حاكم ومحاكمات في أتون الفشل اللبناني "المستمر"

  • 2023-04-26
  • 11:50

حاكم ومحاكمات في أتون الفشل اللبناني "المستمر"

  • علي زين الدين

من الصعب وسط الضجيج الذي يصم العقول قبل الآذان، الفصل بين الغث والسمين أو بين السمّ والدسم في محتوى المعلومات المتدفقة كشلال هادر والمنسوبة الى "قضاة" و"مصادر" بشأن الاتهامات الموجهة الى حاكم مصرف لبنان رياض سلامة بالدرجة الأولى، ومعه جمع من كبار المصرفيين، وفي توصياتها القيام او التعاون او تسهيل عمليات مالية تقع تحت شبهات الاختلاسات من الأموال العامة وتبييض الأموال والتحايل وتزوير الوثائق ...

 

إقرأ للكاتب نفسه:

الغلاء يدمّر الأمن الغذائي والمعيشي في لبنان

 

 

لكن موجب التبصّر قليلاً في الملفات ومآلاتها، وضمن المنطوق القانوني البحت، سيفضي منطقياً الى خاتمتين متوازيتين ولا ثالث لهما. فإما الإدانة سواء بالاعترافات الصريحة او الأدلة الموثوقة، وإما البراءة المؤكدة بالتبريرات المشروعة أو بالشكوك القوية لمصلحة المتهمين. والخياران ينطبقان على كل حالة بمفردها، برغم الربط الموضوعي بين الرأس والأطراف والناشىء عن أصل الاتهام ووجهته الظاهرة حتى الساعة.

وفق هذه المعادلة، وبمعزل عن دفوع سلامة التي تنوّه الى وجود "مجموعة على تواصل مع مجموعة في لبنان قدمت إخبارات وقامت بحملات إعلامية تواكب هذه الاخبارات، والمدعي العام يفتح تحقيقاً كما يحصل بأي بلد". يمكن جدلاً تصور سيناريو الادانة التامة والموثوقة بواحدة او اكثر من التهم، والبناء عليها لمصادرة حسابات وأموال وأملاك منظورة وغير منظورة تكفل تحقيق "الاسترداد، وتعزيز هذا الحكم بالسجن وفق ما تنص عليه المواد القانونية ذات الصلة.

فما سيحصل في اليوم التالي ؟

هل تبدأ رحلة الخروج من النفق المالي والنقدي؟ وأين خطة التعافي؟ هل سنحصل على دعم صندوق النقد والمجتمع الدولي؟ ماذا عن ودائع الناس والمؤسسات من مقيمين وغير مقيمين؟ ماذا عن الفقر الذي يحاصر في حزامه أكثر من 80 في المئة من المقيمين في "سويسرا الشرق"؟ ثم كيف يسود الصمت المطبق ازاء التدمير الممنهج لقطاعات المال والبنوك والتعليم والاستشفاء؟

في الحيثيات، يقوم الملف الساخن على الاشتباه بمئات ملايين الدولارات "المختلسة"، فيما يغلّف التبريد المتعمّد نحو 100 مليار دولار، ومنها نحو 73 مليار دولار استقرت السلطة على وصفها بالفجوة المالية، تاهت كلّها في ثنايا الانهيار اللبناني الكبير الذي انطلق "ماراتونه" في خريف العام 2019، ولم يزل يكسب جرعات تنشيطية تؤهله لتسريع الخطى ووتيرتها صوب الارتطام الأكبر بجدار الدولة الفاشلة وفراغاتها على كل مستويات المسؤوليات والادارات، وحتى الإرادات.

 

 

قد يهمك:

لبنان يهتز في فراغاته: "الأسوأ" يقترب على متن الفوضى النقدية والقضائية!

