هل سيودع العالم منتجات الطاقة من روسيا؟

  • 2022-05-19
  • 10:45

هل سيودع العالم منتجات الطاقة من روسيا؟

  • أحمد عياش

كتب جيمس فيرنهوغ في "الفايننشال تايمز"، يقول:"من المحتمل أن يتم استبعاد روسيا بشكل دائم من سوق الطاقة العالمية بمجرد أن تفطم أوروبا نفسها عن النفط والغاز في البلاد،" فهل هذا الاحتمال وارد أقلّه في المدى المنظور؟

لا تتوقف أسواق الطاقة عن إرسال مؤشرات مؤيدة لهذا الاحتمال، وآخرها التي اوردتها "رويترز" من طوكيو اليوم، حيث ارتفعت أسعار النفط متعافية من خسائرها المبكرة بفضل آمال في أن يؤدي تخفيف القيود المزمع في شنغهاي إلى تحسين الطلب على الوقود بينما طغت المخاوف المستمرة بشأن شح الإمدادات العالمية على المخاوف من تباطؤ النمو الاقتصادي. وقال ساتورو يوشيدا محلل السلع الأولية لدى "راكوتين سيكيوريتيز" للوكالة: "لا تزال أسواق النفط تحافظ على اتجاه صعودي حيث من المتوقع أن يؤدي حظر الاستيراد المنتظر من قبل الاتحاد الأوروبي على الخام الروسي إلى زيادة تشديد المعروض العالمي".

واقترح الاتحاد الأوروبي هذا الشهر حزمة جديدة من العقوبات ضد روسيا بسبب غزوها لأوكرانيا. وسيشمل ذلك حظراً تاماً على واردات النفط في غضون ستة أشهر، لكن الإجراءات لم يتم تبنيها بعد، حيث تعد المجر من بين أكثر المنتقدين للخطة.

وكشفت المفوضية الأوروبية عن خطة بقيمة 210 مليارات يورو (220 مليار دولار) لأوروبا لإنهاء اعتمادها على الوقود الأحفوري الروسي بحلول العام 2027، واستخدام المحور بعيداً عن موسكو لتسريع انتقالها إلى الطاقة الخضراء.

في سياق متصل، وتحت عنوان "نذير انحدار لصناعة الطاقة الروسية التي كانت ذات يوم رائدة عالمياً"، كتب ستانلي ريد في "النيويورك تايمز" انه كان من المقرر أن يكون مشروعاً طموحاً للغاية على خليج أوب المتجمد، في أقصى شمال روسيا، وهو نقطة انطلاق في طموحات موسكو المتزايدة لتكون قوة في الغاز الطبيعي المسال بقدر ما هي في النفط والغاز الذي يتم تسليمه عن طريق خطوط الأنابيب. وعندما شن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين حربه على أوكرانيا، كان المشروع الذي تبلغ تكلفته 21 مليار دولار والمعروف باسم "Arctic LNG 2" جارياً على قدم وساق مع عشرات الآبار المحفورة، وبناء مطار وطلب معظم المعدات.

والآن، على الرغم من ذلك، فإن عقوبات الاتحاد الأوروبي التي تحظر بيع معدات تسييل الغاز إلى روسيا قد ألقت بالمجمع العملاق موضع شك. ويقول محللون إن العقوبات تعني، في أحسن الأحوال، أن واحدة فقط من ثلاث منشآت تسييل مخطط لها في القطب الشمالي للغاز الطبيعي المسال من المرجح أن تكتمل في أي وقت قريب.

في المقابل، لفتت إيرينا سلاف على موقع "أويل برايس" الالكتروني الى ان شركات التنقيب عن النفط الصخري الأميركية حذرة رغم الأرباح القياسية. ففي منتصف شباط/فبراير الماضي، قال سكوت شيفيلد من شركة "بايونير" للموارد الطبيعية لـ"بلومبرغ" إنه "سواء كان نفطاً بقيمة 150 دولاراً أو نفطاً بقيمة 200 دولار أو نفطاً بقيمة 100 دولار، فلن نغير خطط النمو لدينا". وعلى الرغم من كل ما حدث منذ ذلك الحين، والذي تركز على غزو روسيا لأوكرانيا، فإن الموقف الذي عبّر عنه شيفيلد في شباط/فبراير لم يتغير، على الرغم من أن شركات حفر الصخر الزيتي أصبحت الآن تجمع الأموال النقدية حرفياً تقريباً بعد سنوات من الغرق في الديون. وهذا العام، ستولد شركات النفط الصخري الأميركية ما يصل إلى 180 مليار دولار من التدفق النقدي الحر، وفقاً لـ"Rystad Energy"، بحسب ما كتبت صحيفة "فاينانشال تايمز". ووفقاً لمؤشر "ستاندرد آند بورز جلوبال كوميونيتي إنسايتس"، فإن إجمالي النقد لهذا العام لشركات حفر الصخر الزيتي سيفوق كل ما كسبوه على مدى السنوات الـ20 الماضية.

