استراتيجية التنويع السعودية من النفط إلى المعادن

  • 2023-05-22
  • 21:50

استراتيجية التنويع السعودية من النفط إلى المعادن

ثروة معدنية غير مستغلة قيمتها 1.3 تريليون دولار

  • رشيد حسن

 

في مطلع الشهر الماضي، كشفت وزارة الصناعة والثروة المعدنية السعودية عن اسماء 13 شركة محلية واجنبية تأهلت للمنافسة على رخصة استكشاف في كل من موقعي "محدد" و"الردينية" والمتوقع اعلان نتائجها خلال وقت قريب.

ويأتي هذا التطور بعد كشف الوزارة أخيراً عن مراحل المنافسة على رخص استكشاف لخمسة مواقع خلال العام 2023 عن خامات النحاس والفضة والزنك والرصاص والفضة، وإعلانها عن منح 18 رخصة تعدينية جديدة خلال شهر شباط/فبراير 2023 وحده، وتضمنت 7 رخص كشف ورخصة استغلال تعدين ومنجم صغير ورخصة فائض خامات معدنية.

وتؤكد هذه التطورات المتسارعة ان استراتيجية السعودية الرامية للتحول إلى قوة عالمية بارزة في التعدين تأخذ مكانها وذلك على محورين: الأول هو استكمال بناء صناعة التعدين داخل المملكة واستقطاب الاستثمارات المطلوبة لاستغلال الثروة المعدنية الكبيرة التي تكتنزها، أما الثاني فهو التحول إلى قوة استثمارية كبرى في الصناعات التعدينية لمنطقة تمتد حسب وزير الصناعة والثروة المعدنية السعودي من أفريقيا وحتى دول آسيا الوسطى.

 

 

على ماذا تركز السعودية في المجال الداخلي؟

 

في المجال الداخلي، تركز السعودية على استكمال البنى التحتية ومنظومة الاستثمار والاستغلال التجاري لألوف المواقع التي أثبتت المسوحات الجيولوجية وعمليات الاستكشاف الأولية، احتواءها على طاقات كبيرة من الذهب والفضة والنحاس والنيكل والزنك والعناصر النادرة وغيرها من المعادن، وتقدر المملكة قيمتها بنحو 1.3 تريليون دولار، ويتطلب ذلك بالطبع، توفير أفضل المزايا التنافسية لتشجيع المزيد من الشركات العالمية العاملة في حقل التعدين لدخول السعودية وتطوير الشراكات مع القطاع الخاص أو مع القطاع العام المتمثل بصورة خاصة بشركة "معادن" التي تمتلك موارد مالية كبيرة تعززها ملكية صندوق الاستثمارات العامة لحصة الأكثرية في رأس مالها.

وكانت الحكومة السعودية اصدرت في العام 2020 نظام الاستثمار التعديني الذي شكل اطاراً شاملاً لقواعد الاستثمار في هذا القطاع، بما في ذلك انواع الرخص وقواعد الحوكمة المؤسساتية والبيئية والشفافية والمحتوى المحلي والضرائب التي تم تخفيضها من 45 الى 20 في المئة والاعفاء من رسوم الامتياز. وبمثل هذا النظام أدخلت المملكة إصلاحاً جذرياً لمنظومة الاستثمار في هذا القطاع والتي تضمنت ايضاً انشاء صندوق التعدين لضمان توفير التمويل المناسب والمستدام لهذا القطاع. وكانت المملكة نظمت اوائل العام الحالي أحد أكبر مؤتمرات التعدين في العالم شارك فيه الآلاف من قياديي وخبراء صناعة التعدين حول العالم.

وتسعى المملكة العربية السعودية الى استقطاب أكثر من 32 مليار دولار من الاستثمارات الى قطاع التعدين في حلول العام 2030 مع توقعات بأن يضيف القطاع أكثر من 240 مليار ريال الى اجمالي الناتج المحلي، ويساهم بخفض الواردات بأكثر من 37 مليار ريال وباضافة أكثر من 200 ألف فرصة عمل جديدة قبل ذلك التاريخ. وفي العام 2022 وحده اجتذب القطاع استثمارات اجنبية بأكثر من 8 مليارات دولار اميركي.

