كيف يحوّل صندوق الاستثمارات العامة السعودي المملكة إلى قوة عالمية في الرياضة

  • 2022-11-29
  • 10:16

كيف يحوّل صندوق الاستثمارات العامة السعودي المملكة إلى قوة عالمية في الرياضة

الصندوق يقلب الموازين في رياضة الغولف العالمية و يخصّص 38 مليار دولار لبناء القوة الســــعوديّة في صناعة الألعــاب الرقمية

  • رشيد حسن

 

تحول صندوق الاستثمارات العامة السعودي الذي يترأسه ولي العهد الأمير محمد بن سلمان إلى القوة الدافعة للتحول السعودي نحو الاقتصاد المتنوع والتنافسي على النطاق الدولي، إلا أن أحد القطاعات التي يحقق فيها الصندوق تحولات استراتيجية تبدّل الموازين القائمة هو قطاع الرياضة، الذي يعتبره الصندوق أحد أهم المرتكزات لاقتصاد سعودي عالمي متنوع ومنفتح وتنافسي، وأحد المصادر الأساسية لزيادة الناتج المحلي من المصادر غير النفطية،  وفي الوقت نفسه، أحد أهم المحركات لرفع جودة الحياة والتحول بالمملكة إلى مجتمع رياضي ومركز استقطاب للمنافسات العالمية.

يذكر أن الصندوق يتعامل مع الصناعة الرياضية بشقيها أي الرياضة الميدانية في الملاعب والحلبات والسباقات، لكن في الوقت نفسه، مع الرياضة الرقمية ومنافسات الالعاب الإلكترونية، والتي باتت قطاعاً ضخماً تتنافس فيه كبرى الشركات العالمية على تصميم ونشر الألعاب الرقمية ويحقق للصناعة عشرات المليارات من المداخيل سنوياً.

تستند استراتيجية صندوق الاستثمارات العامة لتحويل السعودية إلى قوة فاعلة في صناعة الرياضة والمنافسات الرياضية العالمية إلى المرتكزات التالية:

تحويل الرياضة إلى اهتمام شامل للمواطنين السعوديين من كل الأعمار، والاستثمار السخي في مكونات الصناعة الرياضية كافة بدءاً بالبنية التحتية والملاعب والحلبات والأندية والتدريب المحترف للاعبين، وتعزيز المنافسات السنوية التي تنقل عبر وسائل الإعلام، وتكريم النجاحات الرياضية واللاعبين المميزين.

ونجحت الحكومة السعودية في تعزيز اهتمام الشباب السعودي خصوصاً في لعبة كرة القدم، والتي أصبح النجاح فيها حلماً للمزيد من هذا الشباب، ويساعد الحفاظ على هذا المناخ الحماسي في تطور الرياضة وكذلك تزايد إسهامها في الناتج المحلي.  

في الوقت نفسه، فإن الاستثمار الكبير في إنشاء الملاعب الحديثة وذات السعة الكبيرة، يعزز أهلية المملكة في المستقبل لاستضافة الأحداث الرياضية العالمية مثل دوري كأس العالم والألعاب الأولمبية وغيرها.

 

 

الاستثمار في فرق الدرجة الأولى

 

 

العمل على تملك الأندية الرياضية الشهيرة في العالم، كما في تملك صندوق الاستثمارات العامة لحصة الأكثرية في نادي نيوكاسل البريطاني لكرة القدم في صفقة بلغت قيمتها نحو 408 ملايين دولار. وقد ترددت في الأيام الأخيرة أنباء عن استعداد الحكومة السعودية لتقديم الدعم لأي مجموعة من القطاع الخاص تتقدم لتملك فريق كبير مثل ليفربول أو فريق مانشستر يونايتد، الذي يبدو أن المالكين له يخططون لبيعه. وبالطبع فإن أي دعم لعملية شراء لهذا الفريق العريق أو غيره، سيتم توفيرها من صندوق الاستثمارات العامة.

ويساهم تملك فريق كرة أجنبي، عدا عن المكاسب الرأسمالية التي قد يجنيها الصندوق من تحسن أدائه في اللعبة، في تحسين صورة المملكة الخارجية كداعم للرياضة، ويعزز علاقتها بالمجتمع الكروي المحلي، كما يوفر لها أيضاً وسائط مفيدة لتدعيم الفرق الكروية المحلية بأفضل اللاعبين والمدربين من الوسط الكروي العالمي.  

