صفقتان في الولايات المتحدة الأميركية تعلنان أن زمن النفط طويل

  • 2023-10-27
  • 10:36

صفقتان في الولايات المتحدة الأميركية تعلنان أن زمن النفط طويل

  • أحمد عياش

 

على الرغم من ان الحرب في غزة ما زالت محتدمة، هبطت أسعار النفط يوم الخميس في 26 تشرين الأول/أكتوبر بعد ارتفاع مخزونات الخام الأميركية وصعود مؤشر الدولار. وتخلت هذه الأسعار عن بعض المكاسب التي حققتها في اليوم السابق، عندما قفزت الأسعار بفعل التوترات في الشرق الأوسط. فهل هناك من يضمن ان يبقى الاتجاه الإنحداري لهذه الأسعار مستمراً؟ او على الأقل تستقر الأسعار عند مستويات ادنى من التوقعات التي راجت بعد اندلاع الحرب في السابع الحالي؟ في تلك التوقعات راج ان سعر البرميل سيعاود تجاوز سقف المئة دولار.

ويذكر ان العقود الآجلة لخام برنت انخفضت الخميس الماضي 67 سنتاً أو 0.7 في المئة إلى 89.46 دولار للبرميل. وتراجعت العقود الآجلة لخام غرب تكساس الوسيط الأميركي 71 سنتاً أو 0.8 في المئة إلى 84.68 دولار للبرميل.

وارتفعت مخزونات الخام الأميركية بمقدار 1.4 مليون برميل في الأسبوع الأخير إلى 421.1 مليون برميل، وفقاً لإدارة معلومات الطاقة، متجاوزة مكاسب قدرها 240،000 برميل توقعها محللون من استطلاع أجرته رويترز.

وقال محللون: "لا تزال الأسواق متقلبة مع انحسار وتدفق التوتر في الشرق الأوسط، لكن الأساسيات الأساسية أضعف موسمياً مما كان متوقعاً مع ضعف الطلب على المنتجات في الولايات المتحدة بشكل مفاجئ".

واستمرت مخاوف الاقتصاد الكلي في التأثير على توقعات الطلب على النفط، حيث شهدت بيانات النشاط التجاري في منطقة اليورو تراجعاً مفاجئاً هذا الشهر.

كما ارتفع مؤشر الدولار بشكل طفيف، ما يساعد على الضغط على أسعار النفط، إذ ،ن الدولار القوي يحبط الطلب على النفط بجعله السلعة أكثر تكلفة لأولئك الذين يحملون عملات أخرى.

تحت عنوان "بايدن يسعى لترويض أسعار النفط إذا أدى الصراع في الشرق الأوسط إلى ارتفاعها"، كتبت النيويورك تايمز ان الرئيس الأميركي سحب في السابق الاحتياطي النفطي الاستراتيجي لتخفيف ضغوط الأسعار، لكن ذلك قد يكون أكثر صعوبة الآن.

ويبحث مسؤولو الإدارة الأميركية، الذين يشعرون بالقلق من أن يؤدي الصراع المتزايد في الشرق الأوسط إلى ارتفاع أسعار النفط العالمية، عن طرق للحفاظ على أسعار البنزين الأميركية منخفضة إذا حدثت مثل هذه القفزة.

وقال مسؤول كبير في الإدارة في مقابلة إنه من الممكن أيضاً أن يأذن الرئيس الأميركي جو بايدن بجولة جديدة من الإطلاقات من الاحتياطي للبلاد، وهو مخزون طارئ من النفط الخام يتم تخزينه في كهوف تحت الأرض بالقرب من خليج المكسيك. واستغل بايدن الاحتياطي بقوة العام الماضي بعد أن أدى غزو روسيا لأوكرانيا إلى ارتفاع أسعار النفط بشكل كبير، ما ترك كمية النفط في تلك الاحتياطات عند مستويات منخفضة تاريخياً.

