أسعار النفط تقول لنا: لا حرب حالياً في المنطقة

  • 2024-04-16
  • 12:27

أسعار النفط تقول لنا: لا حرب حالياً في المنطقة

  • أحمد عياش

 

غداة الهجوم الذي شنته إيران على إسرائيل، تراجعت أسعار النفط خلال التعاملات يوم الاثنين في 15 نيسان/ابريل الحالي، والسبب هو أن المشاركين في السوق قلصوا علاوات المخاطر. وهكذا انخفضت العقود الآجلة لخام برنت تسليم حزيران/يونيو 23 سنتاً، أو 0.2 في المئة، إلى 90.22 دولار للبرميل، في حين هبطت العقود الآجلة لخام غرب تكساس الوسيط تسليم أيار/مايو 29 سنتاً، أو 0.3 في المئة، إلى 85.37 دولار للبرميل وفق "رويترز".

هل من امثولة بين أيدينا الآن بعد هذه التطورات الأمنية الجديدة في المنطقة؟

بحسب وكالة بلومبيرغ، فإن العقود الآجلة للنفط بالكاد تأثرت بهجوم إيران غير المسبوق على إسرائيل، حيث عزا المتداولون حركة السعر الباهتة إلى فكرة أن الضربة كانت واضحة مسبقاً، والتوقعات بأن الصراع سيظل محتوياً في أعقاب ذلك، بينما تزن إسرائيل ردها على الهجوم.

وفي هذا السياق، يقول مراقبو السوق للوكالة حول التوقعات الآتي:

تتمثل الحجة الأساسية لشركة سيتي غروب في أن تظل التوترات "مرتفعة للغاية" في الشرق الأوسط، ما يدعم الأسعار. وقد دفع ذلك البنك إلى رفع توقعاته للأسعار على المدى القصير، مع زيادة هدف الثلاثة أشهر لخام غرب تكساس الوسيط بمقدار 8 دولارات للبرميل، ويضيف ماكس لايتون: "ما لم يتم تسعيره في السوق الحالية، في رأينا، هو استمرار محتمل لصراع مباشر بين إيران وإسرائيل، والذي نقدر أنه قد يشهد تداول أسعار النفط حتى + 100 دولار للبرميل، اعتماداً على طبيعة الأحداث".

وقال محللو مجموعة غولدمان ساكس: "نقدر أن أسعار النفط تعكس بالفعل علاوة مخاطر تتراوح ما بين 5 و 10 دولارات للبرميل من مخاطر الهبوط على العرض. ان الرد الإسرائيلي المحتمل على الهجوم الإيراني غير مؤكد إلى حد كبير ومن المرجح أن يحدد مدى التهديد لإمدادات النفط الإقليمية".

ومع بقاء توقعات النفط غير مؤكدة إلى حد كبير، من المحتمل أن ترتفع الأسعار نحو 100 دولار للبرميل أو أعلى إذا تعرض إنتاج النفط الخام الإيراني للتهديد، بحسب ما قال بنك يونايتد أوفرسيز المحدود في مذكرة. ومع ذلك، هناك أيضاً خطر تجدد ارتفاع إنتاج النفط الخام من المملكة العربية السعودية وتحالف أوبك + ما قد يساعد في استقرار أسواق الطاقة، حسبما قال البنك.

بدورها، قالت دينا اسفندياري، كبيرة مستشاري الشرق الأوسط في مجموعة الأزمات الدولية ومقرها لندن: "إيران تشير إلى أن هذا كان كل شيء، ولن تفعل أي شيء آخر، لكنني لست متأكدة من أن عدم الرد هو خيار لإسرائيل. المغيّر الوحيد للعبة هو أن الولايات المتحدة أوضحت أنها لن تدعم انتقاماً إسرائيلياً، لذلك قد يقيد هذا تل أبيب إلى حد ما".

في خلاصة هذا المشهد، يقول جون كيلدوف، الشريك المؤسس لشركة Again Capital LLC: "يمكن لسوق النفط أن يتنفس الصعداء، على الأقل في الوقت الحالي".

