تؤججها اسعار الفائدة والدولار: الاقتصاد العالمي في حالة حرب

  • 2022-10-01
  • 12:18

تؤججها اسعار الفائدة والدولار: الاقتصاد العالمي في حالة حرب

  • أحمد عياش

تقول منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية إن الاقتصاد العالمي يدفع "ثمناً باهظاً جداً" لحرب روسيا في أوكرانيا. لكن في الوقت نفسه، تعطي البنوك المركزية، بقيادة بنك الاحتياطي الفيدرالي الأميركي، الأولوية لمكافحة التضخم، وزيادة أسعار الفائدة بوتيرة لم تشهدها منذ عقود.

 ويرتفع الدولار أمام العملات الأخرى، ما يؤدي إلى تفاقم التضخم المستورد في أماكن أخرى والضغط على الأسواق الناشئة التي اقترضت بالدولار.

إذاً، تتباطأ الاقتصادات في جميع أنحاء العالم أكثر من المتوقع، حيث تدفع الحرب الروسية في أوكرانيا التضخم وتكلفة الطاقة إلى الارتفاع، ما أجبر منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية يوم الاثنين الماضي على تقليص توقعاتها للنمو في السنوات المقبلة.

وعلى الرغم من أنها تجنّبت التنبؤ بركود عالمي، إلا أن المنظمة خفّضت توقعاتها، وحافظت على توقعاتها بأن النمو الاقتصادي العالمي سيكون "متواضعاً" بنسبة 3 في المئة هذا العام، وحتى 2.2 في المئة أضعف في العام المقبل، انخفاضا من 2.8 في المئة قبل بضعة أشهر.

إذا كنت قد تساءلت يوماً، بحسب صحيفة "غلوب آند ميل" الكندية، كيف يمكن للتضخم المرتفع أن يخنق النمو والازدهار؟ فما عليك سوى أن تسأل الشركات كيف تخطط لإنفاق أموالها في العام المقبل. فعلت Modus Research ذلك بالضبط في مسح سيصدر قريباً للأعمال التجارية الكندية. ويظهر التقرير أن ارتفاع التكاليف الناجم عن التضخم على وشك أن يأخذ ضربة قوية من إنفاق القطاع الخاص في المجالات الرئيسية التي تعزز التوسع الاقتصادي في المستقبل. ووجد الاستطلاع الذي شمل 600 شركة، والذي أجري في أواخر آب/أغسطس وأوائل أيلول/ سبتمبر، أن 70 في المئة من الشركات تتوقع أن يدفعها التضخم إلى خفض التكاليف خلال العام المقبل. وقال ما يقرب من نصفهم إنهم يعتزمون خفض الاستثمار في المعدات الجديدة، وقال 35 في المئة إنهم يخططون لخفض البحث والتطوير، وقال ثلثهم إنهم سيخفضون التوظيف.

من كندا الى أوروبا، حيث أكدت رئيسة البنك المركزي الأوروبي كريستين لاغارد عزم البنك على التحرك لاحتواء المستويات المرتفعة للتضخم، مشيرة إلى "أخطاء في التوقعات"، قائلة، إن التطورات الحالية كانت أكبر من توقعات البنك.
وقالت لاغارد: "سنقوم بما يتعيّن علينا أن نقوم به. هذا يعني رفع معدلات الفائدة خلال الاجتماعات القليلة المقبلة". وأضافت، أنه إذا لم يقم البنك بواجبه المتمثل في ضمان استقرار الأسعار، "سوف يتضرر الاقتصاد بصورة أكبر".
ويسعى البنك للمحافظة على معدل التضخم عند نحو 2 في المئة. وخلال شهر آب/ أغسطس الماضي، كانت أسعار المستهلكين في منطقة اليورو قد ارتفعت بنسبة 9.1 في المئة مقارنة بالشهر نفسه من العام الماضي. وتعدّ أسعار الطاقة الآخذة في الصعود ومشاكل الإمداد من ضمن العوامل التي ترفع معدل التضخم منذ شهور.
وبعد رفع معدل الفائدة خلال شهري تموز/ يوليو وأيلول/سبتمبر، يبلغ معدل الفائدة في منطقة اليورو 1.25 في المئة، ومن المقرر أن ينعقد الاجتماع الدوري المقبل لمجلس البنك المركزي الأوروبي في 27  تشرين الأول/ أكتوبر المقبل.

