السعودية: إجراءات متقدمة أبطأت كورونا

  • 2020-03-18
  • 15:00

السعودية: إجراءات متقدمة أبطأت كورونا

  • سليمان عوده

لم تترك السعودية هامشاً ولو ضئيلاً للخطأ في معركتها ضد فيروس "كورونا المستجد". منذ اللحظة الأولى لبدء تفشي المرض إقليمياً، سارعت إلى اتخاذ إجراءات احترازية صارمة. قد يكون من المبكر الحكم بصورة نهائية على النجاح التام لهذه التدابير، لكن عدد المصابين بالفيروس، إذا ما قورن بالأعداد المسجلة في بلدان أخرى يشكل بعضها نواة العالم المتقدم، هو من الندرة بحيث يمكن القول إنها فعلت فعلها، وإن المملكة تسير على الطريق الصحيح. وقد كتب في هذا الصدد الكاتب السعودي سلمان الدوسري يقول: "كورونا أمام نموذجين: المدرسة الصينية التي اتخذت إجراءات مشددة، واعتمدت على السيناريو الأسوأ، والمدرسة االأوروبية المعتمدة على الوعي أولاً والانتظار ثانياً، حتى إذا انتشر المرض، بدأت في اتخاذ قرارات ليست احترازية وإنما علاجية، لكن بعد أن يفوت الأوان". 

 

وقد مالت السعودية للمدرسة الأولى منذ البداية، فتعاملت مع فيروس "كوفيد-19" باحترافية عالية، استقتها من خبراتها المتراكمة في التعامل مع "متلازمة الشرق الأوسط التنفسية". ينتمي هذا الفيروس أيضاً إلى عائلة كورونا، وكان حل ضيفاً ثقيلاً على المملكة ابتداء من العام 2012. آنذاك، سجلت السعودية 80 بالمئة من الإصابات بالفيروس، الذي تشكل الجمال مستودعاً له على ما تقول منظمة الصحة العالمية، وتصاحبه الأعراض النمطية ذاتها التي تصاحب فيروس "كورونا المستجد"؛ الحمى والسعال وضيق التنفس، وفي حالات متقدمة الالتهاب الرئوي. وترتبط معدلات الشفاء ارتباطاً وثيقاً بالحالة الصحية العامة للمريض. باقي الحالات توزعت بين الإمارات والأردن وفرنسا وقطر. 

وقف التأشيرات السياحية

متسلحة بخبرتها في مواجهة النسخة القديمة من الفيروس، عمدت السعودية، وقبل أن يتم تسجيل أي إصابة مرضية فوق أراضيها، إلى اتخاذ تدابير وقائية صارمة وسريعة وواسعة الأثر. فهي علقت بدايةً العمل بالتأشيرات السياحية الممنوحة لرعايا 22 دولة تفشى فيها فيروس "كورونا المستجد"، وأبقت على التأشيرة السياحية صالحة لبقية الدول، مع مراعاة الاشتراطات التي أعلنتها وزارة السياحة آنذاك في ما يخص ضرورة عدم زيارة أي من الدول التي تفشى فيها المرض قبل 14 يوماً من دخول السائح للمملكة. ويقول ممثل وزارة السياحة في اللجنة الخاصة التي شكلت للحد من انتشار كورونا فهد العجمي إن "التأشيرات السياحية التي منحتها المملكة منذ إطلاق التأشيرة السياحية في نهاية أيلول/سبتمبر قد تجاوز 400 ألف تأشيرة سياحية، وقد اشترطت اللجنة أن يبرهن السائح أنه أمضى فترة أسبوعين كاملين خارج البلدان الموبوءة قبل أن يسمح له بالقدوم إلى المملكة". وتبلغ المدة القصوى لحضانة المرض قبل ظهور أعراضه على المصاب 14 يوماً. 

وبادرت السعودية إلى اتخاذ القرار الصعب بمنع العمرة والطواف في صحن الكعبة، لتوجه بذلك رسالة واضحة إلى السعوديين أولاً، والعالم ثانياً، بأنها جادة في مكافحة المرض الذي تسلل بخفة إلى بلدان الخليج العربي عبر بوابات إيران. وأعلن الدكتور عبد اللطيف آل الشيخ وزير الشؤون الإسلامية والدعوة والإرشاد عبر تويتر أن "الإجراءات الاستباقية التي قامت بها المملكة لمنع انتشار فيروس كورونا تجسيد لحرص المملكة على سلامة مواطنيها والمقيمين على أراضيها وجميع المسلمين". 