إلا أنه وعلى الرغم من التقدم الكبير، فإن السعودية لا تزال تعمل على استكمال البنى الأساسية وشبكات الربط بين مواقع الاستثمار، وربما تطوير الحواضر السكنية التي تستوعب النمو المتوقع في عدد العاملين وحاجاتهم، علماً أن السعودية تمتلك تجربة طويلة في خدمة المواقع النائية والصحراوية غير المأهولة وتطوير المواقع الحضرية اللازمة لخدمة شبكات الإنتاج، وذلك نتيجة لتجربتها الطويلة في تطوير صناعة النفط والغاز، ويمكنها بالتالي من الاستعانة بتجاربها السابقة لتحقيق هذه الأهداف. وفي موازاة التركيز على استقطاب الاستثمار الخاص الى قطاع التعدين واستكمال تطوير البنى التحتية التي تسمح بالاستغلال الامثل لهذه الثروة الهائلة، تسعى الحكومة السعودية الى تطوير سلسلة القيمة المحلية للقطاع عبر تطوير صناعات مكملة ورفع مستوى المحتوى المحلي، كذلك الاستثمار في تطوير المهارات السعودية وخلق المزيد من فرص العمل فيه.

 

 

اهتمام بالتجربة الأسترالية

 

أحد أبرز التحديات أمام الصناعات المنجمية السعودية هو استقطاب المبادرين من المستثمرين السعوديين والمؤسسات الصغيرة والمتوسطة، وذلك بهدف توسيع انخراط الرساميل المحلية في الصناعة المنجمية والتي تلائم في الكثير من شروطها صيغة المؤسسات الصغيرة والمتوسطة، وقد اختبر وزير الصناعة والثروة المعدنية السعودية بندر الخريف هذا الواقع عند جولته الاسترالية في أواخر العام الماضي، والتي خصصها للتعرف على التجربة الناجحة للشركات المنجمية الصغيرة في أستراليا، والتي اجتمع بممثليها وأعرب أمامهم رغبة المملكة في الاستفادة من نموذجها في القطاع المنجمي السعودي. 

واجتذب قطاع التعدين السعودي استثمارات أجنبية مباشرة تجاوزت 8 مليارات دولار في العام 2022، إذ تم إصدار 145 رخصة لاستغلال مواقع جديدة مع وجود 558 رخصة سارية للكشف عن المعادن، و168 رخصة سارية لاستغلال المعادن والمناجم الصغيرة، وبناء على حجم الطلب على الاستثمار في القطاع، فإن سلطات المملكة تتوقع استقطاب تدفقات استثمارية كبيرة في السنوات القليلة المقبلة.

 

استراتيجية التوسع الدولي

 

أما في المجال الدولي، فإن المملكة العربية السعودية تعول أولاً على استثمار طاقتها المالية لبناء شبكة من الاستثمارات المنجمية في عدد كبير من الدول الأفريقية والآسيوية الواعدة. واتضح حجم الطموح السعودي في مطلع العام الحالي عبر إطلاق شركة معادن وصندوق الاستثمارات العامة لشركة تستهدف الشروع في تطوير الاستثمارات السعودية الخارجية في مجال التعدين مع التعهد بتوفير طاقة مالية لهذا الغرض حدها الأقصى 12 مليار ريال (نحو 3.18 مليارات دولار)، وتستهدف الاستثمار في حصص أقلية في شركات ومشاريع التعدين القائمة في المنطقة الجغرافية المستهدفة من دون الاضطلاع بأدوار تشغيلية، مع تركيز الاستثمارات على قطاعات خام الحديد والنحاس والنيكل والليثيوم.

ويستند التخطيط السعودي الى إدراك متزايد لأهمية الثروات المعدنية الثمينة (مثل الذهب والفضية والتيتانيوم والبلاتين)، وكذلك للعناصر والمعادن النادرة مثل الليثيوم وعدد كبير من العناصر والتي باتت تشكل المكون الحيوي للصناعات التكنولوجية مثل رقائق الكمبيوتر وصناعات الطاقة المتجددة والسيارات الكهربائية وبطارياتها والهواتف النقالة ومعدات الأتمتة الصناعية والذكاء الصناعي. وقد تزايد الشعور أخيراً بأن الاستخدام الكثيف والمتزايد لهذه العناصر من قبل الصناعات التكنولوجية العالمية، سيزيد الطلب عليها أضعافاً مضاعفة، وسيؤجج السباق العالمي على تملك المناجم ومواقع التعدين الضرورية لتأمين الطلب عليها. وبالطبع فإن السعودية تعتبر أن هذا الوضع يفتح أمامها فرصاً كبيرة للاستثمار في هذا القطاع الواعد وهي تريد حجز حصة أساسية لها وسط حمى التنافس، كما إن صندوق الاستثمارات العامة يعتبر هذه الاستثمارات مهمة لتنويع محفظته وتعظيم العائد عليها.

