قطاع الطاقة في مواجهة التغيّر المناخي: أرامكو نموذجاً

  • 2020-03-15
  • 10:55

قطاع الطاقة في مواجهة التغيّر المناخي: أرامكو نموذجاً

  • حنين سلّوم

تتفاقم تداعيات التغير المناخي يوماً بعد يوم في العالم أجمع. فبعد حرائق الغابات في أستراليا وغابات الأمازون، وهطول الأمطار بغزارة في الامارات العربيّة المتحدة في كانون الثاني/ يناير الماضي والذي أدّى إلى فيضانات وفوضى وتسبّب بإقفال المدارس وإلغاء أو تأجيل بعض الرحلات الجويّة في مطار دبي الدولي، باتت آثار التغير المناخي المباشرة ظاهرة بشكل واضح، أمّا الآثار غير المباشرة والتي لا يمكن رؤيتها بل دراستها، فتتمثل في التكاليف الاقتصادية التي تتكبدها الدول من جرّاء تلك التغييرات.

ولعلّ أبرز القطاعات التي يمكن أن تتأثر بمبادرات الحد من التبدلات المناخية وعلى رأسها الاحتباس الحراري، هو قطاع الطاقة، فمن ناحية يساهم هذا القطاع بتفاقم مشكلات المناخ بسبب الانبعاثات الصادرة عن مرافقه الإنتاجية، ومن ناحية أخرى هو قطاع حيوي تساهم شركاته في مختلف أنحاء العالم وخصوصاً في الدول الخليجية المنتجة للنفط بنسبة كبيرة في الناتج المحلي، وهذا ما يضعه في دائرة الضوء ويصعّب مهمة الدول الباحثة عن حلول تضمن الإنتاج وفي الوقت نفسه بأقل قدر ممكن من الانبعاثات السامة التي تهدد المناخ. فهل سيتم إيجاد الحل المناسب أم سيدفع القطاع الثمن؟

قطاع الطاقة: هل يدفع الثمن؟

يواجه قطاع الطاقة أحد التحديات الأصعب في تاريخه. في الماضي القريب، كانت مخاوف شركات النفط والغاز تنحصر في تقلّب الأسعار وكميّة العرض والطلب، أمّا اليوم أصبحت أعمال الشركات مهدّدة في ظل مبادرات الحد من التغير المناخي والتحول إلى الطاقة المتجدّدة. وفي هذا السياق، قال المدير التنفيذي للوكالة الدولية للطاقة (IEA) فاتح بيرول، في كانون الثاني/ يناير الماضي إنّ جميع شركات الطاقة سوف تتأثّر نتيجة التحول إلى الطاقة المتجدّدة وإنه على كل جزء من القطاع التفكير في كيفيّة الاستجابة وإنّ عدم التحرك ليس خياراً متاحاً.

وأضاف:"إن نحو 15 في المئة من انبعاثات غازات الاحتباس الحراري الناجمة عن قطاع الطاقة، تتكوّن اثناء استخراج النفط والغاز، لذا فإنّ المهمة الأولى للشركات هي الحد من البصمة البيئية لعملياتها الخاصة، إذ من الممكن خفض جزء كبير من هذه الانبعاثات بسرعة وسهولة وذلك من خلال استخدام الطاقة المتجدّدة في عملية استخراج النفط والغاز، وهذا يقود إلى ضرورة استثمار الشركات في الوقود المنخفض الكربون مثل الهيدروجين والميثان الحيوي والوقود الحيوي المتطوّر، وهي عناصر تنتج الطاقة من دون انبعاثات صافية من الكربون". وخلص بيرول إلى أنّه خلال عشر سنوات يجب أن يشكّل الوقود المنخفض الكربون نحو 15 في المئة من استثمارات الشركات في إمدادات الوقود إذا كان العالم يسير على المسار الصحيح لمعالجة تغير المناخ.

النفط... أساس اقتصاد الخليج

إنطلاقاً مما قاله بيرول، فإن أكثر المتأثرين بأي تحوّلات في عمليات إنتاج النفط والغاز ستكون دول الخليج، فهذه الدول مصدّرة للنفط والغاز وينتمي معظمها إلى منظّمة أوبك  (OPEC) وهي قامت بتصدير نحو 69 في المئة من إجمالي الصادرات السلعية إلى الأسواق العالمية سنة 2018، وذلك بحسب تقرير نشره المركز الإحصائي لدول مجلس التعاون الخليجي في تشرين الأول/أكتوبر2019، وهنا، فإن هذه النسبة تقود إلى طرح السؤال: هل النفط نعمة للبلاد التي وهبت به أم نقمة؟

لا شكّ أن النفط نعمة كبيرة لما يؤمنه من مداخيل للدول المصدرة، غير إن استخراجه وتكريره حوّلاه إلى نقمة لما قد ينتج عنه من انبعاثات للغازات الدفيئة (أسوأها ثاني أوكسيد الكربون)، والتي أدّت إلى تفاقم تداعيات التغير المناخي في هذه البلاد والعالم. وقد حلّت شركات النفط في أربعة بلدان عربيّة، وهي المملكة العربية السعودية، الامارات، الكويت، والعراق في قائمة شركات النفط الـ 20 ذات الانبعاثات الأعلى لثاني أوكسيد الكربون المجمّعة ما بين الفترة الممتدّة من 1965 إلى 2017 وفقاً لدراسة نشرتها Climate Accountability Institute سنة 2019.

