السعودية قالت كلمتها: لن تكون هناك أزمة طلب على النفط

  • 2022-08-08
  • 17:20

السعودية قالت كلمتها: لن تكون هناك أزمة طلب على النفط

  • أحمد عياش

القراءة المستعجلة لقرار منظمة "أوبك بلس" الاخير، بإضافة 100 ألف برميل يومياً فقط على الانتاج في أيلول/سبتمبر المقبل، أشاع مناخاً من الإحباط، لأن هذه الزيادة في الإنتاج لا ترتقي إلى الطموحات التي رافقت الزيارة الأخيرة للرئيس الأميركي جو بايدن للمنطقة. فهل هذا الشعور في محلّه؟

في قراءة وكالة "بلومبرغ " للمشهد النفطي، إن الرئيس بايدن عاد من السعودية الشهر الماضي واثقاً من أن زيارته أثمرت وعداً بتهدئة أسعار النفط. لكن يوم الأربعاء في 3 آب/اغسطس الحالي، عرضت "أوبك+" زيادة رمزية فقط في العرض وأشارت إلى أن سلطاتها للمساعدة محدودة. وتضيف الوكالة : تبيّن أن "الخطوات الإضافية" من السعوديين في شأن إنتاج النفط التي توقعها البيت الأبيض "كانت واحدة من أصغر الزيادات في تاريخ أوبك الممتد لستة عقود"، على حدّ تعبير الوكالة. وخلصت "بلومبرغ" الى القول:" مثل هذه الكمية الصغيرة، التي لا تتجاوز 1/1000 من الطلب العالمي، لا توفر سوى القليل من الراحة للمستهلكين الذين يعانون من الضغط التضخمي لأسعار النفط ومكافأة ضئيلة على الجهود الدبلوماسية التي يبذلها الرئيس".

هل الأمور على النحو المشار اليه؟ أول الأجوبة على هذا السؤال جاء من الأسواق نفسها. فعلى الرغم من قرار زيادة الإنتاج 100 الف برميل يومياً بدءاً من الشهر المقبل، فقد بقيّ سعر البرميل بالقرب من 100 دولار. وفي الوقت نفسه، قال مسؤولو إدارة بايدن إنهم راضون عن قرار أيلول/سبتمبر لأن "أوبك+" سرّعت بالفعل من زيادة الإمدادات في تموز/يوليو وآب/أغسطس حيث ضخّ السعوديون 10.78 ملايين برميل يومياً الشهر الماضي، وفقاً لمسح أجرته "بلومبرغ"، وهو مستوى لم يصل إليه إلا في حالات نادرة.

وقال عاموس هوكشتاين، كبير مستشاري وزارة الخارجية الأميركية لأمن الطاقة العالمي: "في نهاية المطاف، نحن لا ننظر إلى أعداد البراميل، نحن ننظر إلى: هل أسعار النفط تهبط من أعلى مستوياتها"؟

في المقابل، وبما يشبه المفاجأة، قالت مصادر مطلعة، وفق ما أوردت صحيفة الشرق الأوسط، إن السعودية والإمارات على استعداد لضخ "زيادة كبيرة" في إنتاج النفط إذا واجه العالم أزمة إمدادات حادة هذا الشتاء. وعندما قررت منظمة البلدان المصدرة للبترول "أوبك" وحلفاؤها، في تحالف "أوبك"، رفع الإنتاج بمقدار 100 ألف برميل يومياً فقط، كسرت إحدى القواعد بإشارة نادرة إلى فائض الطاقة الإنتاجية للمجموعة. وأشار البيان إلى توفر طاقة إنتاج فائضة "محدودة للغاية"، قائلاً إن ذلك يعني أن هناك ثمّة حاجة للحفاظ عليها تحسباً "لتعطيلات شديدة في الإمدادات".

وقالت ثلاثة مصادر، تحدثت شريطة عدم الكشف عن هويتها بسبب حساسية الأمر، إن السعودية والإمارات يمكنهما ضخ كميات "أكثر بكثير"، لكنهما ستفعلان ذلك فقط إذا تفاقمت أزمة الإمدادات. ولم تحدد المصادر حجم أي زيادة، لكنها قالت إن السعودية والإمارات وبعض أعضاء "أوبك" الآخرين يمتلكون ما بين 2 و2.7 مليون برميل يومياً من الطاقة الإنتاجية الفائضة.

أول من التقط هذا المعطى السعودي، كانت "فاينانشال تايمز". ففي مقال للكاتب جيم كرين، استعرض فيه كتاب "قادة النفط" لخبير النفط السعودي إبراهيم المهنا، والذي يتحدث فيه عن تغيير السعودية سياستها في التعامل مع الأسواق، وأسرار صناعة النفط العالمية والمتحكمون فيها، والممسكون بخيوط منظمة "أوبك". ويقول كرين إن الكتاب يمثل نظرة مدهشة من الداخل لنحو 40 عاماً من الريادة في سوق النفط السعودي، وتأثيرها العالمي.