أحصت السعودية وجود نحو نصف مليون معتمر فوق أراضيها، فوضعت برنامجاً لتسهيل عودتهم إلى بلادهم، بالتوازي مع إيقاف منح تأشيرات جديدة. وقال الدكتور عبد العزيز وزان، وكيل وزارة الحج والعمرة لشؤون العمرة في مؤتمر صحافي إن الوزارة "أوقفت إصدار تأشيرات الحج والعمرة بشكل مؤقت منذ صدور القرارات الأخيرة بهذا الشأن، وعممت القرار على شركات ومؤسسات العمرة في السعودية وجميع الوكلاء الخارجيين". ويبلغ عدد هؤلاء 6500 وكيل يتوزعون على مختلف بلدان العالم. 

ضمان الموارد

وأُطلقت السعودية خطة وطنية ضخمة للتعامل مع احتمال تفشي فيروس "كورونا المستجد" على نطاق واسع. فشُكلت لجنة حكومية مهمتها التأكد من توافر الموارد الكافية للتعامل مع تهديد الفيروس. وقد خصصت اللجنة 25 مستشفى للتعامل مع حالات الإصابة، واعتمدت لهذه الغاية 80 ألف سرير، منها ثمانية آلاف سرير مخصص للعناية المركزة، وأكثر من 2200 سرير مخصص لعزل الحالات. 

وعلقت الهيئة العامة للجمارك السعودية تصدير الألبسة الواقية والأقنعة الطبية والنظارات الطبية وغيرها من المنتجات والمستلزمات والتجهيزات المستخدمة للكشف أو الوقاية من فيروس "كورونا المستجد". ويهدف هذا الإجراء إلى حماية المخزون الوطني من هذه المنتجات، والتأكد من توافره بكميات كافية عند الحاجة إليه. يقول ماهر الغنام، المدير التنفيذي في شركة أڤالون فارما السعودية المصنعة للمستلزمات الطبية: "المصانع السعودية جاهزة لتوفير كل ما تحتاج إليه السوق من مستلزمات طبية". لكن حاجة المرافق الطبية قد تتخطى القدرات الذاتية، من هنا الحاجة إلى حفظ المخزون الوطني. 

وعلَّقت الدراسة في جميع المدارس والجامعات، بالتوازي مع إطلاق خطة لتعزيز المدارس التفاعلية، بغية ضمان استمرار العملية التعليمية من دون انقطاع. وقامت السعودية بإجلاء السعوديين الموجودين في المناطق الموبوءة أو التي خرج فيها المرض عن السيطرة. يقول تميم الدوسري، وكيل وزارة الخارجية السعودية للشؤون القنصلية: "سُيرت رحلات خاصة لإجلاء سعوديين من المناطق الموبوءة، لا سيما من ووهان وكوريا، وقد أخضع العائدون لكل إجراءات التثبت من أنهم بأتم الصحة والعافية". 

هذه القرارات الاستباقية أخرت وصول العدوى إلى السعودية. وعندما بدأت تظهر أولى الإصابات في البلاد، وبعد التثبت من أن مصدرها إيران، علقت الرحلات الجوية باتجاه طهران ومدن أخرى في البلاد، ولاحقاً مع البحرين التي كان يتسرب المصابون العائدون من إيران عبر أراضيها، كما عمدت السعودية إلى فرض عزل على محافظة القطيف، وهو تدبير ترافق مع خطط علاجية ووقائية لمن تثبت إصابتهم من سكان المحافظة، أو لمن كان يخالطهم. 

