في قمة المناخ نزلت الخلافات السياسية عن الشجرة

  • 2022-11-11
  • 13:01

في قمة المناخ نزلت الخلافات السياسية عن الشجرة

  • أحمد عياش

عندما وصل الرئيس الاميركي جو بايدن إلى مصر لحضور مؤتمر COP27، ترك وراءه متاعب الانتخابات النصفية في الولايات المتحدة، والتي انتهت الى نتيجة مرضية للحزب الديموقراطي الذي ينتمي اليه الرئيس بايدن. وقبل ان تحط طائرة الرئيس الاميركي في مطار شرم الشيخ، كانت الادارة الاميركية تتحدث عن انحسار موجة التشنج التي سادت العلاقات الاميركية مع الدول المنتجة للنفط وعلى رأسها المملكة العربية السعودية على خلفية القرار الاخير الذي اتخذته الشهر الماضي منظمة اوبك بلس بخفض إنتاجها بمقدار مليونيّ برميل.

من اهم ما ساد قمة المناخ العالمية التي استضافتها مصر ولا تزال في المنتجع على البحر الاحمر، ان المعضلات السياسية التي تشغل العالم وفي مقدمها الحرب في اوكرانيا تمت تنحيتها جانباً. ولعلّ من الامور التي لا يمكن تجاوز الحديث عنها، هو ان إحدى الحجج الرئيسية التي أججت التوتر في العلاقات الاميركية مع الدول المنتجة للنفط عموماً، والعربية السعودية خصوصاً، ان خفض إنتاج النفط سيؤثر سلباً على نتائج الانتخابات النصفية لمصلحة خصوم الادارة الحالية، لكن هذه الحجة سقطت عندما أظهرت النتائج ان موضوع سعر الوقود لم يكن اولوية في هذه الانتخابات مثل ما كان موضوع الاجهاض.

يقول المتحدث الإقليمي باسم الخارجية الأميركية لشؤون الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، سام وربرغ، على هامش مشاركته في قمة المناخ كوب27: "نحن نعيش في تناقض، فنحن نعاني من التغيرات المناخية ونلمس آثارها، لكن في الوقت ذاته كبشر، لدينا احتياجات غذائية ونريد أن نذهب لأعمالنا ونسافر إلى الخارج، وكل ذلك يعتمد على الوقود الأحفوري، فالعالم ليس مؤهلاً الآن للاستغناء عن الوقود الأحفوري، وقد أظهرت الحرب في أوكرانيا هذه الحقيقة، والأفكار التي تطالب بذلك، هي (أفكار متطرفة)، فلا يمكن للرئيس الأميركي جو بايدن، رغم اهتمامه بمشكلة تغيّر المناخ، أن يأخذ قراراً مثل هذا يضر بالأنشطة الصناعية وقطاعات من العاملين في مهن تعتمد على الوقود الأحفوري، مثل سائقي الشاحنات مثلاً".

هل يمكن لمسؤول أميركي في الإدارة الحالية ان يقول ما قاله وربرغ، عندما كانت الانتخابات النصفية مستعرّة؟ بالتأكيد لا. لكن الآن هناك وقت مناسب لنزول السياسة ومواقفها المسبقة عن الشجرة، خصوصاً عندما يكون المكان غير جاهز على الاطلاق لنبش دفاتر النزاعات السياسية مثلما هي حال مؤتمر المناخ العالمي الحالي.

تقول ليزا فريدمان في تقرير أعدّته في شرم الشيخ ونشرته النيويورك تايمز: "عندما يشارك الرئيس بايدن في قمة الأمم المتحدة للمناخ، يمكنه أن يتباهى إلى حد ما بإعادة الولايات المتحدة إلى المعركة العالمية للحفاظ على الكوكب من ارتفاع درجة الحرارة بشكل خطير، وبدفع أميركا بعيداً عن الوقود الأحفوري. لكن بدلاً من الإشادة به كرئيس أقرّ قانوناً تاريخياً للمناخ، سينضم بايدن إلى تجمع أمضت فيه الدول النامية طوال الأسبوع في انتقاد الولايات المتحدة وغيرها من الدول الصناعية لتسببها في تغيّر المناخ والمطالبة بتعويضات وهي دعوة بدأ بعض القادة الاوروبيين في الاستجابة لها بتعهدات نقدية، والضغط على بايدن للقيام  بالشيء نفسه".

في سياق متصل، قال الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إن أوروبا تساعد بالفعل الدول الأكثر فقراً، وإن الدول الغربية الأخرى بحاجة إلى بذل المزيد من الجهد. وأضاف: "الأوروبيون يدفعون. نحن الوحيدون الذين يدفعون".

وخلص الرئيس ماكرون الى القول: "يجب الضغط على الدول الغنية غير الأوروبية، قائلاً لهم: عليكم أن تدفعوا حصتكم العادلة"، في إشارة غير مبطنة إلى الأميركيين.

في المقابل، وحتى مع وجود الديموقراطيين في الأغلبية في الكابيتول هيل، فشل بايدن في الوفاء بوعد سابق من الولايات المتحدة بالمساهمة في صندوق لمساعدة الدول الفقيرة التي تكافح من وابل من الفيضانات والحرائق والجفاف وموجات الحر التي لم تكن مستعدة لها ولم تفعل شيئاً يذكر للتسبب فيها. ففي العام 2021، تعهد بايدن بتقديم 11.4 مليار دولار سنوياً بحلول العام 2024. وفي العام الماضي، حصل على مليار دولار فقط لتحقيق هذا الهدف من الكونغرس الذي يسيطر عليه الديموقراطيون.

