أخبار جيدة للأسواق العالمية حتى في زمن الحروب

  • 2023-11-21
  • 12:18

أخبار جيدة للأسواق العالمية حتى في زمن الحروب

  • أحمد عياش

ما يشبه الحمامة التي حملت بمنقارها غصن الزيتون في إشارة الى انتهاء الطوفان، أتت الانباء الأخيرة من الولايات المتحدة الأميركية والصين وبريطانيا، لتشير الى ان تحوّلاً ينطوي على انفراج ينتظر الاقتصاد العالمي العام المقبل. وستكون بوابة هذا الانفراج انحسار الركود. فهل من أسباب تتيح التفاؤل على هذا الصعيد على الرغم من ان نيران الحروب، ولو محدودة، لا تزال تتصاعد شرقاً وغرباً؟

تحت عنوان "الاقتصاد العالمي سيتباطأ ولكن من المرجح أن يتجنب الركود في العام 2024 "، أوردت رويترز تقريراً في 16 تشرين الثاني/نوفمبر، اشارت فيه إلى أن بعض البنوك الكبرى في العالم يتوقع تباطؤ النمو الاقتصادي العالمي أكثر في 2024 متأثراً بارتفاع أسعار الفائدة وارتفاع أسعار الطاقة وتباطؤ أكبر اقتصاديّن في العالم، أي الولايات المتحدة الأميركية والصين.

وأظهر استطلاع للرأي أجرته رويترز أنه من المتوقع أن ينمو الاقتصاد العالمي بنسبة 2.9 في المئة هذا العام، مع توقع تباطؤ النمو في العام المقبل إلى 2.6 في المئة. ويعتقد معظم الاقتصاديين أن الاقتصاد العالمي سيتجنب الركود، لكنهم أشاروا إلى احتمالات حدوث "ركود معتدل" في أوروبا والمملكة المتحدة.

 

ولا يزال الهبوط الناعم للولايات المتحدة مطروحاً، على الرغم من أن عدم اليقين في شأن مسار التشديد النقدي لمجلس الاحتياطي الفيدرالي يلقي بظلاله على التوقعات. ومن المتوقع أن يضعف النمو في الصين، ويتفاقم بسبب الشركات التي تبحث عن وجهات إنتاج بديلة فعالة من حيث التكلفة.

في المقابل، بدت النيويورك تايمز أكثر تفاؤلاً من رويترز في قراءة المؤشرات الاقتصادية. فقالت ان "الارتفاع المثير للإعجاب" في الأسهم والسندات الأميركية، ذهب الى جميع أنحاء العالم في منتصف الشهر الحالي، حيث يرى المستثمرون أن البنوك المركزية تحقق مكاسب في معركتها ضد التضخم.

وتشير العقود الآجلة لمؤشر ستاندرد آند بورز 500 إلى المزيد من المكاسب. والسؤال الآن: "هو ما إذا كان هذا يمثل فجراً كاذباً للتضخم، أو بداية انخفاض دائم في ارتفاع التكاليف - وأسعار الفائدة؟"

ولم تتأخر المؤشرات الإيجابية في الوصول أيضاً الى بريطانيا. وظهرت نقاط بيانات واعدة أخرى في الأسواق البريطانية، كما كانت الحال في نظيرتها الأميركية. وانخفض التضخم في بريطانيا إلى أدنى مستوى له في عامين. بدوره، انتعش الإنفاق الاستهلاكي والإنتاج الصناعي في الصين الشهر الماضي، وهي علامة تبعث على الأمل للاقتصاد الرقم 2 في العالم.

وفي الوقت نفسه، رفع المتفائلون في السوق رهاناتهم على خفض أسعار الفائدة، وأشارت أسواق العقود الآجلة، إلى أن بنك الاحتياطي الفيدرالي بدأ في خفض تكاليف الاقتراض بحلول أيار/ مايو، في وقت أقرب من التقديرات السابقة التي تقترب من نهاية العام 2024.

وتوقع موهيت كومار، كبير الاقتصاديين الماليين في جيفريز، أن تبدأ التخفيضات الكبيرة في أسعار الفائدة بعد الانتخابات الرئاسية الأميركية العام المقبل، كما توقع أن يصل سعر الإقراض الرئيسي لمجلس الاحتياطي الفيدرالي إلى 3 في المئة بحلول نهاية العام 2025 من مستواه الحالي البالغ 5.25 إلى 5.5 في المئة.