حتى الآن، لم يشعر السائقون الأميركيون بالضيق، ويبلغ متوسط سعر البنزين على المستوى الوطني 3.54 دولارات للغالون، وانخفض ذلك بنحو 30 سنتاً عن الشهر الماضي و25 سنتاً عن اليوم نفسه من العام الماضي.

غير ان مسؤولي الإدارة يشعرون بالقلق من احتمال أن تقفز الأسعار مرة أخرى فوق 5 دولارات للغالون، وهو المستوى الذي لمسوه لفترة وجيزة في ربيع العام 2022. وبذل الرئيس الأميركي جهوداً غير عادية في ذلك الوقت للمساعدة في خفض الأسعار - ولكن من المرجح أن تكون هذه الخطوات أقل فعالية بكثير في حالة حدوث صدمة نفطية جديدة. ويرجع ذلك جزئياً إلى أن الإدارة لم تعيد ملء الاحتياطي الاستراتيجي بقوة أكبر عندما كانت الأسعار أقل.

وأطلق الرئيس بايدن 180 مليون برميل من النفط من الاحتياطي الاستراتيجي، وهو رقم قياسي، ما أغرق السوق بإمدادات إضافية. قامت إدارته بتجديد ستة ملايين برميل فقط عندما انخفضت الأسعار هذا العام، تاركة الاحتياطي عند أدنى مستوى له منذ ثمانينات القرن العشرين. وأعلنت وزارة الطاقة الأميركية الأسبوع الماضي عن خطط لمواصلة إعادة التعبئة في الأشهر المقبلة، ولكن فقط إذا انخفضت الأسعار إلى ما دون 79 دولاراً للبرميل.

ويصر مسؤولو الإدارة على أن الاستفادة من الاحتياطي مرة أخرى لا يزال خياراً، ولا تزال تحتفظ بأكثر من 350 مليون برميل من النفط. هذا أكثر من كاف لمواجهة اضطراب في أسواق النفط إذا حدث، كما يقول محللو الطاقة.

كما إن الاقتصاد الأميركي أقل عرضة لارتفاع الأسعار مما كان عليه في العقود السابقة لأن البلاد أصبحت أقل اعتماداً على النفط الأجنبي. وانتجت الولايات المتحدة أكثر من 400 مليون برميل من النفط في تموز/ يوليو الماضي، وهو رقم قياسي ايضاً.

وقال روري جونستون، محلل سوق النفط، "إن الإدارة كانت مبدعة بشكل مثير للإعجاب في سياسة الطاقة، لكن تنفيذها كان معيباً"، وقال "إن المستثمرين متشككون بشأن قدرة الإدارة على تنفيذ استراتيجيتها بشأن إعادة تقديم الاحتياطي، كما إنهم يتساءلون عما إذا كان بايدن سيكون على استعداد للمخاطرة بالضربة السياسية من رفع أسعار النفط، من خلال شراء العرض وسحبه من السوق لإعادة ملء الاحتياطي".

في أي حال، ومن اجل فهم أفضل لأحوال أسواق الطاقة حالياً ولمدى سنوات مقبلة، شهدت الولايات المتحدة هذا الشهر صفقة عملاقة. فقد قالت شيفرون، ثاني أكبر شركة نفط أميركية عملاقة، يوم الاثنين في 23 تشرين الأول/ اكتوبر إنها وافقت على الاستحواذ على شركة Hess، وهي منافس متوسط الحجم، في صفقة جميع الأسهم بقيمة 53 مليار دولار، ويمثل الاتفاق مزيداً من التعزيز لصناعة الطاقة، خصوصاً في الولايات المتحدة، حيث يبدو أن الشركات الأصغر تستفيد من أسعار النفط المرتفعة نسبياً لتوحيد قواها مع لاعبين أكبر. وتأتي الصفقة في أعقاب شراء إكسون موبيل لشركة بايونير للموارد الطبيعية لحفر الصخر الزيتي بقيمة 60 مليار دولار هذا الشهر. واعتبرت أسواق الطاقة هاتيّن الصفقتيّن بانهما علامة أخرى على الثقة بين اللاعبين الكبار في الصناعة في مستقبل الوقود الأحفوري حتى مع تعزيز صانعي السياسة لمصادر طاقة أنظف.