كيف ينظر خافيير بلاس كاتب عمود في بلومبيرغ أوبينيون الى تطورات الأيام الماضية على مستوى أسواق النفط؟ يجيب: "في الآونة الأخيرة، سألت رئيس شركة نفط مملوكة للدولة في الشرق الأوسط عن السعر الذي تهدف إليه أوبك+. أجاب ضاحكاً:" 99.99 دولار للبرميل، وليس أعلى من سنت واحد. حتى بعد الهجوم الصاروخي الإيراني على إسرائيل، هناك فرصة جيدة لأن تتمكن اوبك من إبقاء أسعار النفط الخام من دون حاجز الأرقام الثلاثي".

واضاف: "كان محاوري متقلباً عن قصد، ولكن من الناحية الاتجاهية، يبدو تقييمه صحيحاً، ومع ذلك، في أي يوم من الأيام، فإن تحقيق أسعار نفط ليست شديدة الحرارة ولا شديدة البرودة أمر صعب للغاية. إن الجغرافيا السياسية للشرق الأوسط لا تؤدي إلا إلى إرباك الحسابات وتجعل من المستحيل تقريباً الوصول إلى المستوى الذهبي الأسطوري".

ما هو "المستوى الذهبي الأسطوري" الذي يتحدث عنه بلاس؟ انه مصطلح يستخدم غالباً في الاقتصاد والتمويل لوصف مستوى السعر المثالي لمنتج أو أصل، إنه مشتق من قصة "الدببة الثلاثة " الذين احتاروا في تحديد حرارة الأشياء التي قد يكون بعضها أحياناً ساخنة جداً، وبعضها بارد جداً، ولكن هناك واحدة مناسبة تماماً.

من كل ما سبق يمكن استخلاص بعض الاستنتاجات المبدئية:

 من وجهة نظر مادية بحتة، لم يتغير شيء في عالم النفط. فخام الشرق الأوسط  يتدفق إلى الاقتصاد العالمي من دون عوائق، ولا يزال مضيق هرمز، أهم نقطة اختناق للطاقة في العالم، مفتوحاً أمام الشحن. ببساطة: لا يوجد نقص في النفط.

وإذا وضعنا جانباً الجغرافيا السياسية، فإن أساسيات العرض والطلب على النفط تبدو صحية. حتى أكثر التوقعات هبوطاً للطلب على النفط تشير إلى أن نمو الاستهلاك في العام 2024 سيتطابق مع المتوسط السنوي التاريخي البالغ 1.2 مليون برميل يومياً. والتوقعات الصعودية تقول إن هناك نمواً أعلى بكثير، في نطاق 1.5 إلى 1.9 مليون برميل في اليوم. وعلى جانب العرض، أدت سلسلة من مواطن الخلل إلى خفض الإنتاج هذا العام، وبخاصة النفط الصخري الأميركي. ونتيجة لذلك، ظلت مخزونات النفط العالمية، التي ترتفع عادة في النصف الأول من العام، من دون تغيير، ما لم تقم أوبك + بزيادة الإنتاج قريباً، ستنخفض المخزونات في النصف الثاني من العام.

 

دور أوبك+

 

في موازاة ذلك، تحافظ  أوبك+ على السوق. فعلى الرغم من أن أسعار النفط أعلى بكثير من 80 دولاراً، فقد قررت المنظمة  في أواخر آذار مارس ترحيل تخفيضات الإنتاج في الربع الأول إلى الربع الثاني، ومن المتوقع أن تفتح مجموعة الدول المنتجة  الصنابير في اجتماعها المقبل، المقرر عقده في 1 حزيران يونيو. وفي تقريرها الشهري الأخير عن النفط، أشار الكارتل في 11 نيسان/ أبريل إلى أن "التوقعات القوية للطلب على النفط لفصل الصيف تستدعي مراقبة دقيقة للسوق" - وهو نوع من اللغة التحضيرية قبل زيادة الإنتاج.