وفي حين كان اقتصاد هذه البلاد قائماً بشكل كبير على النفط، كانت البلاد تتصدّى للمبادرات التي تهدف إلى الحد من انبعاثات الغازات الدفيئة باعتبار أن ذلك يهدّد مداخيلها. ولكن، مع تفاقم تداعيات التغير المناخي وتوجّه هذه البلاد إلى تنويع مصادر دخلها والحدّ من اعتمادها على النفط أدّت إلى اتخاذ البعض منها خطوات جديّة للتخفيف من الآثار السلبية على البيئة لكنّها مازالت غير كافية.

المملكة العربية وأرامكو: خير مثال

يشكّل قطاع النفط نحو 35 في المئة من الناتج الإجمالي المحلّي للمملكة وذلك بفضل أرامكو، الشركة الأضخم عالمياً من حيث القيمة السوقية والأرباح، وللأسف الأضخم من حيث إجمالي انبعاثات ثاني أوكسيد الكربون المجمّعة ما بين عامي 1965 و2017 والتي بلغت 59.3 مليار طن من ثاني أوكسيد الكربون وما يعادله وهو ما يشكّل 4.4 في المئة من إجمالي انبعاثات غازات ثاني أوكسيد الكربون في العالم خلال هذه الفترة وذلك وفقاً لدراسة نشرتها Climate Accountability Institute سنة 2019.

لكن، في المقابل ووفقاً لدراسة نشرتها Nature Energy سنة 2018، والتي قامت باختبار وفحص كثافة الانبعاثات الكربونية في النفط الخام بدءاً من مرحلة الاستخراج ووصولاً إلى التكرير، تبيّن أنّ النفط الخام السعودي يتمتّع بأقل كثافة من حيث الانبعاثات الكربونية وذلك بعد فحص نفط يتم توريده من 100 حقل في 20 دولة.

وعلى الرغم من تعرّض أرامكو لانتقادات عدّة في سياق التغير المناخي، فإن الشركة قد اتخذت جملة من الخطوات للحدّ من أثر أعمالها على البيئة بهدف وقف حرق الغاز في مرافقها نهائياً. ومنذ سنة 1980، قامت الشركة بتركيب أنظمة لاستخلاص غاز الشعلات كما وضعت إرشادات صارمة مكّنتها من التفوق على المعايير العالميّة.

 تعي أرامكو أيضاً أن الحد من كثافة انبعاثات الكربون يشكّل إحدى أبرز الخطوات لمواجهة التغير المناخي. وفي هذا السياق، أطلقت الشركة سنة 2000 برنامجاً لإدارة الطاقة وقد استطاعت الشركة تحسين كفاءة الطاقة وتجنّبت انبعاث 23 مليون طن إضافية من ثاني أوكسيد الكربون سنوياً، ويعود ذلك لعوامل عدة أبرزها الممارسات والتقنيات التي تعتمدها الشركة مثل التوجيه الجيولوجي لأعمال الحفر والغمر بالمياه في جوانب الحقل.

لا تنحصر جهود أرامكو بخفض الانبعاثات فقط بل تمتد لتحويلها إلى منتجات صناعيّة ذات قيمة ما يساهم في تحفيز النمو الاقتصادي ويخلق فرص عمل. ففي سنة 2016 استحوذت الشركة على تقنيّة كونفيرج بوليول من شركة نوفومر الأميركية لتحويل ثاني أوكسيد الكربون إلى بوليولات (polyols) العالية الأداء والتنافسية من حيث التكاليف فضلاً عن كونها مستدامة وتستخدم في تطبيقات عدّة.

ولابتكار تقنيّات مستدامة للحد من الانبعاثات والتوصل إلى تطبيقات أخرى للنفط الخام لا تعتمد على استخدام الوقود، تسخّر الشركة جهداً كبيراً في مجال البحوث والتطوير والتمويل لابتكار حلول لخفض التكلفة وتخزين واستغلال الكربون مع المحافظة على البيئة. وتشكّل تقنيات الوقود النظيف أحد أبرز البحوث التي تعمل الشركة على تطويرها لإحداث ثورة في قطاع النقل. تعمل أرامكو على تطوير تركيبات وقود مبتكرة وتقنيات محركات احتراق داخلي أكثر كفاءة للحدّ من الانبعاثات الكربونية في قطاع النقل الذي يساهم بنسبة 29 في المئة من إجمالي انبعاثات الغازات الدفيئة في الولايات المتحدة مثلاً.

وإضافة إلى ما سبق، فإنّ أرامكو عضو مؤسّس في مبادرة شركات النفط والغاز بشأن المناخ (Oil and Gas Climate Initiative) وهو ما يمثّل خير دليل على الجهود التي تضعها الشركة للتقليل من انبعاثات الغازات الدفيئة وتأمين احتياجات العالم من الطاقة، وقد تعهّدت الشركة بضخ استثمارات بقيمة مليار دولار خلال السنوات العشر المقبلة عبر ذراعها الاستثمارية "صندوق الاستثمارات المناخية" من أجل تطوير تقنيات مبتكرة لخفض الانبعاثات.

وأخيراً، لا شكّ أن الدول العربيّة باتت جميعها تعي خطورة تداعيات التغير المناخي وتضع خططاً وتطلق المشاريع للتصدّي أو على الأقل للتخفيف من هذه التداعيات ولكن خطواتها مازالت غير كافية.

وفي حين أصبح العالم أجمع على يقين بضرورة التحرك للحدّ من التغير المناخي، وفي ظل انتشار وباء كورونا وانشغال الدول في محاولة الحدّ من انتشاره ومع انخفاض سعر النفط إلى أدنى المستويات (ما يشجّع على استهلاكه)، هل نعود إلى نقطة الصفر في الحد من التغير المناخي؟