روسيا انتظرت الشتاء كي تهزم الغزاة والآن بوتين يريد أوروبا ترتجف؟

  • 2022-07-23
  • 13:29

روسيا انتظرت الشتاء كي تهزم الغزاة والآن بوتين يريد أوروبا ترتجف؟

  • أحمد عياش

قد لا يبدو العنوان مناسباً مع الانباء التي انتشرت عالمياً الخميس في 21 تموز/ يوليو الحالي حول بدء الغاز يتدفق إلى ألمانيا من روسيا عبر خط أنابيب رئيسي تم إيقافه عن العمل للصيانة الدورية قبل 10 أيام، ما خفف المخاوف في أوروبا من أنه سيصبح أحدث هدف في الصراع الاقتصادي المتصاعد بين موسكو والغرب.

وفور شيوع هذه الانباء، تراجعت أسواق الأسهم ما أدى إلى ارتفاع اليورو قبيل أول رفع اسعار الفائدة من جانب البنك المركزي الأوروبي الذي تم ليكون الاول منذ 11 عاماً لكبح التضخم.

هل انتهت القصة عند هذا الحد؟ يجيب مايكل هيوسون كبير استراتيجيي الأسواق في CMC Markets لرويترز:"الأسواق الأوروبية سيتم تحريكها وفق مزاج بوتين".

من ناحيتها، قالت أورسولا فون دير لاين، رئيسة المفوضية الأوروبية، أثناء تقديمها خطة للحد من استهلاك الغاز، روسيا تبتزنا، روسيا تستخدم الطاقة كسلاح.

وقال محللون إن الحفاظ على تدفق منخفض للغاز الطبيعي قد يكون مفيداً للزعيم الروسي، ما يسمح له بإبقاء الأوروبيين في حالة طويلة من عدم اليقين والذعر القريب. وأوقفت روسيا بالفعل شحنات الغاز عبر خطوط أنابيب رئيسية أخرى إلى أوروبا تعبر بولندا وأوكرانيا.

في المقابل، قال كوشال راميش، كبير المحللين في Rystad Energy، وهي شركة استشارية: "حافز روسيا لإعادة تشغيل الغاز هو الإيرادات الكبيرة". وقد أدى خفض كمية الغاز التي ترسلها إلى أوروبا إلى خلق الطلب، مما تسبب في ارتفاع أسعار الوقود إلى مستويات قياسية. ودفعت ألمانيا لروسيا 1.9 مليار يورو في أيار/ مايو مقابل الغاز والنفط بزيادة 29 في المئة عن الفترة نفسها من العام الماضي.

وكان الرئيس الروسي فلاديمير بوتين قد حذر في وقت سابق من أن الإمدادات قد تنخفض أكثر أو حتى تتوقف:"حتى لو أطلقنا نورد ستريم 2 غداً، فلن يكون 55 مليون متر مكعب سنوياً، ولكن بالضبط نصف ذلك. بالإضافة إلى ذلك، مع الأخذ في الاعتبار أنه لم يتبق سوى النصف الثاني من هذا العام، فهذا يعني الربع فقط. هذا هو الوضع مع الإمدادات"، حسبما نقلت وكالة إنترفاكس الروسية للأنباء عن بوتين.

وكان التشويق، مع عودة ضخ الغاز الروسي، بمثابة تذكير آخر باعتماد ألمانيا، والكثير من بقية أوروبا، على امدادات الطاقة الروسية. ودفع ذلك قادة الاتحاد الأوروبي هذا الأسبوع إلى حث الأعضاء على خفض استخدام الغاز الطبيعي على الفور للاستعداد لما يمكن أن يكون إمدادات غير مؤكدة وغير مستقرة قبل فصل الشتاء.

وأصبح اعتماد أوروبا الكبير على الطاقة الروسية يطارد المسؤولين الذين يقولون إن موسكو تستفيد من نفطها وغازها للتأثير على دعم أوكرانيا في الحرب.

لكن محللين آخرين يشيرون إلى المشاكل الحقيقية الناجمة عن العقوبات التي فرضها الغرب على روسيا، ما يعقّد الإجراءات الروتينية السابقة مثل الحفاظ على التوربينات الغربية التي تشغل الضواغط القوية اللازمة لشحن الغاز على بعد نحو 750 ميلاً تحت بحر البلطيق.