 

 

استراتيجية الشراكات

 

بالتوازي مع استراتيجية تملك الحصص لأغراض استثمارية، التي يتوقع اعتمادها من قبل معادن بالشراكة مع صندوق الاستثمارات العامة السعودي، فإن شركة معادن تتبع خطة مكملة تركز على شراء حصص مؤثرة في بعض كبريات الشركات الدولية التي تعزز قدراتها التقنية في قطاعات التعدين والمناجم، ومن الاتفاقات المهمة التي عقدتها أخيراً صفقة شراء نحو 9.9 في المئة من شركة "إيفانهو إلكتريك" المدرجة في بورصتي تورنتو ونيويورك وذلك لقاء مبلغ إجمالي يقارب 126.4 مليون دولار. وتقدم شركة "إيفانهو" المتخصصة أحدث التقنيات في مجال المسح الاستشعاري للطبقات الأرضة والتي تساعد على توفير جهود وتكاليف الاستكشاف عبر القدرة على تحديد المواقع المنجمية والطاقة الاحتمالية للمواقع، كما سيتم في الوقت نفسه، تأسيس شركة في السعودية مملوكة بنسبة 50 في المئة لـ "معادن" و50 في المئة لشركة "إيفانهو" وذلك لغرض الاستكشاف وتطوير مشاريع التعدين في المملكة.

وضمن استراتيجية الشراكات وقعت "معادن" اتفاقية شراكة مع شركة "باريك" للذهب لتأسيس شركة ذات مسؤولية محدودة مملوكة بنسبة 50 في المئة لـ"معادن" وبنسبة 50 في المئة لـ"باريك" على أن يكون المقر الرئيسي للشركة الجديدة في السعودية.

وأعلنت "معادن" لاحقاً عن توقيع عقد بقيمة 278 مليون دولار مع شركة "وورلي بارسونز" العربية وجيزا الدولية بهدف تولي الشركتين خدمات الهندسة والمشتريات وإدارة الإنشاء لحساب شركة معادن.

 

الدور المركزي لشركة "معادن"

 

تعتبر شركة "معادن" إحدى أسرع شركات التعدين نمواً في العالم، وأكبر شركة تعدين متعددة السلع في الشرق الأوسط، وهي احتلت مركزاً مرموقاً ضمن أكبر 10 شركات تعدين عالمية وفقاً لقيمتها السوقية. وبهذه الصفة، اكتسبت "معادن" في قطاع التعدين السعودي دوراً مركزياً في قطاع التعدين يشبه الدور المركزي لـ "أرامكو" في تطوير القطاع النفطي ولاسيما بعد ارتفاع قيمتها السوقية إلى نحو 170 مليار دولار والدعم الكبير الذي تحظى به من قبل صندوق الاستثمارات العامة ثم تبنيها لاستراتيجية عمل تستهدف ترقية القطاع التعديني إلى القطاع الثالث للاقتصاد السعودي بعد قطاعي النفط والبتروكيماويات. وعلى سبيل المثال، فإن السعودية أصبحت بين الدول القائدة في قطاع الأسمدة الفوسفاتية نتيجة لنجاحات الشركة في هذا القطاع.

 

استراتيجية التنويع من النفط إلى المعادن

 

في قطاع المناجم كما في غيره، فإن الخطة السعودية هي استخدام الثروة المتحققة من النفط لتطوير قطاع كامل جديد لا يعتمد على النفط، ويمكنه أن يعزز تنويع القطاعات التي يستند إليها الاقتصاد ومرونته تجاه تقلبات اسعار النفط، وبالمعنى نفسه، فإن التركيز على تطوير قطاع التعدين يستهدف تخفيف الاعتماد على الثروة النفطية وإطلاق قطاع رئيسي جديد يساهم في الناتج المحلي في ما يشبه عملية تحويل الثروة الوطنية من قطاع النفط لتصبح المحرك الأول لعملية بناء القطاعات الأخرى وتحقيق أهداف رؤية السعودية 2030 وعلى رأسها قطاع التعدين واستغلال الثروات المعدنية الضخمة والمتنوعة للمملكة.