البعض الآخر كان أكثر حذراً. ويشير المتشائمون إلى أن بيانات التضخم "الأساسية" في قراءة مؤشر أسعار المستهلكين الأخيرة، والتي تستبعد أسعار الطاقة والمواد الغذائية المتقلبة، كانت أقل بعشر نقطة مئوية فقط من التقديرات. وقال جيمي ديمون من JPMorgan Chase لتلفزيون بلومبيرغ: "أخشى أن التضخم قد لا يختفي بهذه السرعة".

 

توقعات إيجابية لأسواق الطاقة

 

في أي حال، لم تغب التوقعات الإيجابية عن أسواق الطاقة أيضاً. فمنظمة الدول المصدرة للنفط (أوبك)، قالت في تقرير إن أساسيات سوق النفط ما زالت قوية، وألقت باللوم على المضاربين في انخفاض الأسعار، ورفعت توقعاتها لنمو الطلب العالمي على النفط في 2023 وتمسكت بتوقعاتها لعام 2024. ولفتت الى أن السوق تتمتع بعوامل جيدة على الرغم من "المشاعر السلبية المبالغ فيها". واشارت إلى واردات صينية قوية ومخاطر سلبية طفيفة على النمو الاقتصادي وسوق النفط الفعلية القوية. وترى "أوبك" أن الطلب العالمي على النفط ما زال يظهر قوة ومتانة بمؤشرات على نمو أفضل من المتوقع في الربع الرابع من 2023.

ورفع تقرير "أوبك" توقعاتها لنمو الطلب العالمي على النفط في 2023 إلى 2.46 مليون برميل يومياً، بزيادة 20 ألف برميل يومياً عن التوقعات السابقة. وفي العام 2024، تتوقع "أوبك" ارتفاع الطلب بمقدار 2.25 مليون برميل يومياً، من دون تغيير عن الشهر الماضي.

وساعد رفع الحظر على القيود الصحية في الصين على ارتفاع الطلب على النفط في العام 2023. ولاحظ تقرير منظمة الدول المنتجة للنفط في هذا الصدد، أن واردات الصين النفطية ارتفعت إلى 11.4 مليون برميل يومياً في تشرين الأول/اكتوبر الماضي، وتمضي هذه الواردات في طريقها الى تسجيل مستوى قياسي سنوي جديد في 2023.

ويتوقع الخبير النفطي وليد خدوري في مقال له في صحيفة "الشرق الأوسط" ان يكون هناك مجال في مؤتمر الأمم المتحدة لمكافحة تغير المناخ (كوب 28) الذي تستضيفه دبي في نهاية شهر تشرين الثاني/ نوفمبر الحالي "لإبراز وشرح إمكانية ضم البترول (النفط والغاز) المنخفض الانبعاثات، وتخزين ثاني أوكسيد الكربون في الآبار والكهوف الفارغة من أجل ضمه إلى سلة الطاقة المستقبلية، الى جانب الطاقات المستدامة". وقال إن المؤشرات لضرورة استمرار الهيدروكربونات كثيرة. ومن هذه المؤشرات: الازدياد المستمر لاستهلاك البترول، وارتفاع معدل زيادة الطلب على النفط خلال سنة 2003 نحو 2.2 مليون برميل يومياً ليسجل ما مجمله 102.2 مليون برميل يومياً؛ ما يعني ارتفاع الطلب العالمي عن معدلاته قبل جائحة "كورونا".

واتت انباء نهاية الأسبوع في 17 تشرين الثاني/نوفمبر الحالي، لتوضح مسار أسواق الطاقة. فقد ارتفعت أسعار النفط في هذا اليوم، بعد يوم من انخفاضها بنسبة 5 في المئة إلى أدنى مستوى لها في أربعة أشهر بسبب المخاوف المتزايدة بشأن ازدهار المعروض من خارج أوبك وتبريد الطلب. وبحسب رويترز، ارتفعت العقود الآجلة لخام برنت 80 سنتاً أو نحو 1 في المئة إلى 78.22 دولار للبرميل. وبلغ خام غرب تكساس الوسيط الأميركي 73.66 دولار، مرتفعاً 76 سنتاً، أي ما يقرب من 1 في المئة.