في سياق متصل، قال الجنرال الكندي المتقاعد ريك هيلير إن قرار كندا باستيراد وإصلاح توربينات مملوكة للحكومة الروسية لمدة تصل إلى عامين في التحايل على العقوبات المفروضة على موسكو قد يقوّض تصميم الغرب على مواصلة الضغط على الكرملين. لكن رئيس الوزراء جاستن ترودو بقراره بإنشاء ثغرة في العقوبات حتى يمكن الاستمرار في إصلاح توربينات نورد ستريم 1 في مونتريال لمدة عامين. وقد برر في السابق التحايل على العقوبات بالقول إنه لا يريد أن تمنع سياسة العقوبات الكندية تسليم الغاز إلى الأوروبيين.

بالعودة الى عنوان المقال، لا جديد تحت الشمس، كما يقال. وربما يريد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين من ناحيته، أن يلوذ بالتاريخ كي يطبق هذا القول. فبلاده عبر الزمن عرفت كيف تهزم الغزاة، وأشهرهما نابليون بونبارت وأدولف  هتلر، بفضل ثلوج روسيا. لكن هذه المرة، ليس هناك من يغزو روسيا، بل على العكس، فروسيا هي من تغزو أوكرانيا، ما عرّضها لعقوبات لا سابق لها. ولهذا، والحرب في أوكرانيا ماضية قدماً، يتطلع بوتين الى الشتاء كفرصة كي يرد على الغرب، وتحديداً أوروبا، كي يجعلها ترتجف بسبب شح امدادات الطاقة من روسيا.

وفي مقال تحت عنوان، "الحرب الأوكرانية على وشك الدخول في مرحلة جديدة خطيرة"، كتب توماس فريدمان في النيويورك تايمز :"أعتقد أن المرحلة الجديدة من الحرب هي ما أسميها "استراتيجية الشتاء" التي يتبناها فلاديمير بوتين مقابل "الاستراتيجية الصيفية" لحلف شمال الأطلسي.

ومن الواضح أن بوتين مستعد لمواصلة الحرب إلى الأمام في أوكرانيا، على أمل أن يؤدي التضخم المرتفع في أسعار الطاقة والمواد الغذائية في أوروبا في نهاية المطاف إلى تفتيت حلف شمال الأطلسي. ويبدو أن رهانه هو: إذا كان متوسط درجات الحرارة في أوروبا أكثر برودة من المعتاد، وإذا كان متوسط إمدادات النفط والغاز العالمية أكثر إحكاماً من المعتاد، وإذا كان متوسط الأسعار أعلى من المعتاد، وإذا أصبح انقطاع التيار الكهربائي الناجم عن نقص الطاقة واسع الانتشار، فهناك فرصة جيدة لأن يبدأ أعضاء الناتو الأوروبيون في الضغط على الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي لإبرام صفقة مع روسيا - أي صفقة - لوقف القتال.

لذا، في حين قد يكون من الممكن إجبار بوتين على وقف إطلاق النار، فإنني أشك في أنه سيكون أكثر من مؤقت.

بدورها، اهتمت صحيفة التليغراف البريطانية بزيارة الرئيس الروسي، ولقائه بالرئيسين الإيراني إبراهيم رئيسي والتركي رجب طيب إردوغان. وقالت، في افتتاحيتها، إن هذه الزيارة "يجب أن تكون مدعاة للقلق في لندن وواشنطن...وروسيا وإيران هما من منتجي النفط والغاز الرئيسيين ويمكنهما وضع إستراتيجية لتعظيم الضرر الذي يلحق باقتصادات الغرب من خلال الحدّ من إمدادات الوقود مع ضمان ارتفاع أسعار صادراتهما، وهي الأسعار التي يجب أن تدفعها البلدان نفسها (في الغرب) التي تسعى إلى عزلهما".

وتطرح التليغراف السؤال التالي: "إلى متى ستتمكن دول مثل ألمانيا وإيطاليا، وكلتاهما تواجه نقصاً في النفط والغاز، من الصمود؟، وتقول إن بوتين "يراهن على أنهما ستصبحان مرتعشتيّن قريباً".

هل سيكون الشتاء الى جانب بوتين، كما كان الى جانب أسلافه ولكن في ظروف مختلفة كلياً؟

لا جواب محدداً، لكن يمكن القول بثقة إن حرب اوكرانيا طالما إستمرت، ستؤدي الى المزيد من الفصول القاسية على كل المستويات بما في ذلك الشتاء المقبل.