ويمكن ان تحقق الأندية الكروية الاوروبية للدرجة الأولى أرباحاً سنوية مهمة للمالكين من خلال تقاسم المداخيل وحقوق النقل التلفزيوني وعقود الرعاية ومبيعات المنتجات المرتبطة باسم النادي وغير ذلك. وعلى سبيل المثال، فإن فريق الدرجة الأولى الذي يأتي أخيراً في ترتيب الفرق، يحصل في بريطانيا على 97 مليون جنيه استرليني بحسب نشرة رياضية متخصصة في السوق البريطانية.

واشارت اخبار حديثة عن تقديم احد الاندية السعودية عرضاً للنجم البرتغالي كريستانو رونالدو للعب في المملكة. ويأتي هذا العرض في اطار عولمة كرة القدم السعودية وزيادة الاهتمام الشعبي والعالمي فيها، وتوجيهها نحو المزيد من الاحتراف، كذلك وفق خطة لفتح المجال امام خصخصة الاندية السعودية. ولا شك ان الفوز التاريخي للمنتخب السعودي على منتخب الارجنتين في مونديال قطر 2022 اعطى قوة دفع كبيرة لجهود تطوير كرة القدم السعودية والرياضة السعودية بشكل عام.

 

تطوير قطاع الرعايات والحقوق التجارية

 

تعتبر الرعايات التجارية وحقوق النقل التلفزيوني والرقمي للمباريات وعقود تسمية الملاعب مصدراً أساسياً لمداخيل أندية كرة القدم ومنظمي المنافسات الكروية. ويمثل صندوق الاستثمارات العامة مصدراً كبيراً لتوفير الرعايات لأندية كرة القدم السعودية سواء التي يمتلك فيها حصصاً أكثرية مثل نادي نيوكاسل، أما أندية فرق الدرجة الأولى في المملكة واللاعبين او الأندية الناشطة في مختلف الرياضات الأخرى مثل التنس والغولف والسباحة والخيل وسباقات السيارات والماراثون وغيرها.

 وتستند قوة الصندوق إلى عشرات الشركات الضخمة التي يمتلكها أو يمتلك  حصصاً مؤثرة فيها، والتي تضع دوماً خططاً لاستخدام المواقع الرياضية والملاعب والأماكن المكشوفة للجمهور للاغراض الاعلانية والترويجية. ونقلت صحيفة Front Office Sport المتخصصة في تشرين الاول/أكتوبر الماضي أن صندوق الاستثمارات العامة أعلن عن تمويل عقود رعاية بقيمة 2.3 مليار دولار لحساب عدد من أندية كرة القدم، ومن هذه، عقود رعاية لمدة عشرين سنة لحساب شركات مملوكة من الصندوق مثل شركة القدِّية للنشاطات الرياضية والترفيه، وشركة جدة سنترال، بينما اشترت شركة نون للتجارة الإلكترونية المملوكة من الصندوق حقوق الرعاية لقمصان فريق نيوكاسل يونايتد، واشترت شركة "روشن" العقارية التابعة للصندوق الحقوق الحصرية لرعاية منتخب كرة القدم السعودي.


الصندوق يغير قواعد لعبة الغولف


في هذا السياق، يمكن التوقف أمام الـتحول الكبير الذي أحدثه صندوق الاستثمارات العامة في المنافسات الدورية لرياضة الغولف في العالم، والتي تعتبر بين أكثر الرياضات تحقيقا للأرباح للمنظمين وللاعبين المشاركين.  إذ تمكن الصندوق، بالتعاون مع لاعب الغولف الشهير غريك نورمان، من كسر الاحتكار الطويل الأمد لمنظمة "لاعبي الغولف المحترفين" في أميركا PGA وإطلاق منظمة عالمية جديدة للعبة تحت اسم LIV Golf، وهي مملوكة من صندوق الاستثمارات العامة ويرأسها اللاعب غريك نورمان. وحصل الخلاف مع منظمة PGA بسبب الشكاوى من القواعد والنظم المعقدة التي كانت تفرضها، وهو ما أدى إلى تجاوب كبير مع المنظمة الجديدة التي عززت مستوى المكافآت للاعبين وأدخلت تبسيطا كبيرا ومرونة في تنظيم الدورات وقواعد اللعبة.   

يذكر إن تأسيس رابطة الغولف الجديدة، يعتبر احد أهم الاحداث في تاريخ لعبة الغولف وهو يمهِّد من جهة لتطوير اللعبة وفق قواعد جديدة، وكذلك التشجيع على تنظيم منافسات في المملكة باستخدام ملاعب الغولف السعودية الحديثة والتي يفوق عددها حاليا الـ 13 ملعبا. 