هذه بيانات مثيرة للإعجاب لصناعة كان ينظر إليها لفترة طويلة على أنها موقد للنقود مع عدم وجود أمل في الأفق، بيد أن الشهرين الماضيين أثبتا أن هناك أملاً في الأفق، وهو أمل راسخ تماماً. ومع ذلك، لا يبدو أن هذه الشركات تخطط للتخلي عن موقفها الحذر والبدء في الحفر من دون حدود مرة أخرى.

هل ينطوي حذر شركات التنقيب عن النفط الصخري الأميركية، معطيات عن اًن فورة أسعار النفط الراهنة، قد لا تستمر طويلاً؟

الواقع الراهن يشير الى انخفاض مخزونات الخام الأميركية الأسبوع الماضي، وهو تراجع غير متوقع، حيث زادت شركات التكرير الإنتاج استجابة لمخزونات المنتجات الضيقة والصادرات الشبه القياسية التي أجبرت أسعار الديزل والبنزين الأميركية على مستويات قياسية. وكان استخدام الطاقة الاستيعابية على كل من الساحل الشرقي وساحل الخليج أعلى من 95 في المئة، مما جعل تلك المصافي قريبة من أعلى معدلات التشغيل الممكنة.

لكن الكونغرس "يلاحق" صناعة النفط في الولايات المتحدة بعد مزاعم متكررة عن التلاعب بالأسعار والتربح من ارتفاع أسعار النفط والوقود بينما يعاني السائقون الأميركيون العاديون من الحمل المتزايد للأسعار المفرطة. ففي أواخر نيسان/أبريل الماضي، اتهم المشرعون الديمقراطيون صناعة النفط بالثراء على حساب السائقين الأميركيين، ووعدوا بتشريع من شأنه أن يجعل من الممكن للجنة التجارة الفيدرالية والمدعين العامين في الولايات مقاضاة شركات النفط على مزاعم التربح والتلاعب بالأسعار.

بالعودة من الولايات المتحدة الى روسيا، من المرجح في السنوات المقبلة، أن يضطر هذا العملاق إلى التراجع عبر مجموعة واسعة من الطاقة. إن النمو المستقبلي لصادراتها من النفط والغاز - التي كانت على مدى عقود العمود الفقري لاقتصاد البلاد - أصبح الآن غير مؤكد للغاية. وتمتد موجات الصدمة من أوكرانيا حتى إلى الطاقة النووية، حيث وضعت فنلندا أخيراً على الرف صفقة لروسيا لبناء مفاعل يقدر بنحو 7 مليارات يورو (7.4 مليارات دولار).

"روسيا ستكون لاعباً دولياً متضائلاً إلى حدّ كبير، وليس هناك شك في ذلك"، قال مات ساجرز، نائب الرئيس ورئيس الطاقة الروسية وبحر قزوين في "S & P Global"، وهي شركة خدمات مالية. من المحتمل أن تجد روسيا أسواقاً لبعض نفطها وغازها على الأقل. وفي أبريل/نيسان، قال بوتين إنه في حين أن البلاد قد تفقد المشترين التقليديين، فإنها ستجد المزيد في الداخل والخارج لكنها قد تفقد تدريجياً نفوذها في الصناعة، لتصبح منبوذة من الشركاء الدوليين السابقين مثل شركات النفط الدولية الكبرى.

ويقول بعض المحللين أيضاً إنه من الصعب أن نرى كيف يمكن لموسكو أن تظل رئيساً مشاركاً، مع المملكة العربية السعودية، لمنظمة منتجي النفط المعروفة باسم "أوبك بلس". ومع ذلك، حتى الآن، يتمسك المسؤولون السعوديون وغيرهم بروسيا بهدف الحفاظ على التماسك في المجموعة لتاريخ مستقبلي بعيد عندما يكون العالم مكتظاً بالنفط بدلاً من القلق في شأن النقص.

بالعودة الى عنوان المقال، "هل سيودع العالم منتجات الطاقة من روسيا؟" لا تبدو الإجابة سهلة، غير إن الفوضى الهائلة التي يشهدها العالم على المستوى الاقتصادي، لا تسقط من الحسبان أي احتمال. وفي الوقت نفسه، تبقى الأنظار شاخصة الى أسعار منتجات الطاقة التي تشير الى ان العالم واقع فعلاً تحت وطأة خروج منتجات الطاقة الروسية من اسواقه.