمات توصيل المنتجات من السوبرماركت في السعودية، من الأزمة، حيث تضاعفت قدرتها ثلاث مرات في غضون عشرة أيام، وشهدت ارتفاعاً غير مسبوق في عائداتها، وفق MEVP الشركة الممولة لنعناع. وقد تمكنت نعناع من زيادة استثماراتها بقيمة 18 مليون دولار من شركة Saudi Technology Ventures.

كذلك، تحسن أداء شركة one click المتخصصة في تقديم خدمات لوجيستية إلكترونية والمتمركزة في الإمارات، نتيجة ارتفاع الطلب على خدمات التوصيل والتسليم بعد جائحة كورونا التي ألزمت العالم منازلهم. ويقول حنا: "لقد أخذ هذا النوع من الأعمال دفعة قوية بفضل الأزمة، ونموها مرشح للازدياد حتى بعد أفول الأزمة، حيث ثبت عالمياً أن أداء المنصات الإلكترونية وتحديداً التجارة الإلكترونية لا يتراجع أبداً".