 

دخول قوي إلى الرياضة الرقمية

 

في مطلع تشرين الأول/أكتوبر الماضي كشف ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان عن توجه المملكة لاستثمار نحو 142 مليار ريال سعودي  (نحو 38 مليار دولار) في الرياضات الإلكترونية، وذلك بهدف تحويل المملكة إلى محطة عالمية لهذه الرياضات في حلول العام 2030، وتوفير قطاع اقتصادي جديد يعزز استراتيجية التنويع  وتخفيف الاعتماد على تصدير النفط.

ومن أجل تحقيق هذا الهدف، بادر صندوق الاستثمارات العامة إلى تأسيس شركة Savvy Games Group المملوكة بالكامل منه ويرأسها ولي العهد الأمير محمد بن سلمان وأعلن عن توزيع استثماراته في قطاع الألعاب الرقمية على الشكل التالي:

 

   50 مليار ريال لتملك إحدى كبريات شركات تصميم وتطوير الالعاب الإلكترونية

   70 مليار ريال بهدف الاستثمار في حصص أقلية في الشركات الناشرة للألعاب الإلكترونية

   20 مليار ريال للاستثمار في مشاريع ثبتت أقدامها في قطاع الألعاب الإلكترونية

   2 مليار ريال للاستثمار في مشاريع جديدة في مجالي الألعاب الإلكترونية والرياضة الرقمية

 

وبدأت السعودية منذ سنوات التحرك بقوة كمستثمر نشط في قطاع الألعاب الإلكترونية التنافسية، وكذلك قطاع الرياضات الرقمية التي يتم لعبها بواسطة الشاشات والتحكم الإلكتروني. وقد كسبت هذه الرياضات شعبية كبيرة، وباتت تنظم لها الدورات والمنافسات المحلية والعالمية، وقد اشترى الصندوق بمبلغ مليار دولار شركة الألعاب السويدية الإلكترونية e-gaming، كما  قام على دفعات بزيادة حصته في شركة Activision Blizzard Inc، وفي شركة إلكترونيك  Arts Electronic وشركة Nintendo Co.، كما اشترت شركة سافي المملوكة من صندوق الاستثمارات العامة حصة في شركة Embracer Group AB، وكذلك  قسم الألعاب الإلكترونية في شركة Modern Times Group  بسعر قدر بنحو 1.05 مليار دولار.   ونجحت سافي في استقطاب الرئيس التنفيذي السابق في شركة Activision  ليشغل منصب الرئيس التنفيذي للشركة السعودية.

 

صناعة الأحداث الرياضية

 

اصبح تنظيم المنافسات الرياضية الكبرى مصدرا متزايدا للدخل في المملكة العربية السعودية التي حققت من تنظيم هذه الأحداث عوائد ضخمة بلغت نحو 2.1 مليار دولار في العام 2018، ويتوقع أن ترتفع إلى 3.3 مليار دولار في العام 2024. ومن أجل زيادة جاذبيتها لتنظيم المنافسات الكبرى في شتى الرياضات، أنفقت المملكة عشرات المليارات من الدولارات في تطوير البنى التحتية والملاعب ووسائل النقل، وهي تستعد لإنفاق أكثر من 30 مليار ريال لتحديث وتجميل مدينتي الرياض وجدة والمنطقة الشرقية. وفي إطار هذه الخطط رصدت مبالغ ضخمة لتأهيل البنى التحتية لمختلف الرياضات الشعبية وكذلك لما يسمى بـ "رياضات النخبة".

وأدت هذه الاستثمارات إلى جهوزية المملكة العربية السعودي وأهليتها لعرض إقامة المنافسات الدولية لمختلف الرياضات على أراضيها، وهي حققت إنجازا كبيرا عندما ربحت مدينة الرياض حق تنظيم دورة الألعاب الأسيوية للعام 2036 (وهي ثاني أضخم حدث رياضي في العالم بعد الألعاب الأولمبية). كما ربحت المملكة حق تنظيم دورة الألعاب الأولمبية الشتوية الأسيوية للعام 2029، كذلك انضمت إلى مصر واليونان في المنافسة على دورة كأس العالم لكرة القدم للعام 2030، وبدأت الاستعداد للترشح كبلد مضيف للألعاب الأولمبية.