كيف تبدو صورة الاقتصاد على المستوى العالمي؟ في تقرير مشترك أعدّه توم فيرليس وجيسون دوغلاس لوول ستريت جورنال تحت عنوان "الحرب والتضخم يضربان الاقتصاد العالمي المتوازن"، جاء فيه: "إن الاقتصاد العالمي خارج الولايات المتحدة يتلعثم، ويتأثر بالطبع بالتضخم المرتفع، وأزمة الطاقة، والآن تهديدات روسيا بالحرب النووية. وتشير استطلاعات الأعمال التي نشرت يوم الجمعة إلى أن النشاط الاقتصادي في أوروبا انخفض بشكل حاد في سبتمبر/ أيلول مما يزيد من خطر الركود في واحدة من القوى الصناعية في العالم في الوقت الذي تكافح فيه الحكومات ارتفاع الأسعار والاضطرابات الناجمة عن هجوم موسكو على أوكرانيا. ومع معاناة الاقتصادات الآسيوية أيضاً من ارتفاع أسعار الفائدة وضعف الصادرات، فإن هذا يترك الولايات المتحدة باعتبارها الاقتصاد الكبير الوحيد الذي يظهر درجة من المرونة على الرغم من الزيادات المتكررة في أسعار الفائدة من قبل الاحتياطي الفيدرالي".

وبحسب التقرير تراجعت أسعار النفط إلى أدنى مستوياتها منذ كانون الثاني/ يناير قبل أن تغزو روسيا أوكرانيا. ويضيف: " في جميع أنحاء العالم، تتعثر أحجام التجارة ويسحق التضخم ثقة الأسر والشركات. إن سوق الإسكان في الصين يتصدع، وفي جميع أنحاء آسيا، يضعف نمو الصادرات في الاقتصادات التجارية الرئيسية في المنطقة، في إشارة إلى تراجع الطلب على الإلكترونيات مع تلاشي شهية الغرب للسلع الاستهلاكية".

 وقال أليكس هولمز، كبير الاقتصاديين الآسيويين في أكسفورد إيكونوميكس في سنغافورة: "هناك بالفعل علامات الآن على أن الأمور بدأت في التحول"، وسجلت كوريا الجنوبية، التي تعدّ رائدة في التجارة العالمية، هذا الأسبوع انخفاضاً سنوياً بنسبة 8.7 في المئة في الصادرات خلال الأيام الـ 20 الأولى من شهر أيلول/ سبتمبر، بقيادة السيارات ومعدات الاتصالات. وأظهرت بيانات أن النمو السنوي في صادرات أشباه الموصلات تعافى من الانخفاض في آب/أغسطس، لكنه لا يزال أقل بكثير من المكاسب التي شوهدت في وقت سابق من العام. وقالت شركة سامسونغ للإلكترونيات، أكبر صانع للرقائق في العالم من حيث الإيرادات، هذا الشهر إنها تتوقع تراجعاً حاداً في مبيعات الرقائق يمتد حتى العام 2023. تضررت صناعة أشباه الموصلات من ركود مبيعات أجهزة الكمبيوتر الشخصية والهواتف الذكية وخوادم البيانات في جميع أنحاء العالم.

 قال كيونغ كي هيون، الذي يرأس وحدة أشباه الموصلات في سامسونغ ويشغل منصب الرئيس التنفيذي المشارك للشركة: "يبدو النصف الثاني من هذا العام سيئاً، وحتى الآن، لا يبدو أن العام المقبل يظهر زخماً واضحاً للكثير من التحسن".