 

حظر السفر

في مرحلة لاحقة، توسع العزل بحيث بات يشمل البلاد كلها. فقد فرضت السعودية تقييداً صارماً لحركة الدخول إليها، ووسعت حظر السفر ليشمل كل حملة التأشيرات السياحية إلى أي بلد انتموا. كذلك، بدأت تفرض تباعاً تقييداً لحركة السفر إلى كل بلد يتفشى فيه المرض. إجراءات العزل الذاتي كانت تزداد تشدداً بالتناسب مع ارتفاع حالات الإصابة بالمرض. وقد انتهى المطاف بهذه الإجراءات، في غضون أيام قليلة، إلى غلق بوابات البلاد الرئيسية أمام حركة السفر الدولية، وعلقت جميع الرحلات، باستثناء تلك التي تربط بين المدن الرئيسية في المملكة. 

وعلقت السعودية الحضور إلى مقرات العمل الحكومية لمدة 16 يوماً، وشمل تعليق الدوام كل المرافق والقطاعات باستثناء القطاعات الصحية والأمنية والعسكرية. كما أغلقت المجمعات التجارية باستثناء محال المواد الغذائية والصيدليات. ومنع تقديم الطعام داخل المطاعم والمقاهي، فيما سمح بخدمات التوصيل. وحثت وزارة الصحة المواطنين والمقيمين في المملكة على وقف التجمعات بكافة أشكالها، حرصاً على سلامتهم من الإصابة بفيروس كورونا. كما أعلنت منع التجمعات في الأماكن العامة المفتوحة والمغلقة بما فيها الحدائق العامة. ووجهت السعودية بإغلاق جميع الأسواق الشعبية كإجراء احترازي، وحفاظاً على صحة المواطنين والمقيمين من انتشار الفيروس، وبدأت حملة عامة لتعقيم وتهوية أماكن تقديم الأطعمة والمشروبات بناءً على قرار وزارة الشؤون البلدية والقروية. ومن ضمن إجراءاتها لمنع انتشار فيروس كورونا المُستجد، علقت السعودية الألعاب والبطولات والمسابقات الرياضية "حتى إشعار آخر" بحسب ما أعلنت وزارة الرياضة السعودية. وشمل القرار إغلاق الصالات والمراكز الرياضية الخاصة. 

كذلك، قررت السعودية ابتداءً من اليوم الأربعاء تعليق الحضور إلى مقرات العمل في القطاع الخاص لمدة 15 يوماً، وتفعيل إجراءات العمل عن بعد عدا القطاعات الحيوية، وقطاعات البنية التحتية الحساسة مثل الكهرباء والمياه والاتصالات. كما فرضت إجراءات متعددة إضافية، منها منح بعض العاملين مثل الحوامل والمرضعات ومن تخطوا سن الخامسة والخمسين ومن يعانون مشاكل صحية محددة إجازة لمدة 15 يوماً لا تقتطع من الإجازات المدفوعة. وقررت السعودية ابتداءً من هذا الأسبوع إيقاف صلاة الجمعة والجماعة لجميع الفروض في المساجد، والاكتفاء برفع الأذان، ويستثنى من ذلك الحرمان الشريفان. 

تحفيز اقتصادي

وأطلقت مؤسسة النقد العربي السعودي (ساما) برنامجاً بقيمة 50 مليار ريال، هدفه دعم القطاع الخاص، وخصوصاً قطاع المنشآت الصغيرة المتوسطة. يتألف البرنامج من حزمة إجراءات تتضمن دعم تمويل المنشآت الصغيرة والمتوسطة، ودعم رسوم عمليات نقاط البيع والتجارة الإلكترونية، والتنسيق مع البنوك وشركات التمويل لتسهيل المدفوعات المتعلقة بتمويل المنشآت المتأثرة جراء التدابير الاحترازية في مكة والمدينة. وعلقت المؤسسة الحضور إلى مقرها وفروعها والاكتفاء بالعمل "عن بُعد" للمؤسسات المالية التي تقع تحت إشرافها، باستثناء الوظائف الحرجة التي تتطلب حضور الموظفين، وذلك اعتباراً من يوم الاثنين ولمدة 16 يوماً. وأوضحت المؤسسة أن التعليق جاء تنفيذاً لقرار الحكومة الخاص بتعليق الحضور لمقرات العمل في جميع الجهات الحكومية للفترة نفسها باستثناء القطاعات الصحية والأمنية والعسكرية، ومركز الأمن الإلكتروني، ومنظومة التعليم عن بُعد في قطاع التعليم.