وتعتبر صفقة شيفرون-هيس هي الأحدث في سلسلة من عمليات الدمج والاستحواذ التي تغيّر الصناعة. واستحوذت أوكسيدنتال بتروليوم على أناداركو بتروليوم قبل أربع سنوات مقابل 40 مليار دولار، وأنفقت بايونير أكثر من 10 مليارات دولار في السنوات الأخيرة لشراء Parsley Energy و DoublePoint Energy في عام 2021.

ووفقاً لصحيفة فاينانشال تايمز، فإن عمليتي الاندماج العملاقتين اللتين أعلنت عنهما إكسون وشيفرون، قد أطلقتا ما سميّ "سباق تسلح" لتأمين إمدادات أصول النفط والغاز على المدى الطويل، في وقت يتوقع فيه البعض ذروة الطلب على النفط. وقال الرئيس التنفيذي لشركة شيفرون مايك ويرث: "نحن نعيش في العالم الحقيقي، وعلينا تخصيص رأس المال لتلبية متطلبات العالم الحقيقي"، مضيفاً أن الطلب على النفط سيستمر في النمو بعد العام 2030.

في أحدث توقعاتها، قالت أوبك إن الطلب على النفط سيستمر في التوسع حتى العام 2045 على الأقل، ما يبرز بشكل حاد نقص الاستثمار المستمر الذي كان اتجاها لسنوات في الصناعة. والسبب وراء هذا النقص في الاستثمار هو إلى حد كبير الضغط من أنصار الانتقال الذين جذبوا المستثمرين بعيداً عن النفط والغاز بينما أصرّ الباقون على تركيز الشركات على عوائد المستثمرين.

لكن المستثمرين الآن يعودون إلى النفط والغاز، ويريدون بعض هذه العوائد. لذلك، ولتأمين إمدادات سلعة حيوية في عالم لا يزال يعتمد عليها إلى حد كبير، تحتاج شركات النفط الكبرى إلى الوصول إلى المزيد من أصول الإنتاج. في بيئة تعاني من نقص في الأصول غير المستكشفة، يكون تأمين هذا الوصول أسهل بكثير من خلال عمليات الاستحواذ.

وفي مقال نشر مؤخراً في مجلة فوربس، أشار محلل السياسة العامة ومستشار الطاقة ديفيد بلاكمون أيضاً إلى الحاجة إلى تأمين الإنتاج للمستقبل كدافع للصفقات الضخمة، وكانت حاجة طويلة الأجل.

في المقابل، قالت وكالة الطاقة الدولية في أحدث توقعاتها للطاقة العالمية، إن نمو الطلب على النفط والغاز سيبلغ ذروته في غضون السنوات السبع المقبلة.

وتسأل إيرينا سلاف على موقع  Oilprice.com: إذاً، لماذا تنفق الشركات الكبرى عشرات المليارات على عمليات الاستحواذ على النفط والغاز؟  وتجيب: "قد يكون ذلك لأنهم يدركون أن توقعات وكالة الطاقة الدولية والتقارير المماثلة الصادرة عن كيانات الدعوة للانتقال لا تعكس بالضرورة الواقع".

وتقول الكاتبة أيضاً: "هذه ليست تصرفات الشركات التي تتوقع أي نوع من الذروة في الطلب على النفط في أي وقت قريب. هذه هي تصرفات الشركات التي تعرف جيداً أن النفط سيظل حاسماً للعالم لعقود مقبلة".

بالعودة الى نيويورك تايمز، وبحسب ما كتبته في عددها يوم الجمعة 27 تشرين الأول/ اكتوبر، اشارت الى ان المسؤولين التنفيذيين في مجال النفط "يرفضون مخاوف ذروة النفط". وقالت: "تنفق إكسون موبيل وشيفرون عشرات المليارات من الدولارات لشراء أصول النفط والغاز، وتراهن على أن توقعات وكالة الطاقة الدولية بانخفاض الطلب على النفط خاطئة".