وسجلت تايوان أبطأ نمو للصادرات في أكثر من عامين في آب أغسطس، وأبلغت الصين أيضاً عن نمو متعثر في المبيعات الخارجية الشهر الماضي ما ضاعف المخاوف بشأن اقتصاد يعاني بالفعل من ركود عقاري وسياسة بكين بعدم التسامح مطلقاً مع كوفيد-19.

وقالت نينا لين، مديرة المبيعات في شركة Tombo  Toys Co، وهي شركة لصناعة الألعاب مقرها قوانغ دونغ تصدر بشكل رئيسي إلى الولايات المتحدة وأوروبا الشرقية وأميركا الجنوبية: "مقارنة بالعام السابق، تلقينا عدداً أقل من الطلبات في النصف الثاني من هذا العام".

وتباطأ نمو الصادرات الصينية في آب/ أغسطس إلى 7.1 في المئة سنوياً، مقارنة مع نمو بنسبة 18 في المئة في الشهر السابق. ونمت الصادرات إلى الاتحاد الأوروبي بنسبة 11.1 في المئة سنوياً في آب/ أغسطس، أي ما يقرب من نصف المعدل في تموز/  يوليو، في حين نمت الشحنات إلى الولايات المتحدة بنسبة 3.8 في المئة سنوياً، كما  أظهرت بيانات من هيئة الجمارك الصينية.

مثل نظرائها في الولايات المتحدة وأوروبا، فإن معظم البنوك المركزية في آسيا ترفع أسعار الفائدة. فقد رفعت البنوك المركزية في الفيليبين وتايوان وإندونيسيا تكاليف الاقتراض هذا الاسبوع ، مشيرة إلى ضغوط تضخمية. والاستثناءات الكبرى هي الصين واليابان، وهما الاقتصادان الثاني والثالث في العالم، اللتان تعانيان من ضغوط أقل بسبب التضخم ويكافحان من أجل النمو. وأبقى بنك اليابان المركزي على إعدادات سياسته ثابتة، ما يشير إلى أنه لا يعتقد أن اليابان تخرج من فخ الانكماش الذي كانت غارقة فيه لسنوات. وأظهرت بيانات حديثة أن التباطؤ في الصين تراجع في آب أغسطس مستفيداً من الاستثمار في البنية التحتية الذي أدى إلى ضعف الإنفاق الاستهلاكي والمزيد من الانخفاض في أسعار المساكن. ولم تؤد نوبات Covid-19 في مدن بما في ذلك بكين وشنتشن إلى عمليات إغلاق مستدامة، على الرغم من أن حفنة من المدن الصغيرة لا تزال تخضع لقيود صارمة. ومع ذلك، خفض الاقتصاديون في غولدمان ساكس هذا الأسبوع توقعاتهم للنمو الصيني العام المقبل، إلى 4.5 في المئة من 5.3 في المئة في السابق، قائلين إنهم يتوقعون ألا تغير الصين استراتيجيتها لكوفيد-19 بشكل كبير حتى الربع الثاني، ما يؤخر الارتداد الاقتصادي المتوقع من إعادة الفتح الكامل، وهم يتوقعون نمواً بنسبة 3 في المئة فقط هذا العام.

وفي الخلاصة، كما يقول جيروم هايجلي، كبير الاقتصاديين في المجموعة في شركة سويس ري لإعادة التأمين، ومسؤول سابق في البنك المركزي السويسري: "الاقتصاد العالمي في غرفة الطوارئ، أي شيء مثل هبوط آمن Soft Landing هو تفكير بالتمني".

إنها حرب عالمية بامتياز، لكن ميادين نيرانها هو الأسواق. أما مدافعها التي تهدر أصوات قذائفها في كل مكان من الكوكب، فهي أسعار الفائدة.