تقول راشيل كايت، عميدة كلية فليتشر للدبلوماسية في جامعة تافتس: "تسمع اللغة من البلدان النامية وهي مثل سكين حاد. أسمع القادة الأفارقة يقولون: "لقد فهمنا دائماً أن المؤتمر صعب. لكن ألا يفهم الشعب الأميركي ما يحدث للكوكب؟".

وباعتبارها أغنى دولة في العالم وكأكبر مصدر تاريخي لانبعاثات غازات الاحتباس الحراري، غابت الولايات المتحدة عن المناقشات في القمة هذا الأسبوع حول صندوق جديد "للخسائر والأضرار" لتعويض الدول النامية عن الآثار التي لا يمكنها التعافي منها، مثل بلدة ساحلية فقدت بسبب ارتفاع منسوب مياه البحار الناجم عن ذوبان الأنهار الجليدية.

وسيكون هذا الصندوق إضافة إلى اتفاق أبرمته الأمم المتحدة العام 2015، وافقت فيه الدول الغنية على توفير 100 مليار دولار سنوياً من مصادر عامة وبخاصة للدول النامية لمساعدتها على التخفيف من تغيّر المناخ والتحول بعيداً عن الوقود الأحفوري.

على مدى عقود، صدت الدول الغنية والملوثة الدعوات إلى خسارة الأموال وإتلافها. وكمسألة قانونية وعملية، كان من الصعب للغاية تعريف "الخسارة والضرر" وتحديد ما قد يكلفه ومن ينبغي أن يدفع المبلغ.

كيف الصورة حالياً على مستوى المنطقة في مواجهة تحديات الاحتباس الحراري ؟ كان لافتاً ان المتحدث الإقليمي للخارجية الأميركية وربرغ الذي سبق ان مرّ الحديث عنه، وصف في حديث لصحيفة الشرق الاوسط "مبادرة الشرق الأوسط الأخضر" بأنها "رسالة سعودية مهمة، تؤكد اهتمام الرياض بقضية التغيرات المناخية."وقال: "لا أريد أن أقارن بين المبادرات التي أطلقتها دول غير منتجة للنفط، والمبادرة السعودية، ولكن عندما تأتي هذه المبادرة من دولة تنتج 10 ملايين برميل من النفط يومياً، فهي رسالة لها طابع خاص وذات أهمية كبيرة"، ووصف وربرغ العلاقات مع السعودية، على خلفية قرار منظمة أوبك بلس بأنها "سحابة صيف"، مشدداً على عمق العلاقات مع السعودية، والتي يُعدّ ملف الطاقة "جزءاً بسيطاً منها".

الى أين من قمة شرم الشيخ التي تختتم اعمالها الأسبوع المقبل؟ اول ما يجب ادراكه ان العالم سيعود الى ازماته ولاسيما منها ما يتعلق بالطاقة. ويقول جو والاس في صحيفة وول سترين جورنال "إن العقوبات على الطاقة الروسية تلوح في الأفق، وستعيد سحب تدفقات النفط العالمية خلال الأشهر الثلاثة المقبلة"، أضاف:" إن الارتباك حول كيفية عمل التدابير يجعل من الصعب على صناعة الطاقة الاستعداد، فيما يستعد حلفاء أوكرانيا للضغط على النفط الروسي بأشد القيود حتى الآن بدءاً من أوائل كانون الاول/ ديسمبر المقبل في محاولة لوقف إنتفاع الرئيس فلاديمير بوتين من عائدات الوقود الأحفوري".

وخلص والاس الى القول: "المفاوضات داخل إدارة بايدن ومع شركائها في الخارج تسير على ما يرام، ما يخلق حالة من عدم اليقين للتجار وشركات التكرير وغيرهم من اللاعبين في سوق الطاقة، وما زاد من القلق أن موسكو هددت بالرد بخنق الإمدادات. ويقترب خام برنت، وهو المعيار العالمي للنفط، من 100 دولار للبرميل للمرة الأولى منذ آب أغسطس. لكن التأثير الحقيقي، كما يقول المتداولون، يظهر في الأسعار المذهلة التي يدفعها الأوروبيون مقابل الديزل. سوق الديزل عرضة بشكل خاص لفقدان الإمدادات الروسية لأن أوروبا اعتمدت منذ فترة طويلة على شركات التكرير الروسية للحصول على الوقود الزراعي والصناعي والنقل بالشاحنات. وما زاد الطين بلة أن المخزونات تنفد بعد إضراب شركات التكرير الفرنسية".

في الخلاصة، سيعود العالم الى الواقع بعيداً عن هواجس السياسة التي سادته قبل الانتخابات النصفية في الولايات المتحدة، كما سيعود الى حقائق العرض والطلب في الاسواق التي تمر بأحوال غير طبيعية بسبب الحرب الاوكرانية وغيرها.

في كل الاحوال، شهد العالم في قمة المناخ نزول السياسة عن الشجرة وعرف ان هناك أموراً أخرى يجب الاهتمام بها.