وقال محللو غولدمان ساكس إن "أسعار النفط انخفضت قليلاً هذا العام على الرغم من أن الطلب يتجاوز توقعاتنا المتفائلة، وكانت إمدادات أوبك غير الأساسية أقوى بكثير مما كان متوقعاً، والتي قابلتها جزئياً تخفيضات أوبك".

وكان انخفاض النفط هذا الأسبوع مدفوعاً بشكل أساسي بالارتفاع الحاد في مخزونات الخام الأميركية واستمرار الإنتاج عند مستويات قياسية، في حين أثارت علامات ذوبان الطلب في الصين مخاوف أيضاً.

ويرى محللو ING انه "أصبح من الواضح أن ميزان النفط للفترة المتبقية من هذا العام ليس ضيقاً كما كان متوقعاً في البداية، وكما تبدو الأمور، لا يزال من المتوقع أن تعود السوق إلى الفائض في الربع الأول من العام 24".

بالإجمال كيف يمكن رؤية الأمور من الآن فصاعداً؟

لا يمكن الاتكال على التنبؤات فحسب، وانما يجب متابعة ما انتهت اليه العلاقات بين الولايات المتحدة الأميركية والصين في ضوء اللقاء الأخير بين زعيميّ البلديّن. فبعد أول اجتماع وجهاً لوجه منذ عام بين الرئيس جو بايدن ونظيره الصيني شي جين بينغ، لم يصدر بيان مشترك بعد محادثاتهما يوم الأربعاء في 15 تشرين الثاني/ نوفمبر الجاري. لكن الجانبين أصدرا بيانات إيجابية للتعبير عن المجالات التي وجدا فيها أرضية مشتركة، بما في ذلك معالجة تغير المناخ وتحسين الاتصالات.

وبحسب تقرير النيويورك تايمز، كانت قمة سان فرانسيسكو، ومأدبة شي مع قادة الأعمال الأميركيين بعد ذلك، علامات على مدى تشابك الاقتصادات على الرغم من سنوات من التوترات المتصاعدة، ولماذا لا يريد الجانبان والعديد من الشركات الأميركية أن تتحول العلاقة إلى صراع أكثر خطورة.

لكن كان هناك الكثير الذي لم تتفق عليه واشنطن وبكين. واشتكى شي من أن ضوابط التصدير الأميركية على التكنولوجيا المتقدمة، مثل أشباه الموصلات، تهدف إلى قمع الصين.

ولم يحرز الجانبان تقدماً كبيراً في أنظمة حظر استخدام الذكاء الاصطناعي لإدارة ترساناتهما النووية، واتفقا فقط على أن مسؤوليهما سيواصلون الحديث.

يريد شي تصوير الصين كصديق للشركات الأجنبية - لأنه يحتاج إليها. الاقتصاد الصيني يكافح، والاستثمار الأجنبي المباشر وصل مؤخراً إلى أدنى مستوى له منذ 25 عاماً، وبالتالي فإن الاجتماع مع قادة الشركات الأميركية هو صورة جيدة لعرضها. لكن الشركات الغربية تقول إنه من الصعب العمل في الصين، حيث يعيد الكثيرون التفكير في سلاسل التوريد الخاصة بهم أو ينسحبون تماماً.

ومع ذلك، أظهر العشاء بين الزعيم الصيني والشركات الأميركية أن الكثيرين ليسوا مستعدين لمغادرة الصين، على الرغم من كل الحديث عن الفصل وإزالة المخاطر، "لا تزال الصين مهمة للغاية لأي شركة متعددة الجنسيات يمكنك التفكير فيها"، كما قال ريتشارد ماكجريجور، خبير الصين في معهد لوي، وهو مركز أبحاث مقره أستراليا، وأضاف: "قد لا يستثمرون كثيراً، لكنهم لا يخرجون. وهو سوق لا يمكنهم تجاهله وعليهم محاولة إدارته".

اليس في نتائج القمة الأميركية الصينية ما يكفي من براهين، ان العالم وفي أحلك الظروف يتطلع الى الاخبار السارة؟