     

     

     بداية، يفرض الاحتكام الى منطق المسؤولية الوطنية، ان تبادر الدولة عبر سلطاتها المعنية من حكومية وعدلية، ولو متأخرة كثيراً وفق المنهجية التي تتعامل فيها مع الملفات كافة، الى تحييد القطاع المالي المنهك بأزماته عن التداعيات المشهودة التي وضعته بكامله، كقيادات وكمؤسسات، قيد "الشبهة" والشكوك وتشويه السمعة و"الشرشحة" في الداخل اللبناني والخارج على السواء، ومن دون اي تحسّب لجسامة الاضرار الجانبية التي لا تنحصر بالقطاع وحده، بل تتفشى الى منظومة وقنوات دخول وخروج الأموال من البلد واليه.

    استتباعاً، ينبغي على "الدولة"، المعنية اولاً وأخيراً بالملف ومآلاته القضائية والاجرائية، التحرك الاستدراكي والشراكة التامة من الموقع المرجعي والمسؤول، للبت بأولوية استكمال السير بالملف ووقائعه وقياس اهمية وغلبة العوامل الخاصة بميدان المسؤوليات في الموقع والقرار، وتنفيذ العمليات "المشبوهة"، وتحديد المرجعيات القضائية المحلية و\او الدولية الأصح والأصلح للتحقيق والانتقال من مرحلة "الاستماع" الى ردهات "التحقيق"، ثم الى "المحاكم" بدرجاتها المتوالية.

    ثم، ومن مدخل التقييم المسبق، واذا تم وضع الادانة المنشودة بمنزلة "النصر" الكبير، فماذا عن القضايا المحورية التي تشي بتعمّد الضرر بالبلد وقطاعاته وتنضح بأنواع شتى من الشبهات ؟

     

    جردة القضايا الأولى أو الجديرة أكثر أو حتى تتساوى في الأهمية والنتائج المتوخاة، ومن دون اغفال التأثيرات المحورية لانكفاء حضور الدولة وتكرار الفراغات والشلل العام بصيغ واشكال مختلفة، وتفشي ظاهرة "المال السائب" ، يكفي المرور على عينة من الفجوات المتعمّقة في فترة ما بعد الأزمة، ومنها على سبيل الأمثلة لا الحصر :

    1. الأموال المحولّة الى الخارج بعد منتصف تشرين الأول 2019، وهي تقارب 6 مليارات دولار في الأشهر الأولى التي أعقبت "ثورة" 17 تشرين.
    2. تأخير اصدار وضع ضوابط مشددة على الرساميل والتحويلات (كابيتال كونترول).
    3. ملابسات القرار الرسمي الذي تطوّع رئيس الحكومة السابق بالافصاح عنه في اوائل آذار 2020، وقضى بتعليق دفع كامل مستحقات ( اصول وفوائد ) سندات الدين الدولية.
    4. اهمال التفاوض مع الدائنين الحاملين لمحافظ سندات اليوروبوندز.
    5. تبديد ما يزيد على 20 مليار دولار على الدعم العقيم للمحروقات والسلع وفيول الكهرباء والمصروفات الخراجية للدولة.
    6. تغطية البنك المركزي لعجوزات الموازنة عبر تمويل الدين العام.
    7. اتهامات المؤسسات الدولية للمنظومة الحاكمة بـ "تعمّد" الكساد.
    8. التحقق من تغطية البنك المركزي لمصروفات الدولة بالعملات الصعبة.
    9. مغارة عجوزات الكهرباء التي تحجز بمفردها أكثر من ثلث الدين العام البالغ نحو 103 مليارات دولار.
    10. كشوفات الصحافة الاستقصائية لمكامن الفساد والاهدار في الدولة.
    11. التقارير الصادرة عن ديوان المحاسبة.
    12. التمادي بتأخير عقد الاتفاق النهائي مع صندوق النقد الدولي والتسويف في تنفيذ التزامات الدولة الواردة في الاتفاق الأولي ( نيسان/ابريل 2022) في حزماتها التنفيذية والتشريعية والاجرائية.
    13. الامعان في ترويج "نظرية" شطب الجزء الأكبر من الودائع في الجهاز المصرفي.