ويضيف في مقاله أنه منذ وقت ليس ببعيد، عندما ارتفعت أسعار النفط، كان من الممكن الاعتماد على السعودية لتقديم استجابة مهمة. خلال الارتفاع الحاد في العام 2008 الذي دفع النفط إلى 147 دولاراً للبرميل، على سبيل المثال، شكلت وزارة النفط في الرياض فريقاً لحماية المستهلكين والمملكة من ارتفاع الأسعار.

وكما يشرح إبراهيم المهنا، في كتابه "لقد قبل (الفريق) مهمته لأنهم اعتقدوا أن أسعار النفط المرتفعة وغير المنضبطة لم تكن جيدة للسعودية، خصوصاً على المدى الطويل".

كان كرين يقول إن هذه الفكرة قد تغيّرت الآن. فبينما لامست أسعار النفط 120 دولاراً للبرميل هذا الصيف، كانت السعودية وزملاؤها في منظمة "أوبك" يتصرفون بعدم ضخ المزيد من النفط كاستجابة مناسبة.

ويوضح أن حجم الابتعاد عن السياسة السابقة هو أحد الأفكار الثاقبة في مذكرات المهنا، والتي يعتمد كتابه على حياته المهنية الطويلة كمستشار في وزارة النفط السعودية.

والنتيجة كما يرى الكاتب كانت وجهة نظر مدهشة من الداخل لنصف قرن من الريادة لسوق النفط السعودي، وهي نظرة نادرة داخل العالم المنعزل من مناقشات بالوزارة كان لها تأثير عالمي.

ويشير كرين إلى أن السعوديين هم الذين يمسكون بخيوط (اللعبة) في "أوبك"، التي شبّهها المراقبون "بإدارة سفينة قرصنة،" والأهم من ذلك أنهم يسيطرون على قدرة كبيرة لإنتاج نفط احتياطي أكثر من أي منتج آخر للنفط.

يبدو من الأجدى التطلع من الآن فصاعداً الى أسباب أخرى، ما زالت ترخي بثقلها الآن على أزمة الطاقة بشقيّها النفطي والغازي.

ففي إفتتاحية لصحيفة "نيويورك تايمز" في 29 تموز/يوليو الماضي، حمل عنوان "روسيا تجني أكواماً من المال من النفط، ولكن هناك طريقة لوقف ذلك"، كتبت تقول :"تعتمد الولايات المتحدة وحلفاؤها بشدة على العقوبات الاقتصادية لمعاقبة روسيا على غزوها لأوكرانيا، لكن أحد العناصر الرئيسية في هذه الاستراتيجية، القيود المفروضة على صادرات النفط الروسية، يبدو أنها تسبب الألم للناس العاديين في بلدان أخرى.

تتسبّب الدول الأوروبية، على وجه الخصوص، في إلحاق أضرار جسيمة باقتصاداتها من دون خفض عائدات النفط الروسية." لكن المفارقة، كما أشارت الصحيفة، هي "أن الدول التي تسعى إلى مساعدة أوكرانيا تهدف إلى الهدف الخطأ. لقد ركزوا على خفض صادرات الطاقة الروسية بدلاً من تقليل أرباح روسيا من صادرات الطاقة. وعلى الرغم من روسيا تصدّر كميات أقل من النفط، لكنها تكسب المزيد من المال، وفقاً لمركز أبحاث الطاقة والهواء النظيف، ومقرّه فنلندا. فقد رفعت العقوبات الأسعار، أكثر من تعويض الانخفاض في الصادرات. وفي أيار/مايو 2022 ، كسبت روسيا 883 مليون يورو يومياً من صادرات النفط، ارتفاعاً من 633 مليون يورو يومياً في أيار/مايو 2021".

ولفتت "نيويورك تايمز" الى "ان الوضع على وشك أن يأخذ منعطفاً نحو الأسوأ. ومن المرجح أن تؤدي العقوبات الجديدة التي اتفق الاتحاد الأوروبي وبريطانيا على فرضها على روسيا بحلول نهاية العام إلى ارتفاع أسعار النفط. ويحذر بعض المحللين من أن سعر برميل النفط قد يتجاوز 200 دولار، وهو أعلى بكثير من الارتفاع الحاد في الأسابيع الأولى من الحرب، عندما تجاوزت أسعار النفط نحو 124 دولاراً، وهذا يمكن أن يدفع الاقتصادات الغربية بسهولة إلى الركود".

ربما سيطول البحث في موضوع العقوبات الغربية على روسيا والتي وضعت أسواق الطاقة حتى الآن في سباق محموم بين ارتفاع الأسعار وبين المخاوف الناشئة عن احتمال ان يستيقظ العالم فلا يجد أن روسيا خارج الأسواق مع ما يعنيه من نقص حاد لا مثيل له في التاريخ الحديث.

في انتظار المتابعة لهذا الملف الشائك، لا بدّ من إبداء شيء من التفاؤل مع الاشارات المطمئنة التي بعثت بها السعودية الى الاسواق هذا الاسبوع.