كيف تزيد أوبك + الإنتاج، ستكون بأهمية الزيادة نفسها، ومن المتوقع أن ترفع المجموعة الإنتاج ببطء، تاركة خياراتها مفتوحة، وبدلاً من الإعلان المسبق عن سلسلة من الزيادات في الإنتاج، يمكن أن تختار بدلاً من ذلك الدعوة إلى اجتماعات شهرية، مما يجعل السوق تخمن ما إذا كانت ستضيف ما يكفي من النفط الخام.

يشار هنا، الى انه وبفضل ضيق سوق النفط، تبيع موسكو بالفعل نفطها الخام بسعر 75 دولاراً للبرميل، وهو أعلى بكثير من سقف مجموعة السبع البالغ 60 دولاراً للبرميل. إذا فرضت واشنطن عقوبات على إيران، فقد تخلق مساحة للبراميل الروسية الخاضعة للعقوبات للفوز بحصة في السوق وتحقيق أسعار أعلى. أحد الأسباب التي جعلت البيت الأبيض يغض الطرف عن صادرات النفط الإيرانية هو أن أولويته كانت إيذاء روسيا، وكان ارتفاع الإنتاج الإيراني هو التكلفة غير المعلنة وغير المعترف بها لتلك السياسة، والآن تحتاج واشنطن إلى إعادة النظر في مصدر قلقها الأكبر.

الى ذلك، ازداد بشكل ملحوظ خطر استفادة البيت الأبيض من الاحتياطي النفطي الاستراتيجي للبلاد في وقت لاحق من هذا العام، حتى لو كان نصف الحجم الذي كان عليه قبل عقد من الزمان، فإن المخزون البالغ نحو 365 مليون برميل لا يزال يمثل قوة هائلة. يمكن لبايدن استخدام غطاء التوتر المتصاعد في الشرق الأوسط لتبرير استخدامه ومحاولة دفع أسعار النفط نحو 80 دولاراً للبرميل إذا قررت أوبك + أنها سعيدة بالسماح لها بالارتفاع إلى 99.99 دولار، أو حتى أكثر من ذلك.

قبل التطورات الأمنية الأخيرة في المنطقة، سألت النيويورك تايمز "لماذا ارتفعت أسعار النفط أخيراً"؟ واجابت ان الزيادة هذا العام، أتت مدفوعة بالمخاوف الجيوسياسية وقيود العرض، إلى ارتفاع أسعار البنزين وقد تعرقل جهود ترويض التضخم. وتضيف :" يبدو العام 2024 يبدو وكأنه عام مختلف تماماً. فقد كان الطلب أقوى مما توقعه بعض المحللين. وأثارت سلسلة من الأحداث التي يحتمل أن تكون مدمرة - إلى جانب تخفيضات الإنتاج من قبل المملكة العربية السعودية وحلفائها - مخاوف من احتمال حدوث ضغط على العرض.

 

ماذا عن ارتفاع أسعار البنزين؟

 

بدورها، وتحت عنوان "ارتفاع أسعار البنزين يخلق صداعاً جديداً لبايدن" كتبت الفايننشال تايمز: "ارتفاع الأسعار في هذا الوقت من العام، مع اقتراب موسم الصيف، ليس بالأمر غير المعتاد. لكن الارتفاع الأخير كان سريعاً ويتجه نحو عتبة 4 دولارات للغالون في لحظة حساسة للغاية بالنسبة للرئيس الأميركي، وكما قال بوب ماكنالي من شركة رابيدان إنرجي، الذي قدم المشورة للرئيس السابق جورج دبليو بوش بشأن سياسة الطاقة: "لا شيء يرعب رئيساً أميركياً في منصبه أكثر من ارتفاع أسعار المضخات خلال عام الانتخابات".

لعل من المفيد القول في ختام هذا العرض إن أسعار النفط تقول لنا الآن إن لا حرب موسعة في الشرق الأوسط في المدى المنظور، لكن تقول لنا أيضاً إن لا شيء يمنع ان تصعد هذه الأسعار لاسباب أخرى.